أثار تحريف التلفزيون الإيراني الترجمة الفارسية لخطاب الرئيس المصري محمد مرسي في قمة عدم الإنحياز، موجة من الاحتجاج بين المصريين والسوريين، كما أثار حفيظة الحكومة البحرينية، إذ تمثّل هذه الواقعة فضيحة سياسية لإيران.


محمد مرسي واحمدي نجاد في القمة

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: رغم الحفاوة التي اُستقبل بها الرئيس المصري محمد مرسي في إيران، لاسيما أنه أول رئيس مصري يزور إيران بعد قطيعة إستمرت لأكثر من ثلاثين عاماً، إلا أن خطابه الذي ألقاه في قمة عدم الإنحياز تعرّض للتحريف بما يناسب وجهة النظر السياسية والمذهبية لإيران الدولة التي تعتنق المذهب الشيعي.

بدأ التحريف منذ العبارة الأولى لمرسي التي إستهل بها خطابه، حيث إفتتح بالصلاة والسلام على الرسول، والتراضي عن quot;صحبه سادتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعليquot;، إلا أن التلفزيون تجاهل التراضي عن الصحابة، لأنها مخالفة للعقيدة الشيعية. ثم تعرّض الخطاب للتحريف ليكون متوائماً مع السياسة الإيرانية في المنطقة.

وعندما قال مرسي: quot;الشعبان الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية والعدالة والكرامةquot;، نقلها التلفزيون الرسمي الإيراني quot;إن شعبي فلسطين والبحرين يناضلان من أجل الحريةquot;، لاسيما أن إيران تدعم النظام السوري بقيادة بشار الأسد الذي يعتنق الفكر الشيعي، وتعتبر أن ما يحدث في سوريا مؤامرة دولية، في حين ترى المظاهرات في البحرين ثورة شعبية، ضد نظام الحكم السني.

هذا ما يفسر إستبدال quot;البحرينquot; بدلاً من quot;سورياquot;. وعندما أعلن مرسي تضامنه مع السوريين، فقال: quot;إننا نتضامن مع الشعب السوري ضد الظلم والقمع، ونظام فقد شرعيتهquot;، لكن التلفزيون الإيراني نقلها على النحو الآتي: quot;نحن نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرة الموجهة ضد هذا البلدquot;، ولما دعا مرسي المعارضة السورية إلى الإتحاد، وقال إن quot;وحدة المعارضة السورية ضرورةquot;، جرى ترجمتها الى الفارسية :quot;نأمل ببقاء النظام السوري المتمتع بقاعدة شعبيةquot;.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث إستبدل التلفزيون الإيراني مصطلح الربيع العربي بـquot;الصحوة الإسلاميةquot;، ووصل التحريف عن إنتقادات مرسي لـquot;فيتوquot; الذي تستخدمه روسيا والصين لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي يدين نظام بشار الأسد، وجاء في الخطاب الأصلي: إن quot;الفيتو شلّ يد مجلس الأمن عن حل الأزمة السوريةquot;، لكن العبارة نقلت الى الفارسية على النحو الآتي: quot;الفيتو شل يد مجلس الأمن عن حل أزمات التحولات الشعبيةquot;.

سياسة مذهبية
بالقدر نفسه الذي لاقى به خطاب مرسي ترحيباً، لاقى ردود فعل إحتجاجية في الأوساط الشعبية والسياسية في مصر، كما لاقى إحتجاجات من قبل رموز المعارضة السورية في القاهرة.

وقال المعارض السوري معتز شقلب لـquot;إيلافquot; إن خطاب الرئيس محمد مرسي في طهران عكس روح الإصرار والعزيمة لدى الرئيس مرسي في إستعادة مصر لدورها الريادي، مشيراً إلى أن تحريف خطابه في ما يخص إنتقاداته لنظام بشار الأسد ودعم ثورة الشعب السوري، وإستبدال اسم سوريا بالبحرين، يؤكد أن السياسة الخارجية الإيرانية تحكمها المذهبية الدينية، ففي الوقت الذي تناصر نظام بشار الأسد القمعي الذي يقتل السوريين بالطائرات والدبابات والأسلحة المحرمة دولياً، وترفض الإعتراف بثورته، تدعم مظاهرات الشيعة في البحرين.

مشيراً إلى أن تحريف خطاب مرسي يؤكد أن إيران ماضية في دعمها اللامحدود لبشار الأسد للنهاية. ولفت إلى أن ما حدث يمثل فضيحة إعلامية وسياسية للنظام الإيراني، ومحاولة يائسة من النظام الإيراني لعزل الشعب الإيراني عن مجريات الأمور وحقيقتها.

معتبراً أن الخطاب بمثابة رسالة سياسية سنية من مصر إلى إيران، مفادها أن مصر تتزعم الدول السنية، في مواجهة إيران التي تتزعم الدول الشيعية، وأن مصر لن تسمح لإيران بفرض نفوذها على المنطقة العربية، ولن تسمح بنشر المذهب الشيعي في مصر أو أي من دول المنطقة، وأن التقارب بين الدولتين سيكون تقارباً سياسياً.

أزمة شيعية سنية
وحسب وجهة نظر الدكتور محمد عبد السلام أستاذ علم الإجتماع السياسي جامعة القاهرة فإن خطاب مرسي ورد الفعل الإيراني الرسمي بالتحريف يؤكدان أن هناك أزمة طائفية أو مذهبية في العالم الإسلامي بين المعسكرين الشيعي والسني، مشيراً إلى أن إستهلال مرسي خطابه بالصلاة والسلام على الرسول والتراضي عن أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان، رغم أن المذهب الشيعي يعتبر سب أبو بكر وعمر فريضة، له دلالة على أن مصر ستظل سنية ولن تسمح بالتشيع، لاسيما في ظل نشاط حملات التشيع في مصر بعد الثورة.

وأضاف عبد السلام لـquot;إيلافquot; أن الخطاب يحمل رسالة تطمينية لدول الخليج العربي، لاسيما إذا إقترن التراضي بإنتقادات حادة لنظام بشار الأسد ووصفه بـquot;الظالم وفاقد الشرعيةquot;، إضافة إلى تجاهل المظاهرات في البحرين، التي يراها البعض ثورة شعبية، ويراها آخرون مظاهرات مدعومة من إيران ضد نظام الحكم السني، لاسيما أن غالبية الشيعة في البحرين من المتجنسين ذوي الجذور الإيرانية.

ولفت عبد السلام إلى أن قمة عدم الإنحياز وخطاب مرسي عمقت الخلافات بين إيران ودول المنطقة وزادت من عزلتها، بخلاف ما كانت ترنو إليه طهران، منوهاً بأنها كانت تتطلع إلى التواصل مع مصر على حساب في مواجهة الخليج وإسرائيل ومواجهة الضغوط الغربية وإقامة تحالف بديل للتحالف السوري الذي أوشك على الإنهيار، لكنها فوجئت بمرسي يؤكد أن التحالف إذا حدث لن يكون على الأسس التي تريدها إيران، وإنما على الأسس التي تريدها مصر وترى فيها مصلحتها ومصلحة دول الخليج، لاسيما أن مصر لن تستبدل التحالف مع الخليج بالتحالف مع إيران.

وأشار عبد السلام إلى أن تحريف إيران الخطاب يؤكد أن هناك إصرارًا على أن تدفن طهران رأسها في الرمال، وترفض الإستماع إلى صوت العقل والتخلي عن مشروعها الديني والسياسي، معتبراً أن تحريف الخطاب يستوجب إحتجاجًا مصريًا رسميًا من قبل وزارة الخارجية، ويستوجب الإعتذار من جانب طهران. غير أن عبد السلام لا يتوقع أن تقدم مصر على الإحتجاج دبلوماسياً، لاسيما في ظل محاولتها فتح صفحة جديدة في العلاقات المتجمدة بين البلدين منذ العام 1979.

حرب طائفية
وأشعل خطاب مرسي وما تلاه من تحريف ما يشبه الحروب المذهبية بين السنة والشيعة على صفحات التواصل الإجتماعي، لاسيما فايسبوك وتوتير، ومنها: quot;مرسي راح علم عليهم في قلب طهران ولبسهم قلادة ماركة المشير وطفش أذناب بشار .. يا سلام عليك يا ريسquot;، quot;مرسي صفع الشيعة الصفويين كام quot;قفاquot; معتبر في عقر دارهمquot;، ''مرسي خرج المترجمين الشيعة من ملتهم بعدما قال: ''اللهم إرض عن سادتنا أبو بكر وعمر وعثمان''، quot;مرسي كفر الشيعة يا جدعان وتراضى عن أبو بكر وعمر وعثمان.. يا مكفرهم يا ريسquot;، ''مرسي بيصلي ع النبي وأصحابه في الكنيسيت ذاته يا جدعان''، quot;عاجل: مرسي يزور إسرائيل تلبية لدعوة ليبرمان، ويقف ساعة حداداً على روح هتلر، والتلفزيون الإسرائيلي يؤكد أنها لأرواح ضحايا المحرقةquot;، ''مرسي مطلعش إستبن طلع هو المنفاخ''.

وضع اسم البحرين بدلاً من اسم سوريا خلال الخطاب يعدّ إخلالاً وتزويراً وتصرفاً إعلامياً مرفوضاً، ويشير إلى قيام أجهزة الإعلام الإيرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وخروجاً عن القواعد المتعارف عليهاraquo;، وطالبت الخارجية البحرينية الحكومة الإيرانية بـlaquo;الاعتذار عن التصرف واتخاذ الإجراءات اللازمة حيالهraquo;.