لا يُخفي العراقيون تشاؤمهم من انتقال أزمات العام المنصرم إلى العام الجديد، خصوصًا أن الفساد المستشري في هيكل مؤسسات الدولة ما زال طاغيًا على كل ما عداه، ومستمرًا يلجم كل تقدم ونمو.



بغداد: سياسيون يعبرون عن إرادة الشعب، وديمقراطية حقيقية بلا فساد، ونشر الأمن، والقضاء على الفقر... هذه أمنيات يشترك فيها اغلب العراقيين عشية العام الجديد، ولا سيما ان العام 2012 لم يشهد تقدمًا حقيقيًا في الإنجازات التي وعد المسؤولون بتحقيقها، لتظل الوعود مجرّد كلام، في ظل تفاقم مظاهر الفساد المالي والإداري التي تنخر هيكل مؤسسات الدولة العراقية.

الفساد ثم الفساد

يرى الباحث الاكاديمي جعفر حسن، وهو جامعي متقاعد، أن الانفلات الأمني يظل التحدي الأبرز في العام 2013، quot;ويبدو انه سيظل هكذا مواكبًا لفعاليات الفساد والإفسادquot;.
كما أن التحسن الاقتصادي، بحسب جعفر، الناجم عن صادرات النفط، ستعطله الصراعات الاقليمية التي يمكن أن تحدث، ما يوجب على الحكومة التفكير في بدائل ناجعة للحيلولة دون تأثر الاقتصاد العراقي بذلك.
ويأمل جعفر أيضًا أن يشهد العام الجديد الكشف عن رموز الفساد التي شاركت في نهب ثروات البلاد ومقدراتها، مشددًا على ظاهرة ارتفاع روح المسؤولية لدى المواطن وانتقاده الخلافات بين السياسيين، ودعواته لمقاطعة النخب الفاسدة ومعاقبتها.
ويتوقع التاجر سعد محسن أن تستمر ظاهرة الفساد المالي والإداري، في ظل انعدام أي مؤشرات على محاكمة رموز فساد أو فضح أساليبها. وينتقد محسن التغطية على عمليات الفساد، إذ لم تتم محاكمة أي من المفسدين طوال السنوات الماضية.

تململ شعبي

يرصد الإعلامي منذر فياض ازدياد تململ المواطن من السياسيين في العام 2012، إذ يرى أن وعي المواطن ازداد بضرورة انتخاب سياسيين نزيهين من ذوي الكفاءة، مؤكدًا أن العام 2012 كان عام الانتكاسة في ما يتعلق بسمعة السياسي والمسؤول العراقي الذي فقد ثقة المواطن.
ويتوقع فياض أن تكشف أي انتخابات تحدث في العام الجديد عن حجم النقمة الشعبية على السياسيين العراقيين، الذين لم يكونوا على قدر المسؤولية، من وجهة نظره التي يراها تعبر عن موقف الاغلبية الساحقة من العراقيين.
كما يتوقع أن يشهد العام الجديد رفضًا شعبيًا تاريخيًا للوضع السياسي، وأن تشهد الحياة السياسية العراقية الكثير من الصراعات عديمة الجدوى، تؤدي إلى سقوط بعض رموز القوى المتنفذة.

أجندة شعبية

تشير استطلاعات الرأي بين الاوساط الشعبية والنخب على حد سواء إلى أن الهم السياسي ونقص الخدمات وظاهرة الفساد تطغى على أي هم آخر، وأن المواطن العراقي يحمّل السياسيين مسؤولية تدهور الاوضاع.
ويشير استطلاع محدود أجرته quot;إيلافquot;، بين نحو خمسين عراقيًا من مختلف الاتجاهات السياسية والمستويات الثقافية والأكاديمية، إلى أن خمسًا وأربعين منهم لا يتوقعون أن يسود الاستقرار السياسي في العام الجديد، مع ظهور بوادر صراع حول المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد.
لكن هناك من لا يهتم بالسياسة قدر تركيزه على الاقتصاد. فالمهندس كريم عريبي يشير إلى أن quot;التنمية وتشغيل المصانع المعطلة والإنتاج المتوقف تمثل البنود الأهم على الأجندة الشعبية العراقية في العام الجديد، ومن الممكن تحقيق التقدم على هذا الصعيد بسبب الانتاج النفطي الوفير على الرغم من استشراء الفسادquot;.
ويبدي عريبي تخوّفه من اندلاع أزمة أمنية واقتصادية بسبب الوضع السياسي القلق. يقول: quot;كان للموظفين في الدولة حصة الأسد من القرارات الاقتصادية، وأدعو أن يشهد العام المقبل شمول شرائح أكبر في المجتمع بقرارات تحسّن وضعهم الاقتصاديquot;.

لا تقدّم

من جانب آخر، يتوعد المدرس حمزة الصائح الأحزاب السياسية بانها لن تحقق اي تقدم انتخابي مؤكدًا أن كثيرًا من النشطاء السياسيين يعولون على العام الجديد ليكون الفاصل في تحقيق إنجازات أكبر، نظرًا إلى أن السياسيين بدأوا يدركون أيضًا حجم ضجر المواطن العراقي تجاههم، وهم بالتالي مجبرون على إعادة النظر في حساباتهم.
وتعرب الكثير من الشخصيات الاجتماعية والأكاديمية عن أملها في أن يكون العام الجديد وقتًا مناسبًا للترشح للانتخابات وتبوّؤ مراكز سياسية وادارية عليا لخدمة المواطن، وقطع الطريق على السياسيين والمسؤولين الحاليين الذين برعوا في الفساد والسعي وراء مصالحهم الشخصية، كما يقول المهندس رافع سعدون، الذي يأمل في أن تتاح للأسماء الجديدة من النخب الاكاديمية والسياسية أن تحل محل الوجوه الحالية، التي تشوّهت سمعتها بسبب عدم قدرتها على تحقيق أي إنجاز ، إضافة إلى تورّطها في عمليات فساد.
وفقد حسين ساجت، وهو معلم سابقًا وعاطل عن العمل حاليًا، كل أمل في العام الجديد quot;لأن السلبيات ستستمر سواء في قطاع الخدمات المنهار تمامًا أو في مجال الفساد المالي والاداري، طالما أن الدولة ساكتة عنهquot;.

وعي وأمنيات اقتصادية

من جهتها، ترى الباحثة الاجتماعية سهيلة محمود أن العام 2013 سيتمخض عن دور مشهود للشباب على غرار ثورات الربيع العربي، حيث ستعمّ التظاهرات الشبابية المطالبة بالإصلاحات. وتتابع: quot;الوعي الذي لمسناه في العام 2012 إيجابية كبيرة، والشباب العراقي باكتسابه الخبرات سيجبر القوى والاتجاهات السياسية المختلفة على الكشف عن أوراقهاquot;.
أما الخبير الاقتصادي حسن سعد فيرى أنّ أغلب أحلام العراقيين في العام 2013 ذات دوافع اقتصادية، عبر الرغبة في توفير الحياة الكريمة للمواطن، والسخط على التردي الاداري والأمني والفساد المستشري في الدولة. يقول: quot;على الرغم من أن الرواتب ارتفعت، الا أن الأوضاع المعيشية لم تتحسن بشكل ملموس، وعسى أن يكون العام 2013 عام رفع الأعباء عن كاهل المواطن وانحسار البطالةquot;.
ويلفت سعد إلى أن العراقي اليوم quot;ينأى بأحلامه عن السياسة والسياسيين ليأسه منهم، لكنه يتأمل أن تُسخّر العوائد النفطية لفتح المصانع وتشجيع المشروعات الصغيرة ومنح المواطنين أراضي بأسعار رمزية بغية القضاء على أزمة السكن، وأن يتم تشجيع الاستثمارات الأجنبية لتوفير الخدمات واستحداث فرص عمل تحد من البطالةquot;.

فوق القانون

يصف المحامي كريم حسن العام 2012 بأنه عام الأزمات السياسية المتعاقبة، متوقعًا أن تستمر الأزمات في العام 2013، وربما تزداد ضراوة في ظل تصاعد الشعارات الطائفية. وهو لا يستثني أي طرف في العملية السياسية من مسؤولية تأجيج الصراع الطائفي، ومن ضمنها الحكومة.
ويعتقد حسن أن القانون في العام 2012 كان متعثرًا في الكثير من مجالات تطبيقه، إما بسبب الجهل وقلة الوعي، أو بسبب التجاوزات من قبل المسؤولين الذين يعتقدون أنهم فوق القانون او ان هذا القانون يوفر لهم الاستثناءات التي يريدونها.
ويشير نادر عبد، الاكاديمي في جامعة بابل، إلى أن العام 2013 سيشهد تأثيرًا كبيرًا على انتخابات مجالس المحافظات في نيسان (أبريل) المقبل، وعلى الكثير من الأجندات السياسية والاقتصادية في البلاد.
ويؤكد حسن أن القوى السياسية والمسؤولين quot;سيسعون إلى التقرب من المواطن بطرق مختلفة، بغية تحقيق مكاسب وزيادة النفوذ لتأمين أكبر عدد من الاصوات، غير أن المواطن بدا أكثر وعيًا من أهدافهم هذه مقارنة بالسنوات السابقةquot;.