يشهد العراق اعتقال العديد من افراد العصابات المختصة في سرقة السيارات بدوافع مختلفة منها لغرض التربح عبر بيعها أو لأغراض استخدامها في أعمال التفخيخ والتفجير، حيث تتم سرقة 450 سيارة شهريًا في عموم البلاد.


بغداد: يطرح تفاقم ظاهرة سرقة السيارات في مدن العراق حاليًا، السؤال عن الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، وفيما إذا كانت هناك عصابات منظَّمة ومتخصصة وراءها أم كونها مجرد ظاهرة اجتماعية فردية تشترك في اسبابها الكثير من دول العالم؟

ومهما كانت الاسباب فإن مواطنين يبدون قلقهم الشديد من هذه الظاهرة، في ظل ظروف أمنية قلقة تُستخدم فيها السيارة المسروقة في التفخيخ في بعض الاحيان مما يضع مالك السيارة أمام مسؤوليات أخرى تقوده إلى التعرض لاتهامات من قبل الجهات الأمنية، مما يتطلب منه بذل جهود مضنية لاثبات أن السيارة سُرقت منه وأنه لا يتحمل وزر الاعمال التي قامت بها الجهات التي سرقت السيارة.

سيارات تزدحم بها شوارع المدن العراقية

وشهدت الايام الأخيرة اعتقال العديد من افراد العصابات المختصة في سرقة السيارات بدوافع مختلفة منها لغرض التربح عبر بيعها أو لأغراض استخدامها في أعمال التفخيخ والتفجير.

ويبدي مواطنون في كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) انزعاجاً من عدم قدرة الجهات الأمنية على كبح جماح ظاهرة سرقة السيارات، مشيرين إلى أن نقاط التفتيش ليست فاعلة في كشف الفاعلين، وأن الامر يتطلب اكثر من عمليات مراقبة أمنية روتينية تغيب فيها التقنيات الفنية اللازمة.

سرعة قياسية في السرقة

لؤي كريم من منطقة نادر في بابل (100 كم جنوب بغداد) يشير إلى أن سيارته سُرقت من أمام منزله، وبسرعة قياسية فما أن دخل المنزل وخرج بعد نحو نصف ساعة لم يجد لها أثرًا.

ويتابع: quot;نقطة التفتيش الأمنية تبعد نحو 10 كيلومترات من منزلي، وبعدما اتصلت بالقائمين عليها، لمست منهم بطء الإجراءات الأمنية وتخلف تقنيات الاتصالquot;. وأضاف: quot;هذا يعكس صورة حقيقية لطبيعة الوسائل التي تمتلكها هذه المؤسسات الأمنية في معالجة الجرائم المختلفةquot;.

ضابط الشرطة سعد الجبوري يعزو ظاهرة تنامي سرقة السيارات إلى غياب وسائل الأمان، فالمواطن العراقي، يبدي (لامبالاة) تجاه تحصين سيارته من السرقة. كما يُرجِع الجبوري جزءًا من الظاهرة إلى الإزدياد الكبير لاعداد السيارات الحديثة في العراق حيث يقول: quot;إنها معادلة منطقية فكلما زاد العدد كثرت حالات السرقةquot;.

ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام 1920 وحتى عام 2003 فإن مجموع السيارات المسجلة في العراق بلغ مليونين و250 ألف سيارة، في حين أن الفترة التي اعقبت عام 2003 شهدت دخول أكثر من مليون ونصف المليون سيارة بحسب إحصاءات مديرية المرور العامة.

غير أن الباحث الاجتماعي استبرق التميمي، يُرجع الظاهرة إلى الفوارق الطبقية وحالة الفقر والبطالة المنتشرة بين الشباب. ويتابع: quot;بعض العاطلين عن العمل يجدون في ممارسة بعض انواع الجريمة كوسيلة لتوفير المالquot;.

نحو 450 سيارة تسرق شهرياً

ويقول ضابط المرور علي حسين من مركز تفتيش جنوبي بغداد في اتصال هاتفي مع quot;ايلافquot; إنه لا تتوفر احصائية دقيقة عن حجم سرقات السيارات في العراق لعدة اسباب منها أن الكثير من حالات السرقة لا يتم الإبلاغ عنه، كما أن الكثير من السيارات المسروقة غير مسجلة في الأساس بطريقة قانونية، ناهيك عن غياب مركز شامل لقواعد المعلومات يحصي عمليات السرقة اليومية ويجمعها في كل أنحاء العراق.

وبحسب حسين، فإن نحو سبعين سيارة مسروقة تم ضبطها في ظرف ستة اشهر في بغداد وحدها، أما السيارات التي لم يتم العثور عليها فتبلغ المئات. ويتوقع حسين أن نحو 25 سيارة تسرق شهريًا في كل محافظة عراقية كمعدل عام ما يعني سرقة 450 سيارة شهريًا في عموم البلاد.

اختصار الطريق نحو الثروة

الاجهزة الأمنية تحاول مكافحة الظاهرة بإمكانيات محدودة

وتشير تجربة التميمي عبر فعالياته الاجتماعية وحضوره الندوات والفعاليات الاجتماعية الى أن بعض الشباب يحاول اختصار الطريق نحو الحصول على الثروة فيلجأ إلى الأعمال غير المشروعة.

ويضيف: quot;التقيت بأحد الشباب المتورطين في سرقة عدد من السيارات حيث أوضح له أن حالته المادية السيئة اضطرته الى فعل ذلك، معتقدًا أن سرقة سيارة لمرة واحدة تكفي لتوفير المال اللازم، لكن نجاح العملية جرت قدمه لأن يمارسها أكثر من مرة ثم ما لبث أن التحق بعصابة لسرقة وتفكيك السياراتquot;.

الباحث الاقتصادي عدنان كاظم يرى أن عدد السيارات التي تستورد في الوقت لا يتناسب مع الحاجة الفعلية للمواطنين، كما أنه لا يتوازن مع البنية التحتية للشوارع والساحات في العراق، مؤكدًا أن الكثير من المواطنين بات يقتني السيارات لأجل المباهاة وكرمز من رموز الغنى والجاه، مما ساهم في زيادة القيمة المعنوية والمادية للسيارة وصار البعض يحاول اقتناءها بأي ثمن وحتى وأن اضطر إلى سرقتها.

لكن ضابط شرطة المرور حميد قاسم يعترف أن الأجهزة الأمنية بما فيها شرطة المرور تتحمل مسؤولية في ذلك، فليس هناك نظام الكتروني شامل ومتكامل في انحاء العراق يمكنه عبر قواعد بيانات معينة اكتشاف إن كانت السيارة مسروقة أم لا.

ويتابع: quot;معرفة ذلك ممكنة الآن في العراق، لكن هذا لا يكفي والمطلوب هو معرفة السيارة المسروقة بأقصى سرعة ممكنة عبر بيانات رقمية تتيح لشرطة المرور وهي تتجول بين الشوارع معرفة هوية السيارة في اللحظة نفسهاquot;.

خسائر اقتصادية

وتسبب سرقة السيارات في العراق خسائر اقتصادية جسيمة، إضافة إلى أنها تهدر مبالغ كبيرة من أموال المواطنين.

وسعت وزارة التجارة العراقية هذا العام إلى وضع خطة كفيلة بترشيد استيراد المركبات إلى العراق عبر حصر الاستيراد عبر الشركات المصنعة وليس التجار.

ويؤيد صاحب معرض السيارات حيدر حسين هذه الخطة، مؤكدًا أنها ستسهم في خفض اسعار السيارات، وبالتالي سينعكس ذلك أيضًا إلى أعداد السرقات التي تحصل.

ولا تقتصر السرقة على السيارات الحديثة بل تشمل السيارات القديمة (منفيست)، ويُلقي حسين جزءًا من اسباب ذلك الى كون هذه السيارات القديمة غالبًا ما تكون بعيدة عن المراقبة، يضاف إلى ذلك سهولة فتحها، وغياب الحراسات عنها، كما أنها سهلة الفتح والتشغيل في الوقت نفسه.

ويروي احمد كامل الى أن سيارته فولفو (موديل 2006) سُرقت منه العام الماضي، ثم ما لبثت مفرزة شرطة من العثور عليها في كراج سيارات بعد مداهمته لاشتباهه في صنع متفجرات.

ويذكر أن اغلب الكراجات والبيوت التي تداهمها الشرطة باعتبارها وكرًا للجماعات المسلحة تحتوي على سيارات مسروقة في الغالب ومعدة للتفجير. ومنذ عام 2003 انتشرت معامل تفكيك السيارات بشكل ملفت للنظر في اغلب الأحياء الصناعية في العراق.

ويعترف صاحب مخزن بيع قطع الغيار كامل حسن أن هذه القطع في بعض الأحيان مجهولة المصدر.

مرتضى مال الله، (معلم) فقد سيارته اوبل، موديل 2007 أثناء زيارة دينية له إلى كربلاء، وأثناء غيابه الذي لم يستمر أكثر من ساعة، سُرقت سيارته، و لم يعثر على أي أثر لها إلى الآن.

ويُرجع ايمن حسن صاحب كراج تفكيك السيارات ظاهرة زيادة السرقات إلى كونها عمليات سهلة في ظل غياب اجهزة الكشف عن العمليات في وقت محدد، كما أن اغلب السيارات في العراق لا تحتوي على وسائل أمان كاملة تحصن من السرقة. يقول ايمن: quot;تفكيك السيارة المسروقة بسهولة حيث تباع على شكل قطع غيارquot;.

ومنذ العام 2003، قتلت السيارات المفخخة التي هي في غالبيتها مسروقة الكثير من الناس وتسببت في خسائر اقتصادية جسيمة. واستُخدمت بعد عام 2003 الكثير من السيارات المسروقة في العمليات الإرهابية، حيث تفخخ السيارات وتفجّر في مراكز المدن وأمام المؤسسات المختلفة.

ولا يعبأ العراقي كثيرًا لإجراءات الأمان في سيارته والتي تحد أو تعرقل من سرقة السيارات، كما تفتقر البلد إلى نظام إنذار او إخبار مبكر يتيح الإبلاغ عن حوادث التسليب والسرقة بشكل آني.

سرمد الطائي يروي عن سرقة سيارته بسرعة قياسية عام 2010 حينما سافر من المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) الى شارع السعدون في مركز بغداد، فبعدما ركن سيارته قاصدًا الطبيب اختفت سيارته إلى الآبد.

اساليب جديدة في الكشف عن السرقات

وللحد من سرقات السيارات شرعت شرطة المرور بالتعاون مع الجهات الأمنية، بنصب مفارز متنقلة على الطرق الخارجية وداخل بغداد أيضاً لضبط المركبات المسروقة، بحسب مدير اعلام مديرية المرور العميد نجم عبد جابر.

ويشير حسين إلى أن استخدام نظام الحاسبة المحمولة حقق نتائج إيجابية خلال العام 2011 وهذا العام، حيث ساهم في ضبط عشرات السيارات المسروقة.
وأحد الحلول التي وضعتها وزارة الداخلية العراقية بالتعاون مع محافظة بغداد اعتماد السيطرة النموذجية في مداخل العاصمة والمزودة بتقنيات فحص حديثة تكشف عن السيارات المسروقة وذوي الهويات المزورة.