من آثار العنف في سوريا

يرى محللون أن العنف في سوريا أشد دموية من أسوأ السنوات التي شهدها العراق خلال الحرب. لكن هذه المقارنة ليست سوى تذكير بالثمن البشري الفادح للثورة ولا تهم السوريين بشيء فهم لا يحتاجون للإحصاءات ليعرفوا حجم معاناتهم.


صُدم الشرق الأوسط بالحرب الأهلية في العراق كما لم يصدمه حدث آخر في العقد الماضي. ويرى محللون أن تلك الحرب دمرت نسيج العراق السياسي والاجتماعي وأسهمت في استقطاب العالم العربي على أساس طائفي وفرضت على الولايات المتحدة أن تصرف النظر عن مشاريعها لإعادة تشكيل المنطقة سياسيًا.

ولكن النزاع المستعر في سوريا اليوم يبدو بأرقام الضحايا أشد دموية من أسوأ السنوات التي عرفتها حرب العراق.

ويقول مركز توثيق العنف في سوريا، وهو موقع الكتروني يتابع اعداد القتلى في النزاع، ان 5037 شخصا قُتلوا في آب (اغسطس) فكان الأشد دموية بين أشهر الحرب. إذ قُتل في تموز (يوليو) 3761 شخصا وفي حزيران (يونيو) 2204 أشخاص.

وبحسب مؤشر العراق في معهد بروكنز الذي تابع حجم الخسائر بالأرواح بين المدنيين والعسكريين منذ بداية الحرب فان 34500 مدني عراقي و2091 عسكريا عراقيا، من الجنود وعناصر الشرطة، قُتلوا في عام 2006، أو ما مجموعه 3049 عراقيا كانوا يُقتلون كل شهر.

وهناك عامل آخر يجعل سفك الدماء في سوريا حتى اسوأ منه في العراق هو أن سوريا اصغر سكانا بكثير من العراق. وتبين ارقام البنك الدولي ان عدد سكان العراق يبلغ نحو 33 مليون نسمة بالمقارنة مع 21 مليونا هم عدد سكان سوريا. وبالتالي، حتى إذا اقترب حجم الخسائر من حجمها في العراق فان ذلك يعني ان سوريا تبقى بالنسبة إلى المواطن السوري الاعتيادي مكانا اخطر بكثير من العراق.

إذ يبلغ عدد سكان سوريا 64 في المئة من سكان العراق وإذا تكررت أعمال العنف التي شهدتها سوريا في آب (اغسطس) في انحاء بلد بسكان العراق فان 7915 شخصا سيُقتلون كل شهر.

وهناك عدد من الاشتراطات والاستدراكات في هذه الأرقام اهمها التحفظات في مقارنة الأرقام من منظمة مثل مركز توثيق العنف في سوريا الذي يجمع ارقام الضحايا من لجان التنسيق المحلية المناهضة للنظام في انحاء سوريا، مع مؤشر العراق التابع لمعهد بروكنز.

وترى مجلة فورين بولسي الاميركية ان لدى لجان التنسيق المحلية ما يدعوها الى تقديم ارقام عالية لعدد الضحايا في محاولة لدفع المجتمع الدولي الى التحرك ضد النظام السوري. وكان مؤشر العراق، من الجهة الأخرى، يجمع معلوماته خلال اسوأ سنوات الحرب من الحكومة الاميركية التي كان لديها ما يدعوها الى التقليل من اعداد الضحايا.

ومع ذلك فان ارقام مؤشر العراق لعدد الضحايا المدنيين تقترب واحيانا تزيد على ارقام جهات ثالثة مستقلة. وعلى سبيل المثال ان منظمة quot;ودي كاونتquot; غير الحكومية التي تحصي عدد القتلى العراقيين من التقارير الصحافية تقول ان 28806 مدنيين قُتلوا في العراق عام 2006 وهو رقم يقل 6000 قتيل عن حسابات مؤشر العراق. ومنذ بداية الحرب حتى اليوم يقدر مؤشر العراق ان 116400 مدني قُتلوا وهو رقم يتفق مع حسابات منظمة بودي كاونت.

وفي نهاية المطاف لا تعني هذه المقارنة أي شيء. فان سفك الدماء في العراق لا يصبح مطاقا لأن سوريا تعيش فجيعة أشد مرارة وان السوريين لا يحتاجون الى مثل هذه الاحصاءات ليعرفوا حجم معاناتهم. ولكنها تذكير صارخ بالثمن البشري الفادح للثورة السورية التي ستحدد شكل الحقبة التالية من سياسة الشرق الأوسط مثلما اعاد العراق تحديدها المرة الماضية، بحسب مجلة فورين بولسي.