الخلافات بين الأكراد والعرب في العراق تزيدها الحرب في سوريا

تساهم الحرب الأهلية المشتعلة في سوريا، وخاصة في المحافظات الشرقية، في اشعال فتيل التوتر القائم بين بغداد واربيل والذي بدأت ملامحه تبرز بوضوح بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق.


بيروت:أدت الأزمة السياسية في العراق والتي بدأت بعد انسحاب القوات الأميركية في كانون أول (ديسمبر)2011 إلى ارتفاع التوترات بين بغداد واربيل. وتسبب عدم الاستقرار أيضاً بتعميق الانقسامات التاريخية بين اثنتين من أكبر الطوائف العراقية (العرب والأكراد).
من دون وجود حوار يهدف إلى تطبيع العلاقات بين بغداد وأربيل، يمكن أن يؤدي الاستقطاب المتزايد إلى نشوب صراع بين العرب والأكراد. وقد أضافت الحرب الأهلية في سوريا، والتي بدأت تنتشر فى المحافظات الشرقية من البلاد، عنصراً جديداً إلى الوضع المتوتر بالفعل في العراق وربما تكون المحفز الذي يسبب بتحول التوترات إلى حرب مشتعلة.

في أوائل العام 2012، انضمت حكومة اقليم كردستان المعارضة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وكانت حكومة المالكي التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد قد فجرت أزمة سياسية من خلال إصدار مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي الذي ينتمي إلى الطائفة السنية.
وعمل السياسيون الذين يمثلون التحالف الكردستاني مع كتلة العراقية التي يهيمن عليها السنة، إضافة إلى كتلة الشيعة الأحرار للتوصل الى تصويت البرلمان بحجب الثقة عن حكومة المالكي. وكان الهدف هو إقالة رئيس الوزراء من منصبه وعرقلة توحيد الحكومة المركزية للسلطة والممارسات الاستبدادية.
في حركة مضادة لردع المعارضة، اقترح المالكي إجراء انتخابات مبكرة. ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، كان المالكي قد اكتسب شعبية وطنية ترجح فوزه في الانتخابات في حال عقدت قريباً.

إضافة إلى حشد الدعم لأعداد كبيرة من الشيعة في بغداد والمحافظات الجنوبية من البلاد، يعتمد رئيس الوزراء على ولاء أعضاء الجيش العراقي المتضخم وقوات الأمن وعائلاتهم الذين يقدمون الدعم للمالكي لأن معيشتهم تعتمد عليه.
وتمتد شعبية المالكي الى محافظات شمال غرب العراق، حيث نجح في كسب صداقة السنة من خلال معارضة الأكراد، وكذلك بين بعض الأكراد الذين يعارضون حكومة إقليم كردستان.
عجز المالكي وخصومه عن الفوز وعدم رغبتهم في نزع فتيل الأزمة أدى إلى حدوث مأزق يؤدي إضافة إلى تعميق الخلافات بين العرب السنة والشيعة، إلى استقطاب العرب والأكراد.

في هذا السياق، اعتبر موقع quot;ناشونال انترستquot; الإخباري أن نطاق وتعقيد القضايا الأمنية والسياسية يكمن وراء الخلاف بين بغداد وأربيل، مثل عدم إحراز تقدم على قانون النفط والغاز الفدرالي، والصراع على المناطق المتنازع عليها في شمال العراق ووضع المقاتلين الاكراد المسلحين الذين يعرفون باسم البيشمركة، جعل الخلافات المتزايدة بين العرب والأكراد معقدة وصعبة الحل.
في نيسان (أبريل) 2012، علقت حكومة اقليم كردستان صادراتها النفطية لأكثر من أربعة أشهر، بدعوى أن الحكومة الفيدرالية لم تسدد تكاليف الشركات المنتجة في كردستان العراق. ورداً على ذلك هددت بغداد بفرض غرامة على حكومة اقليم كردستان بمبلغ يساوي العائدات التي تنتجها صادرات النفط.

وأدى ذلك إلى تفاقم الصراع على عائدات النفط وخلافات حول التعاقد. لكن النزاع يمتد إلى ما بعد النفط، فقد فشلت بغداد واربيل في التوصل الى اتفاق بشأن وضع حدود العراق المتنازع عليها داخلياً. ونتيجة لذلك، استمر الصراع حول أي المناطق في المحافظات الشمالية من محافظة ديالى وكركوك ونينوى هي كردية وإلى أي درجة تستحق الحكم الذاتي.
المسألة الأخرى المثيرة للجدل هي قوات البيشمركة، فقد سعت حكومة إقليم كردستان لدمج 30000 من قوات البيشمركة في قوات الامن العراقية (ISF) لتشكيل فرقتين في جيش البلاد ونشرها في كردستان العراق، لكن الاتفاق مع بغداد لم يتحقق حتى الآن.

وتزعم حكومة إقليم كردستان أن قوات البيشمركة هي جزء من جهاز الدفاع الوطني عن العراق، وبالتالي فإن على الحكومة الفدرالية تسليحهم، ودفع رواتبهم وتغطية ميزانية وزارة البيشمركة الكردية.

التوترات في العراق برزت بعد الانسحاب الأميركي


لكن الاشتباه بتطلعات الأكراد إلى إقامة دولة، دفعت ببغداد للجدال بأن نفقات البيشمركة ينبغي أن تدفع من حصة حكومة إقليم كردستان، التي تبلغ نسبة 17 في المئة من الميزانية الاتحادية.
بسبب الحرب الجارية في سوريا، يبقى الجيش العراقي في حالة تأهب لمنع العنف من الانتشار عبر الحدود. ومع ذلك، فإن الحركات التابعة للجيش في المناطق المتنازع عليها تثير ردود فعل من البيشمركة، الذين يشعرون بالقلق من ان بغداد قد تستخدم للصراع السوري كذريعة لتعزيز مطالبها الإقليمية من خلال نشر المزيد من القوات في المناطق المتنازع عليها.

وفي الوقت الذي تتعاطف فيه بغداد مع النظام السوري مقابل دعم أربيل للثوار، يبدو أن الشقاق بين القوات المسلحة لكلا الطرفين سيستمر بالنمو.
التوتر بين قوات الأمن العراقية والبيشمركة يثير المخاوف بين السكان العرب والأكراد في الأراضي المتنازع عليها. ومن خلال استحضار العداوات التاريخية والذاكرة الجماعية من عدم الثقة والتمييز والفظائع، يمكن لهذه المخاوف أن تتحول إلى دوامة صراع بين الطائفتين.
وليس هناك من شك في أن المتطرفين والجماعات المسلحة في جميع أنحاء العراق سوف تستغل بسهولة مخاوف المدنيين ونقاط الضعف لإثارة الحرب. لذلك فمن الضروري استئناف الحوار بين بغداد واربيل لحل الخلافات بالطرق السلمية، قبل أن تغلق نافذة الفرص.