عهدٌ ووعدٌ بين الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور االسادات، فوصية رئاسية للأولاد والأحفاد بالابتعاد عن رمال السياسة، احترمها هؤلاء ونزلوا عند رغبة جديهم، فتفرقوا في الأرض يخوضون غمار الأعمال والاستثمارات، التي لا تمت للاشتراكية بأي صلة.


القاهرة: في تاريخ الشعب المصري زعماء خالدون لا ينساهم أبدًا، منذ الملك مينا موحد القطرين، مرورًا بالملك رمسيس الثالث، ومحمد على باشا، ثم جمال عبد الناصر، أحد أهم الزعماء العرب خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وأخيرًا الرئيس محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، الذي حرر سيناء وقضى على أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.

يذكر المصريون الرئيسين ناصر والسادات بالخير الكثير، ويحظى أبناؤهما بنصيب وافر من هذا الحب، مقارنة بالرئيس السابق حسني مبارك، وإبنيه جمال وعلاء، الذين إندلعت ثورة 25 يناير ضدهم، فإقتعلت الأب عن عرشه، وحطمت آمال نجله الأصغر جمال في وراثة الحكم.

الوصية الرئاسية

يحظى أبناء ناصر والسادات بحب وإحترام المصريين، لا سيما وأن أيًا منهم لم يضبط متلسبًا بالحصول على أية مكاسب مادية أو معنوية أثناء حكم الرجلين، ولم يذكر التاريخ أن أيًا منهما أو أبنائهما مسه شيطان الفساد المالي أو السياسي. إلا أن الأحفاد لا ينالون القسط ذاته، خصوصًا أن الغالبية العظمى منهم متوارية عن الأنظار، ولم يظهروا بوسائل الإعلام إلا نادرًا جدًا، بإستثناء جمال مروان، حفيد الرئيس عبد الناصر لإبنته منى، الذي يمتلك مجموعة قنوات ميلودي.

يرجع ذلك إلى أن الرئيسين أوصيا أبناءهما بالإبتعاد عن عالم السياسة، وعدم الغوص في مستنقعاتها. وقد نفذوا جميعًا الوصية. وبالرغم من أن الزعيمين كانا من رواد الفكر الإشتراكي في المنطقة، إلا أن أبناءهما وأحفادهما يعتنقان الفكر الرأسمالي عمليًا، فغالبيتهم يمتلكون شركات إستثمارية وينتمون إلى طبقة رجال الأعمال، بإستثناء بنات السادات من زوجته الأولى وأبنائهن، اللواتي يعشن حياة بسيطة، أقرب للفقر منها للغني والثراء.

جمال.. اسم لخمسة أحفاد

تزوج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من زوجته تحية، إبنة التاجر الإيراني محمد إبراهيم كاظم، في العام 1944. أنجب منها ثلاثة ذكور وأنثيين، هم هدى ومنى وخالد وعبد الحميد وعبد الحكيم. وفضل جميع أبنائه إطلاق اسم والدهم على واحد من أبنائهم، فصار لديه خمسة أحفاد يحملون اسم جمال.

تزوجت هدى، الإبنة الكبرى، من الدكتور حاتم صادق، ويعملان إستاذين بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. وأنجبت أول حفيدين لعبد الناصر، هما هالة وجمال. وتشغل هالة أول حفيد لعبد الناصر منصبًا رفيعًا بأحد البنوك المصرية الخاصة، وتزوجت من أيمن الجمال، وهو مصرفي أيضًا، وأنجبا حاتم وليلى. ليس لجميع أحفاد عبد الناصر لإبنته هدى حضور إجتماعي أو سياسي، ولم تصادفهم أية كاميرات لوسائل الإعلام مطلقًا، ولا يعرف عما إذا كانت لديهم حسابات على الفايسبوك أو توتير أم لا.

جمال مروان.. الحفيد المثير للجدل

أكثر الأحفاد شهرة وإثارة للجدل هو جمال مروان، نجل أشرف مروان رجل الأعمال وسكرتير الرئيس الراحل أنور السادات. فهو يمتلك مجموعة قنوات ميلودي الفضائية، المختصة في مجال الموسيقى والدراما والمنوعات. وكان جمال الحفيد بطلًا لقضية أثارت جدلًا واسعًا وما زالت، وهي قضية زواجه من المغنية اللبنانية الشابة قمر، التي أنجبت طفلًا أسمته جيمي، وأقامت دعوى قضائية ضده، لإجباره على الإعتراف بنسب الطفل إليه. إلا أن القضية لم تكلل بالنجاح، وشطبت المحكمة الدعوى بعد أن عجزت قمر عن إثبات زواجها من جمال مروان، الذي أقام بدوره دعوى سب وقذف ضدها.

طلاق عربي.. أم الأجنبي

لا يكف جمال مروان عن إثارة الجدل فنيًا، وإثارة غضب بعض المصريين، بسبب جرأة الإعلانات التي تقدمها قناته، فأقدم على تطليق زوجته عبر إعلان تلفزيوني مثير في قناته ميلودي، جاء على طريقة إعلاناته المثيرة quot;أفلام عربي.. أم الأجنبيquot;، وحمل عنوان quot;طلاق عربي.. أم الأجنبيquot;، وورد فيه: quot;انه في يوم التاسع من شهر محرم 1434 هجرية الموافق الثالث عشر من ديسمبر 2012 ميلادية، طلّق السيد جمال محمد أشرف أبو الوفا مروان السيدة جيلان محمود محمد حنفي سهمود طلقة أولى غيابية رجعية بعد الدخول والخلوة الشرعية، وسدّد مؤخر الصداق 5023 جنيهًا مصريًا، بواقع جنيه عن كل يوم زواج اعتبارًا من تاريخ الزواج وحتى الطلاقquot;.

أثار إعلان الطلاق هذا غضب المقريبن من مروان، وبعض المصريين، ما حمله على توضيح موقفه ولكن عبر صفحته على موقع الفايسبوك، وكتب: quot;جيلان هتفضل طول عمرها أم عيالي وجبتلي أشرف، محمود، مريم و أخر العنقود جمال إللي هما حياتي. لكن الأسباب وإلي بيني وبينها هيفضلو بيني وبينها. احنا إتجوزنا وأشهرنا واطلقنا واعلنا على سنة الله ورسوله. مش مهم أي حاجة في الدنيا غير كدة في موضوع الجوازquot;. وأضاف: quot;أما بالنسبة لطلاق عربي.. أم الأجنبي، دة موضوع بيني وبين جيلان، وأنا وهي فهمينو ومش مهم بالنسبالي أن أي حد تاني يفهم أو رأي أي حد غيرهاquot;. وتابع: quot;رد فعلي الطبيعي بناءً على كل سنين الجواز اني أدافع عن جيلان، حتى لو في طريقة الطلاق، أنا الجاني، علشان أنا مبعرفش غير اني أدافع عنها حتى لو كان من نفسي.. ومين عارف بكرة هيحصل إيه؟ وربك مسامح كريمquot;.

لا للسياسة

لجمال عبد الناصر حفيد يحمل اسمه أيضًا، من أبنه الأوسط عبد الحميد، وهو رجل أعمال يعيش في الإمارات، ويفضل كباقي أبناء أعمامه وعماته الإبتعاد عن السياسة.

لم يظهر أي من أحفاد جمال عبد الناصر لأبنائه الذكور، إلا نادرًا جدًا، وكان منهم المهندس جمال خالد عبد الناصر، الذي ظهر بعد وفاة والده، في 15 أيلول (سبتمبر) 2011، فوقف إلى جوار أعمامه لتلقي العزاء، وظهر في برنامج تليفزيوني تحدث خلاله عن والده وجده، وثورة 25 يناير، وتحدث عن حزن والده بسبب إنتشار الفساد في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

وأضاف أن نجلي مبارك لم يكنا الحب لوالده، ولفت إلى أنه شارك في الثورة، وذهب إلى ميدان التحرير مع حفيد عبد اللطيف البغدادي نائب الرئيس جمال عبد الناصر. وأصيب برصاصتين مطاطيتين. وأعلن أن أبناء عبد الناصر وأحفاده ليست لديهم أية تطلعات سياسية، ولا ينبغي لهم ذلك، لأنهم قد لا يستطيعون تطبيق أي من مبادئه.

حفيد آخر يحمل اسم جمال عبد الناصر، ولكن لإبنه عبد الحكيم، انتقد من أمام قبر جده، أثناء الإحتفال بالذكرى الستين لثورة يوليو، نظام حكم الإخوان بعد ثورة 25 يناير، مشيرًا إلى أن الرئيس محمد مرسي تجاهل الحديث عن إيجابيات ثورة 23 يوليو التي قادها جده. أضاف: quot;لولا ما قام به الضباط الأحرار ما كان مرسى فى منصبه الآنquot;، لافتًا إلى أن الشعب المصري بعد الثورة بحاجة لزعيم مثل جمال عبد الناصر، لكنه رفض أن يشترك أي من أحفاده الحياة السياسية، تنفيذًا لوصية جده.

السياسة حرام على أبناء السادات

يبدو أن عبد الناصر والسادات إتفقا سويًا على إبعاد أبنائهم وأحفادهم عن السياسية، فلم يدخل أي من أبناء الرئيس الراحل أنور السادات معتركها أيضًا، أو أي من أحفاده، بل يمارسها أبناء أشقائه فقط، ومنهم النائب محمد عصمت السادات، وشقيقه الراحل طلعت السادات، آخر رئيس للحزب الوطني المنحل.

تزوج السادات مرتين، الأولى من إقبال ماضي، وهي من أصول تركية، في العام 1940، وأنجب منها ثلاث بنات هن: رقية وراوية وكاميليا. وإنفصل عنها في العام 1949، ليتزوج من جيهان روؤف صفوت، وينجب منها ثلاث بنات وولد هم: جيهان ولبنى ونهى وجمال.

تعيش بنات السادات وأحفاده منهن، بإستثناء رقية، بعيدًا عن الأضواء تمامًا. تجري رقية بعض المقابلات الصحافية، وتعمل على توثيق سيرة والدها والدفاع عنه، وإقامة الدعاوى القضائية ضد من يسيئون إليه.ولعل أخطر الدعاوى القضائية تلك الدعوى التي أقامتها بعد الثورة ضد الرئيس السابق حسني مبارك، متهمة إياه بقتل والدها، فيما يعرف بحادث المنصة، أثناء إحتفالات نصر حرب أكتوبر في العام 1981.
غير أن نجله الوحيد جمال نفى تلك الإتهامات، مؤكدًا أنه لو لديه دليل أو شك في إشتراك مبارك في إغتيال والده لإتخذ إجراءات قانونية ضده.

تزوجت رقية من الدكتور أمين عفيفي، وأنجبت منه ثلاثة أبناء هم: محمد، وهو رجل أعمال مختص في الأوراق المالية، ومتزوج، ولديه إبنان هما سيف وشريف. والأبن الثاني أشرف، يعيش في بريطانيا ويحمل جنسيتها، والإبنة الثالثة هي سهى، تعمل بإحدي شركات المقاولات.

عهد الرئيس وquot;المِعلمquot;

كان السادات ورجل الأعمال عثمان أحمد عثمان، الذي كان يطلق عليه لقب quot;المِعلمquot; صديقين وصهرين في الوقت نفسه. فقد تزوج محمود نجل عثمان من جيهان ابنة السادات، وأثناء جلسة جمعتهما معًا في بداية السبعينات بإستراحة القناطر الخيرية الرئاسية، تعاهد كل منهما للآخر بأن يتولى رعاية أبنائه في حال وفاته أولًا، وأن يبعدهم عن السياسة.

بموجب هذا العهد، لم يقترب أي من أبناء أو أحفاد الرجلين من عالم السياسة، وفضلوا الخوض في عالم الأعمال. فتعهد عثمان أحمد عثمان جمال الإبن الوحيد للسادات بالرعاية، وكون جمال مع زوجي شقيقتيه محمود عثمان زوج جيهان وعبد الخالق عبد الغفار زوج شقيقته لبنى شركة صغيرة، ثم نمت أعماله وإستثماراته في دول العالم، خصوصًا في أميركا ودول الخليج، حتى صار واحدًا من أكبر رجال الأعمال المعروفين، وهو شريك بشركة إتصالات الإماراتية.

تزوج جمال ثلاث مرات، الأولى من دينا عرفان فأنجب منها أبنتين ثم طلقها، ثم تزوج من رانيا شعلان وطلقها بعد أقل من شهرين، وتزوج أخيرًا من زوجته الحالية شيرين فؤاد طليقة أكرم النقيب ابن الملكة ناريمان زوجة الملك فاروق آخر ملوك مصر، وأنجب منها طفلًا أسماه أنور، تيمنًا باسم جده أنور السادات. وما زال أنور الحفيد طفلًا، يبلغ من العمر 12 عامًا.

يغطي جمال حياته الخاصة وحياة أسرته بسياج صلب من السرية. ويفضل الإبتعاد عن الأضواء تمامًا، ولم يظهر إعلاميًا إلا مرة وحيدة، عقب إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وإتهام شقيقته رقية لمبارك بالإشتراك في إغتيال والدهما، ونفى خلالها هذه الأنباء، ولم يخض في أية مسائل سياسية، تنفيذًا لوصية والده، على حد قوله.