مجلس التعاون الخليجي

يعارض أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي، الدكتور عبد الله يعقوب بشارة، تعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي، خوفًا من أن تصبح الكويت دولة تمزّقها الصراعات، كما يحث على تسريع الخطى في تطوير مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي، يبدأ اقتصاديًا ويتحول سياسيًا.


في جولة بدأت بالكويت والعملية السياسية المتأججة فيها، وتوسّعت نحو الاتحاد الخليجي المزمع إطلاقه قريبًا على أنقاض مجلس التعاون، ونحو إيران وأزمتي البحرين وجزر الإمارات، تحدّث الدكتور عبد الله يعقوب بشارة، أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي، بصراحة مع quot;إيلافquot;، في حوار شيّق أكد خلاله أن تعديل المادة الثانية من الدستور الكويتي يُخرج الكويت من عباءة الدولة المدنية المنفتحة إلى دولة تمزقها الصراعات ويفرق التشدد بين أبنائها.

كما أكد بشارة أن مجلس التعاون الخليجي حمى الخليج وأكد الشرعية والهوية والمصالح الخليجية، ودعا حكومة بلاده إلى تفعيل الإتحاد الخليجي لأن الكويت هي أكبر بلد خليجي مستفيد من هذا الاتحاد، بسبب التهديدات التي تتعرض لها. كما أعرب عن أمله في أن تبدأ الوحدة الاقتصادية الخليجية ثم تليها الوحدة السياسية.

ورأى بشارة أن الربيع العربي هو تمرد على حكم الاستبداد الذي أضاع كرامة مواطنيه وتجاهل مطالبهم، متوقعًا ألا يشهد الخليج العربي تغييرًا، خلافًا لسوريا، وانحسار نفوذ إيران ودور حزب الله.

الكويت غير مرتاحة

إيلاف: في مستهل الحوار، ما هي قراءتكم للمشهد السياسي الراهن في الكويت؟

بشارة: لا أرى أن الكويت مرتاحة الآن، فهناك تصورات تأخذ البلد إلى المجهول وتفتحه أمام صراعات لا نهاية لها. المادة الثانية من الدستور الكويتي تعكس الثوابت الوطنية وقواعدها، والمساعي الآن ليتوافق الدستور والشريعة الإسلامية. هذا أمر يغيّر طبيعة البلد ويُخرج الكويت من عباءة الدولة المدنية المنفتحة المتسامحة والقائمة على الوئام الوطني إلى دولة تمزقها الصراعات والاجتهادات التصادمية. ما كان هذا التصور ليبرز علنًا لولا قدرة المنادين به على فرضه على الحكومة أو على المجتمع. لكن مجتمع الكويت رافض لهذا الرأي، لأنه مجتمع منفتح، أقام دولته على الاتصالات مع الهند وآسيا وتجاربه مع أفريقيا. إنه أمر خطير، وأتمنى أن تواجهه حكومة الكويت بشدة.

إيلاف: ما هي آثار الاستجوابات الدائمة في مجلس الأمة على الشأن العام الكويتي؟

بشارة: لا يمكن أن تستقر الكويت وسط مسلسل الاستجوابات والاستفسارات المستمر من دون سبب، بينما يريد الشعب الكويتي الإنتاج، ويريد حكومة تخطط وتضع مسارًا مستقبليًا في الاقتصاد والتعليم والثقافة، وتنفتح على الثقافات العالمية في مجال المعرفة والإبداع. تسبب هذه الاستجوابات عدم الاستقرار وتفرز التخاطب الحاد وتشل الحكومة. الواضح أن ثمة عملية نشل لصلاحيات الحكومة وتهميش لدورها من جانب المجلس، بل هناك تعسف يطاولها، ويجب أن تصان لأنها السلطة التنفيذية والبرلمان سلطة تشريعية. أوافق على التحقيق في التحويلات المالية والإيداعات لأنها عمليات ذات أبعاد سياسية وإستراتيجية، لكنني أستهجن دعوة أحد النواب لتحويل البرلمان إلى مخفر ومركز تحقيق وترهيب. هذا لا يخدم الكويت، ولا يبعث على التفاؤل. ناهيك عن الإسفاف في التعبير والحدة في الطائفية والقبلية. فبدلًا من الوحدة الفكرية حلّت الوحدة الطائفية والقبلية والعنصرية، ما يشتت المجتمع الكويتي الذي حافظ على ترابطه دائمًا. لمست انزعاج دول عربية عدة، وبينها مصر، مما يحدث على الساحة الكويتية من الفوضى السياسية.

إيلاف: وما العلاج؟

بشارة: العلاج في ثلاث خطوات. حكومة تشتعل حيوية ولا تستكين، تفعيلٌ لدور المجتمع المدني بكل تجمعاته التي لا تحتمل خلافات ولا صراعات، ومحاسبة نواب الأمة عبر الإعلام ومن خلال التجمعات المختلفة كالدينية أو الديوانية.

نريد استقرارًا!

إيلاف: لماذا تعارضون تعديل الدستور؟

بشارة: تنص المادة الثانية من الدستور على أن الشريعة الإسلامية مصدر تشريع من دون أن تكون المصدر الوحيد، بينما يريد النواب الإسلاميون أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع. هذا سبب الخلاف الذي يشل اقتصاد البلد ويشتت سياسييه.

إيلاف: هل تعود المعارضة بنفس قوتها وعدد مقاعدها إن حصلت انتخابات برلمانية؟

بشارة: كلا. لا أتوقع ذلك، فثمة سخط عام في المزاج الكويتي على المعارضة، نتيجة تصرفات نوابها والحدة التي يتعاملون بها تجاه الملفات المختلفة. لكن، ليس من صالح الكويت أن تشهد انتخابات برلمانية كل أربعة أشهر. نريد استقرار البلد وديمومته واستمرارية العمل الاقتصادي والسياسي فيه.

المبارك نظيف والسعدون لم يحمِ الديمقراطية

إيلاف: تجددت الثقة في حكومة سمو الشيخ جابر المبارك، فماذا تتوقعون من هذه الحكومة؟

بشارة: يتمتع رئيس الوزراء بحسّ وطني حاد، ويريد أن يصلح، ويجب توفير الدعم لخطواته من خلال الافساح في المجال ليعمل بدلًا من إمطاره بالاستجوابات. وعلى الرغم من ذلك، خضع للاستجواب لأنه يحترم الدستور وليس لديه ما يخفيه، إذ هو رجل نظيف.

إيلاف: ماذا عن دور أحمد السعدون، زعيم المعارضة ورئيس البرلمان المنحل؟

بشارة: كانت ثمة تكتلات من الإسلاميين والسلفيين في المجلس المنحل، وهذه لم تكن بيد السعدون. لم يستطع أن يحمي التجربة الديمقراطية. كان عليه أن يشخّص المسببات ويساهم في إزالتها لما لديه من مسؤوليات.

الدكتور عبدالله يعقوب بشارة

دائرة أو خمس؟

إيلاف: ينادي النائب محمد الصقر بتحويل الكويت دائرة واحدة بدلًا من خمس، للقضاء على الطائفية والمال السياسي والرشوة الانتخابية. فهل تؤيدونه؟

بشارة: يجب إشباع هذا الاقتراح دراسةً قبل إقراره، والسؤال هنا هل يحقق تعديل الدوائر إزالة الحدة الطائفية والتعصب القبلي وتصويت التجمعات العنصرية والعرقية والفئوية؟ لا أفضل خمس دوائر على دائرة واحدة أو العكس، حتى أعرف سلبيات كل منهما وإيجابياتهما. الأمر يحتاج إلى توضيح وإقناع، ومحمد الصقر هو خير المنادين بالدائرة الواحدة وعليه أن يقنعنا.

إيلاف: وماذا عن مشروع تأسيس الأحزاب في الكويت الذي تبناه الصقر؟

بشارة: لا أرى الكويت بحاجة إلى أحزاب، بل هي بحاجة إلى تمتين المفاهيم الديمقراطية فيها. فممارستنا الديمقراطية ما زالت ضعيفة، وعليها مآخذ كثيرة. عندما نترك مفاهيمنا القبلية والطائفية ومصالحنا الفئوية جانبًا، ونصل إلى التسامح وقبول الرأي الآخر والتحاور، يمكننا وقتها التفكير في التعددية الحزبية.

وحدة اقتصادية فسياسية

إيلاف: بوصفكم أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي، ما تقييمكم له اليوم في ظل تحفظات عدة على أدائه وإنجازاته التي لم ترقَ لطموحات المواطن الخليجي؟

بشارة: مجلس التعاون الخليجي حمى الخليج وأكد الشرعية والهوية والمصالح الخليجية، وكل هذه إيجابيات، ونتحدث الآن عن تطويره من مرحلة التعاون إلى الإتحاد. نحن نؤيد تفعيل الدعوة إلى الإتحاد الخليجي، وأرى وجوب توضيح مفهوم الاتحاد للمواطن حتى لو بقي على ما هو عليه اليوم واكتفينا باستبدال كلمة مجلس بكلمة اتحاد. الكويت أكبر بلد خليجي مستفيد من نشوء الإتحاد لأن الكويت دولة مهدّدة. فتجربة الغزو العراقي الغاشم علمتنا أن مجلس التعاون هو حصننا ودرعنا الواقي. لذا يجب أن يكون الصوت الكويتي واضحًا في الدعوة إلى الاتحاد.

إيلاف: لكن بعض دول الخليج يتحفظ على تفعيل الإتحاد الخليجي حاليًا بسبب تشريعات الأنظمة ودساتيرها.

بشارة: في ميثاق الإتحاد شرط بارز، وهو أن تحافظ كل دولة على هويتها ونظامها الداخلي وجنسيتها وعلمها وسلامها الوطني وسفاراتها، والاتفاق أولًا على الوحدة الأمنية والاقتصادية والدفاعية، وتطوير التعليم وتبادل الخبرات. لا نريد أن نضيع في الفوضوية الإقليمية.

إيلاف: ماذا يأتي أولًا، الوحدة السياسية أم الوحدة الاقتصادية؟

بشارة: نفضل البدء بالوحدة الخليجية الاقتصادية لتليها الوحدة السياسية لاحقًا، لأن مجلس التعاون الخليجي تأسس في البداية بتنفيذ الوحدة الاقتصادية. فقد تأسس في ايار (مايو) 1981، وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، أقر الرؤساء الوحدة الاقتصادية لأنها الممر الذي سيؤدي إلى التضامن الخليجي التعاوني الاتحادي.

الخلل موجود وإيران شجعت

إيلاف: كيف تنظرون إلى محاولات زعزعة الأمن البحريني بأحداث طائفية؟

بشارة: لكي أكون منصفًا، التطرف موجود في الجانبين السنة والشيعة في البحرين. فمثلًا، جمعية الوفاق الإسلامية يتولى أمانتها العامة علي سلمان المتطرف، وكان سلفه معتدلًا. والبحرين جزيرة خدمات ومواردها محدودة، تزدهر باستقرارها. أقول إن أيران شجعت على حصول الأحداث الأخيرة، ولا أقول دبرتها... وكذلك فعل حزب الله. لكن ذلك لا ينفي وجود بعض جوانب الخلل في البحرين. فالمواطنة تتحقق بسيادة القانون والمساواة والكفاءة، وهنا موطن الخلل البحريني.

إيلاف: لكن إيران لم تشجع فحسب، بل احتلت جزر الإمارات الثلاث، وزار الرئيس الإيراني جزيرة أبو موسى أخيرًا.

بشارة: تعود مسألة جزر الإمارات إلى العام 1971، قبل تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وكنت آنذاك مندوب دولة الكويت في الأمم المتحدة. احتل شاه إيران جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى، أما جزيرة أبوموسى فهي موضوع اتفاق مع الشاه. كان هناك تواطؤ بريطاني مع شاه إيران لاحتلاله الجزر الإماراتية. اليوم، أعتبر زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى خطوة سخيفة. في المقابل، تطالب الإمارات باللجوء إلى التحكيم الدولي، لكن إيران رفضت لضعف موقفها من المسألة. عليها أن تفكّر مليًا، هل يستحق موضوع الجزر أن يتلف علاقاتها مع دول الخليج؟ فالعلاقات الطبيعية بين مجلس التعاون الخليجي وإيران هي الطريق التي تفيد إيران وليست المكابرة.

الربيع العربي ليس فوضى

إيلاف: أين الربيع العربي من نظرية كوندليزا رايس حول الفوضى الخلاقة؟ وهل من خارطة جديدة للمنطقة؟

بشارة: لا تفرز الفوضى إلا الفوضى، بينما الربيع العربي تمرد على حكم الاستبداد الذي أضاع كرامة مواطنيه، وعلى الاستخفاف بالرأي العام وتجاهل مطالبات الشعوب واحتكار القرار. فلا أرى رابطًا قويًا بين الأمرين. أما بالنسبة للخارطة الجديدة للمنطقة، فلا أرى تبدلًا في دول الخليج، خلاف ما سيحصل في سوريا. كما سيطرأ تبدل على الخريطة السياسية، إذ ستفقد إيران نفوذها ويخسر حزب الله دوره.