بعد ساعات من إسقاط مسلحين عراقيين مروحية عسكرية ومقتل أفراد طاقمها الأربعة فقد أعلن في بغداد عن إصابة مروحية ثانية كانت تحاول إنقاذ الأولى، لكنها أصيبت بالرصاص، وسقطت من دون إصابة طاقمها بأضرار. فيما حذر رئيس البرلمان أسامة النجيفي من مخاطر يتعرّض لها العراق حاليًا بسبب الانقسامات التي يكرّسها دعاة الطائفية، بينما دعا المالكي إلى تعاون إقليمي لتجفيف منابع الإرهاب المالية والتسليحية.


أسامة مهدي: قال مصدر عسكري في محافظة صلاح الدين الغربية ان طائرة مروحية عسكرية أرغمت على الهبوط اضطراريًا بعد تعرّضها لنيران مسلحين شمال تكريت عاصمة المحافظة (170 كم شمال غرب بغداد). واشار الى ان مسلحين مجهولين أطلقوا النار على طائرة مروحية عسكرية تابعة للقوة الجوية العراقية، ما ارغمها على الهبوط من دون اصابة طاقمها المكوّن من اربعة افراد بأضرار.

والطائرتان اللتان اسقطتا كانتا تؤمّنان الحماية للقوات على الارض وتواصل مهاجمة معاقل المسلحين في المناطق الصحراوية الغربية من البلاد. وكان مصدر عسكري اعلن صباح اليوم بأن طاقم طائرة عسكرية يضم أربعة أشخاص قتلوا بسقوط طائرتهم خلال اشتباك بين قوة من الجيش العراقي ومسلحين مجهولين حاولوا اقتحام مقر عسكري شمال تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين( 170 كم شمال غرب بغداد).

أرادت الإنقاذ فاستهدفت
واضاف أن اشتباكا مسلحا اندلع في ساعة متقدمة من ليل أمس بين قوة من الجيش العراقي ومسلحين مجهولين حاولوا اقتحام مقر للجيش العراقي في منطقة السكرية غرب قضاء بيجي ( 40 كم شمال تكريت) من دون معرفة حجم الخسائر البشرية. واوضح أن طائرة مروحية هرعت إلى منطقة الحادث لتقديم الدعم الجوي لعناصر حماية المقر، أطلق المسلحون النار باتجاهها من أسلحة، ما أسفر عن سقوطها ومقتل طاقهما المكون من أربعة أشخاص في الحالquot;.

وقد هرعت قوة من الجيش إلى منطقة الحادث، ونقلت جثث القتلى إلى دائرة الطب العدلي، فيما نقلت حطام الطائرة إلى داخل مقر الجيش، مشيرا إلى أن القوات الامنية نفذت عملية دهم وتفتيش للبحث عن المهاجمين الذين فرّوا إلى جهة مجهولة.

ولا تزال العملية التي تنفذها قوات الامن لملاحقة قياديين في تنظيم القاعدة مستمرة في منطقة الجزيرة الممتدة غرب مدينة بيجي، حيث تعد المناطق الصحراوية الممتدة غرب محافظة صلاح الدين من المعاقل الرئيسة لتنظيم القاعدة. وسبق ان اعلن عن اصابة مروحيات خلال اشتباكات مع مسلحين على مدار العام الحالي، الا انها المرة الاولى التي يجري فيها تأكيد اسقاط مروحية عسكرية.

وتشهد محافظة صلاح الدين تصعيداً أمنياً واسع النطاق عقب اقتحام قوات الجيش العراقي ساحة اعتصام الحويجة في 23 نيسان (ابريل) الماضي، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا من المدنيين والقوات الأمنية على حد سواء.

ويشهد العراق منذ اشهر تصاعدا غير مسبوق في عمليات العنف وبحسب حصيلة استندت الى مصادر رسمية فقد كان شهر ايلول (سبتمبر) الماضي الاكثر دموية في عام 2013، حيث قتل 880 شخصًا مقابل 693 في الشهر الذي سبقه. وشهد ايلول هدفا جديدا للهجمات اليومية، هو مجالس العزاء الشيعية والسنية داخل المساجد وخارجها، حيث اعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن هذه الهجمات.

بغداد أكثر المستهدفين
وكانت العاصمة بغداد المحافظة الأكثر تضررًا خلال الشهر الماضي، إذ بلغ مجموع الضحايا المدنيين فيها 1.429 شخصاً (418 قتيلًا و1011 جريحاً)، تلتها نينوى وديالى وصلاح الدين والانبار. أما في محافظات كركوك وإربيل وبابل وواسط وذي قار والبصرة فقد سقط أيضًا عشرات الضحايا.

ويشهد العراق منذ اشهر تصاعدا كبيرا في اعمال العنف اليومية المتواصلة منذ عام 2003 يحمل معظمها طابعا طائفيا بين السنة والشيعة في بلاد عاشت نزاعا داميًا بين الجانبين بين عامي 2006 و2008 قتل فيه الالاف. وفي ظل تصاعد اعمال العنف الطائفية هذه، فقد اعربت مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة عن quot;قلقها المتزايد ازاء الاوضاع بسبب موجة الهجمات الاخيرة من العنف الطائفي، التي تهدد بوقوع شرارة تهجير داخلي للعراقيين الفارّين من التفجيرات والهجمات الاخرىquot;. واشارت الى ان العام الحالي شهد نزوح حوالى خمسة الاف عراقي بسبب التفجيرات وتصاعد التوترات الطائفية، ومعظم هؤلاء فروا من بغداد باتجاه محافظات الانبار وصلاح الدين الغربيتين السنيتين.

وتعليقا على تصاعد العمليات الارهابية هذا، فقد قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف quot;في الوقت الذي يواصل فيه الإرهابيون استهداف العراقيين من دون تمييز، أدعو جميع القادة السياسيين إلى تكثيف جهودهم بغية تعزيز الحوار والمصالحة الوطنيةquot;. وأضاف أنه quot;يتعيّن على الزعماء السياسيين ورجال الدين وقادة المجتمع المدني وقيادات الاجهزة الامنية العمل معاً لوقف نزيف الدماء وضمان شعور كل المواطنين العراقيين بالتمتع بالحماية على قدم المساواةquot;.

المالكي يدعو إلى تعاون اقليمي
من جهته دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى تعاون اقليمي لتجفيف منابع الارهاب المالية والتسليحية. واضاف المالكي في كلمة متلفزة لمناسبة اليوم العالمي للسلام انه في هذه الايام تشتد الحاجة لكل شعوب الارض ولكل دول العالم الى التعاون والتكاتف لمواجهة آفة الارهاب، التي سلبت الامن، واضرّت بالسلام الدولي، وخلقت مناخات خطيرة على أمن العالم.

وقال quot;أمام هذه الظاهرة الخطيرة التي استفادت وانتشرت بسبب ما تمر به الدول والشعوب بدءًا من الآثار السلبية التي خلفها ما سمّي بالربيع العربي وما تركه من اوضاع سياسية واجتماعية وامنية هشّة في الكثير من الدول التي حصل فيها هذا الربيع، ومع توافر السلاح بكميات كبيرة ونوعيات متطورة نتيجة الاحتكاكات والخلافات والانقسامات بين الدول التي وفرت السلاح لهذه المنظمات الارهابية لمواجهة كيانات وانظمة سياسية على خلفية الخلافات وما استفاد منه الإرهاب جراء الانقسامات الدولية، وتحديدا الانقسامات التي تعيشها المنطقة العربية والاسلامية، هذه التي صنعت فجوة خطيرة عشعش فيها الارهاب والارهابيون وانتعشت فيها كلمة الارهاب، إضافة إلى عدم وجود التعاون الجاد البناء داخل البلد الواحد وبين الدول والبلدان المتضررة من آفة الارهاب، هذا التعاون وبشكل ملحوظ، قد تعطل على خلفيات وحسابات كلها خاطئة، كل هذه الحسابات لا تعطي ثمارًا في مواجهة الارهاب، وان كانت هذه الحسابات حسابات طائفية او حسابات اقليمية او سياسية او صراعات اقتصادية، لا رابح في انتعاش الارهاب في ظل هذه الانقسامات وعدم التعاون الموجودquot;.

واشار الى انه لذلك quot;نحن اليوم ومن اجل مواجهة هذه الآفة، وبتصميم وارادة في بلدنا العراق، وبتعاون جاد ومثمر مع كل دول العالم التي تحمل همّ السلام العالمي والأمن الدولي، مستعدون للتعاون والمواجهة باقصى درجات القوة والتصدي للارهابيين الذين يريدون ان يعمّموا كل العمليات الارهابية والقتل على خلفية تكفيرية، نجد اليوم بان الاجهزة الامنية العراقية التي لم تأل جهدا في ملاحقة الارهاب ودكّ حواضنه وتفكيك منظماته وخلاياه الفاعلة والنائمة، نحتاج الى جنب رجال الأمن والاجهزة الامنية تعاون المواطنين واندكاكهم في عملية ملاحقة الارهابيين والإخبار عنهم، نحتاج ثقافة امنية لدى المواطنين، حتى لايستغفلوا، كما يحصل في مواكب العزاء، وفي التجمعات الجماهيرية البريئة التي يخترقها القتلة باحزمة ناسفةquot;.

التكاتف لمواجهة العدو المشترك
وشدد على الحاجة الى ثقافة امنية تلاحق الارهاب والارهابيين. وقال quot;يجب ان نعمل في العراق وفي العالم لمواجهة الارهاب الذي لم يترك بقعة في العراق الا ووجّه اليها ضربات ارهابية، نحتاج تجفيف منابعه، والدعم المالي والتسليحي الذي يحصل عليه، كما نحتاج تجفيف الفتاوى التي تشجعه وتحثه على الاستمرار لتحقيق خلفيات وافكار متخلفة، كما نحتاج ضرب حواضنه والاستمرار في عملياتنا في ثأر الشهداء بعزيمة وشدة، والشد على يد المقاتلين من ابناء القوات المسلحة والاجهزة الامنية والاستخبارات لكي يلاحقوا هؤلاء القتلة في كل حاضنة يمكن ان تكون من شواخص الارهاب، ونحتاج تعاونا دوليا واقليميا بابداء الخبرة والمعلومة والتخطيط المشترك والملاحقة المشتركة لعناصر الارهاب، الذين اصبحت لديهم فسحة حركة، يتحركون من هذه الدولة الى تلك الدولة، ومن هذا المكان الى ذاك المكان، مستفيدين من ظاهرة التفكك وما يحصل في المنطقة، سواء كان في المنطقة العربية، ليبيا وفي مصر وفي سوريا وفي العراق، أم في دول اخرىquot;.

وشدد على حاجة العراق الى تعاون وطني بين كل مكونات العملية السياسية، ولا يقول احد من الشركاء السياسيين انها ليست مسؤولية هذا الطرف او ذاك، انما هي مسؤولية الجميع، لان الارهاب استهدف الجميع، فعلى الجميع ان يكونوا متعاونين، وان يقفوا الى جانب الاجهزة الامنية، والى جانب التخطيط والى جانب التثقيف والى جانب الموقف من الذين يشيعون الارهاب وثقافة الارهاب والتحريض عليه، كما نحتاج الاعتماد الكلي على ارادة وطنية موحدة، وهذه الارادة الوطنية الموحدة لا تستثني مكونا او قومية او طائفة، لان الارهاب لم يستثن احدا منهم، وبما اننا اصبحنا جميعا هدفا للارهاب والارهابيين، لا بد ان نكون كتلة واحدة في مواجهتهquot;.

واكد المالكي في الختام انه quot;رغم الجراحات والاعمال الاجرامية التي يقوم بها الارهاب في استهدافه الابرياء، الاّ اننا لازلنا نملك زمام المبادرة، ولأننا لانزال نلاحق القتلة وما يسقط منهم في يد الاجهزة الامنية الكثير وستستمر عمليات ثأر الشهداء والملاحقات والاختراقات لهذه التنظيمات الارهابيةquot;، داعيا جميع الشركاء الى quot;التعاون بالمعلومة والموقف والتصدي على كل المستويات، وان شاء الله النصر حليفنا وحليف جميع الشعوب التي تقف في وجه الارهاب والارهابيين والقتلة والمجرمينquot;.

النجيفي: العراق يواجه مخاطر بسبب الانقسامات الطائفية
حذر رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي من مخاطر يتعرض لها العراق حاليا بسبب الانقسامات التي يكرسها دعاة الطائفية. وقال ان السلام لا يتحقق الا بتكاتف الجميع لحفظ ارواح الابرياء، الذين يقتلون يوميا من دون اجراءات امنية او استخبارية رادعة.

وقال النجيفي في كلمة باحتفالية quot;اليوم العالمي للسلامquot; التي نظمتها لجنة حقوق الانسان النيابية بالتعاون مع بعثة الامم المتحدة في العراق تحت شعار quot;الثقافة من اجل السلامquot; في بغداد اليوم ان عشر سنوات قد مرّت على التغيير في العراق quot; وما زلنا ننشد السلام .. والكل يعلم ان السلام لا يتحقق إلا بتكاتف الجميع لحفظ ارواح الابرياء الذين يقتلون يوميا من دون اجراءات امنية او استخبارية رادعةquot;.

واشار الى ان العراق يعيش موجة من العنف المتزايد، حيث اظهرت بيانات الامم المتحدة ان عدد الضحايا نتيجة الخروقات الامنية في محافظات العراق بلغ خلال الشهرين الماضيين 1800 شهيد. وقال quot;نقف اليوم على مفترق طرق مع وجود فرصة للسير بطريق السلام، اذا اتفقنا على التعاون والشراكة بدلا من الانقسامات، التي ولدتها النعرة الطائفية للبعض. وشدد على انه رغم التطورات التي تحيط بالشعب العراقي والمخاطر على امنه وسلامته فانه قد اثبت انه جدير وقادر على بناء ديمقراطية رصينة في المنطقة.

واشار النجيفي الى ان السنوات الاولى من الالفية الثالثة كانت حافلة بالتحولات، حيث اختارت الشعوب كرامة الاحتجاج السلمي ضد الحكم الاستبدادي، لتطالب بحقوقها الانسانية، وغيرت مسار انظمتها بثورات كشفت تحقيق الديمقراطية والسلام. وقال ان هذه التطورات تتطلب من الجميع التكاتف من اجل ان يكون للسلام في تلك الدول معنى حقيقي، وان تعبّر شعوبها عن صوتها بالانتخابات من اجل التغيير للعيش بحرية وكرامة.

من جهته فقد اكد ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق نيكولاي ميلادينوف دعم الامم المتحدة وفريق بعثتها quot;يوناميquot; للعملية السياسية في العراق. ودعا ميلادينوف في كلمة له الكتل السياسية الى الوصول الى توافق بشأن قانون الانتخابات، معربا عن امله باجراء الانتخابات في موعدها المحدد في نيسان (أبريل) المقبل، لتحقيق ما يتطلع إليه العراقيون. وطالب المفوضية العليا للانتخابات بان تكون الحملات الانتخابية موجّهة ضد العنف والطائفية، وان تحترم الحريات العامة وحقوق الاقليات.

اما رئيس اللجنة القانونية البرلمانية سليم الجبوري فقال انه في الوقت الذي تعلن فيه الامم المتحدة العراق كأول بلد في العالم في عدد الضحايا بسبب العنف الذي زادت معدلاته في الشهر الماضي على ثلاثة الاف ضحية بين شهيد وجريح، تأتي هذه المناسبة المهمة والخطيرة والحساسة في حياة الإنسانية جمعاء، حيث تتشكل صورة معتمة في عالمنا اليوم، والذي يموج بالمتغيرات، التي لم يأت اكثرها في مصلحة الإنسانية والسلم العالمي من حروب أهلية ونزاعات عنصرية وطائفية وعرقية، بعضها ذات أصول سياسية، وأخرى تنتمي الى دائرة الأيديولوجيات، وقسم ثالث يندرج ضمن اطار البراگماتية الدولية.

واشار الى ان منظومة السلم المجتمعي باتت مهددة بفعل الخارجين عن القانون وأمراء الحرب وقادة الجماعات المسلحة والقاعدة والميليشيات والمنتفعين من الاحتراب المجتمعي، والأخطر من ذلك أولئك الذين يحتمون بعباءة القانون ويحتمون بسلطان الدولة ويعتمدون على كنف المؤسسات.

وقال ان منشأ العنف في اي مجتمع يبدأ في توافر الحاضنات المجتمعية له، وسبب ذلك هو عجز السلطة عن إقناع المجتمع بثقافة السلم، ولجوئها الى الحل الأمني البحث بعيدا عن وسائل التوعية والإفهام، إضافة الى الفراغ الكبير الذي يحيط بطبقة الشباب والفقر الذي يلف بأعداد كبيرة من المجتمع، ما يجعل من فرصة التجنيد للإرهاب متوافرة وكبيرة، وعلى هذا فلا بد من محاصرة الإرهاب كي لا يوسع محاضنه من خلال إجراءات خدمية وتنموية جادة وسريعة.