انتقد الخبير المعماري المصري سامي عامر طريقة تصميم المساجد المصرية والعربية مشككًا في شرعيتها، لأنها تتعمد الزخارف والقباب والمآذن العديدة، التي قال إن الرسول نهى عنها، لكونها تشتت المسلم عن الخشوع في الصلاة.


القاهرة: شكك خبير التصميم المعماري المصري الدكتور سامي عامر بشرعية تصميم المساجد المصرية والعربية. طارحًا في سياق حوار مع quot;إيلافquot; رؤيته لخروج بلاده من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية، حينما دعا إلى إدراج مادة ضرورية في الدستور، وأسهب في الحديث عن مقتل والده الصحافي الشيوعي إبراهيم عامر في بيروت.

لا تشعر وأنت تجلس إلى الدكتور المصري سامي عامر، إلا بمواطن حريص على بناء بلاده ووضعها على المسار الصحيح بعد ثورتي كانون الثاني (يناير) 2011، وحزيران (يونيو) 2013. فرغم جنسيته السويسرية، إلى جانب المصرية، إلا أن حب الوطن الأمّ يجري في عروقه مجرى الدم، وروت سفريّاته إلى مختلف دول العالم شبقه في الرغبة في الإصلاح، فعاد إلى مصر محمّلًا بعلوم، جنّدها لخدمة أبناء وطنه، ولم يستنكف نقل خبراته الأكاديمية في quot;النُظُم الذكيةquot; والهندسة المعمارية إلى طلبة جامعتي الأزهر والقاهرة، فضلًا عن مشاركته الفاعلة في عدد من مشروعات بلاده القومية.

تمرّد الدكتور سامي عامر على كل الثوابت التقليدية، ورفض الاستسلام لها، طالما أنها لا تقوم على أساس علمي أو منطقي، وربما ديني، ففي الوقت الذي رأى أن طريقة بناء المساجد في مصر وكذلك العالم العربي حرام شرعًا، صمّم بناء مسجد في غينيا بيساو على طريقته الخاصة التي يعتبرها شرعية. وأكد في تصريحات خصّ بها quot;إيلافquot; أن هذا التصميم حاز إعجاب رئيس غينيا مسيحي الديانة، رغم أنه أثار حالة من الجدل في البلد الأفريقي.

وفي حين تعاني بلاده مخاض ولادة دستور جديد، كان عامر سبّاقًا في طرح رؤاه السياسية، حينما قدّم اقتراحًا إلى quot;لجنة الخمسينquot; المعنيّة بصياغة الدستور. ورأى أن إدراجه ضمن المواد الجديدة سيقي مصر في المستقبل المنظور والبعيد فوضى التظاهرات الإخوانية، التي تطالب بعودة ما يعتبره أنصار محمد مرسي شرعية للرئيس المعزول.

محطّات ومفارقات مثيرة في حياة الدكتور المصري quot;الثائرquot; سامي عامر، فرضتها عليه نشأته في ظل أسرة مثقفة، فالأب هو الصحافي المصري الشيوعي إبراهيم عامر، والأم هي مغنية الأوبرا المصرية، وإحدى ركائز تدشينها في القرن الماضي، فضلًا عن عملها في سفارات عدد ليس بالقليل من دول العالم، من بينها تركيا والهند ومصر. وإلى نص الحوار...

تشتيت عن الخشوع
- حرّكت المياه الراكدة، حينما جزمت بأن طريقة بناء المساجد في مصر والدول العربية حرام شرعًا، فعلى أي دليل تعتمد، وما وجهة نظرك في تلك الإشكالية، التي ربما تثير الجدل؟

إسمح لي أن أوضح لك في البداية أن الجامع في تاريخ الإسلام ومنذ بعثة الرسول الكريم لم يكن مكانًا للعبادة فقط، وإنما كان في تصميمه المعماري موقعًا لممارسة شؤون الحياة، بداية من التجارة وجلسات النقاش والحوار، وصولًا إلى لعب الأطفال، ونُسبت إلى السيدة عائشة أحاديث نبوية، يشير معناها إلى أن المسلمين، وبعد عودتهم من الغزوات والحروب، كانوا يوثقون الأسرى في السواري المحيطة بصحن المسجد، وعندما نزلت آية quot;وإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيعquot;، كانت دليلًا على أن صحن المسجد quot;الحوشquot; يستخدم لعرض البضائع بغرض البيع والشراء، وتستحيل إقامة صلاة الجمعة quot;الجامعةquot; في هذا المكان، إلا بعد أن تتوقف كل أنشطة البيع والشراء.

الرسول الكريم حينما استقر في المدينة المنورة بعد الهجرة من مكة شيّد مكانًا للإقامة فيه والعبادة وممارسة شؤون الحياة اليومية، فكان عبارة عن سقيفة، أمامها صحن quot;حوشquot;، وتطوّر الأمر بعد ذلك، إلا أنه كان على الشاكلة عينها حوش تحيطه أربعة إيوانات، يمثل كل إيوان منها مدرسة مذهبية. أما ما نراه اليوم في تصميم المساجد فليس من الإسلام في شيء، ويخالف الشرع، فالزينة والزخارف والمباهاة بقباب ومآذن المساجد، نهى عنها الرسول الكريم، فضلًا عن أنها تشتت التركيز وتُلهي عن الخشوع في الصلاة.

والدليل على المخالفة الصريحة للشرع في تصميم بناء المساجد، هو أن عمر بن عبد العزيز، المعروف بلقب خامس الخلفاء الراشدين، أمر في عهده بإزالة زخارف المساجد في دمشق، كما إن احد المماليك، الذين حكموا مصر في فترة معينة، والذي اهتم بزخرفة المساجد وتزيينها، هو نفسه أول حاكم مملوكي يبيح شرب الخمر في هذا البلد.

- في سياق آراء منسوبة لك، أكدت أن مآذن مساجد مصرية بعينها، أقيمت ردًا على قباب الكاتدرائية الأرثوذكسية في حي العباسية في القاهرة، فما هي هذه المساجد؟

نعم قلت ذلك، وأشير هنا إلى أن من المساجد التي يدور الحديث عنها في العاصمة المصرية، مسجدي الفتح في ميدان رمسيس والنور في ميدان العباسية، فتعمّد المصممون المعماريون للمسجدين المبالغة في المآذن العالية والقباب الضخمة ردًا على مبنى وقباب الكاتدرائية الأرثوذكسية التي تتوسط المسجدين، إذ إنه لا يبرر هذه التكلفة والمبالغة في التصميم المعماري سوى هذا السبب من وجهة نظري، فلا ينبغي إهدار مساحة المسجدين والأموال الضخمة لمجرد إقامة مكان للعبادة فقط.

- رغم اعتراضك على التصميم المعماري لمساجد مصر والعالم العربي، إلا أنك صمّمت على طريقتك الخاصة مسجدًا في غينيا بيساو، حدثنا عن تجربتك في هذا البلد الأفريقي؟

أعددت تصميمًا لمسجد ومركز إسلامي في شمال غينيا بيساو، وحرصت فيه على أن تكون عمليات البناء تقليدية، فتفاديت وضع خرسانات أو طوب في عمليات التشييد، واستبعدت فكرة المآذن الشاهقة والقباب، باستثناء مأذنة واحدة، قمت باستغلالها كصهريج للمياه. ورغم أن التصميم أدهش ونال إعجاب رئيس غينيا المسيحي، إلا أنني واجهت اعتراضات من قبل بعض المسؤولين المسلمين في الدولة الأفريقية، زاعمين أنه لابد أن تنطلق المآذن إلى عنان السماء، وأن تكون مدببة، مثل قلم الرصاص، كما هي الحال بالنسبة إلى مآذن المساجد التركية.

مُقترح للجنة الدستور
- بعيدًا عن تخصصك المعماري، لك رأي أو مقترح سياسي، نقلته إلى اللجنة القائمة على صياغة الدستور المصري الجديد، حدثنا عن هذا المقترح، لا سيما أنك ترى أنه سيقي مصر من تكرار التظاهرات الحالية، المطالبة بعودة شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي؟

أعتقد أنه بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها وتشهدها البلاد، أصبح من الضروري إضافة بند إلى الدستور المصري الجديد، يمنح الشعب فرصة الاعتراض دستوريًا على أي انحراف في الدولة أو المؤسسات أو الأفراد المنتخبة، حتى إذا كان رئيس الجمهورية عينه، لأن وجود بند كهذا كان سيجنّب البلاد كل ما شهدته، ولا تزال تموج به البلاد. أما عن تكلفة هذا المقترح فلن تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات، لا تقارن بما تكبدته الدولة من خسائر في الأموال والأرواح.

- باختصار شديد، ما نص الاقتراح الذي قدمته إلى اللجنة المعنيّة بصياغة الدستور المصري؟
ينص الاقتراح، الذي عرضته على اللجنة المعنية بصياغة الدستور المصري، على أحقية 20% من أعضاء مجلس الشعب بدعم من 15% من عدد المقيدين في جداول الانتخاب على مستوى الجمهورية بأن يطالبوا بإجراء استفتاء على أية قضية، حتى إذا كانت المطالبة بإقالة رئيس الجمهورية.

وفي حالة عدم وجود مجلس تشريعي quot;برلمانquot;، فالمطلوب حينئذ هو دعم 20% من عدد المقيدين في الجداول الانتخابية على مستوى الجمهورية. أما عند تقديم قضايا أو المطالبة بإقالة أي مسؤول منتخب على مستوى المحافظة أو الدوائر الانتخابية، فيكون من حق عدد 10% من أعضاء مجلس الشعب بدعم من 15% من عدد المقيدين في جداول الانتخاب على مستوى المحافظة أو الدائرة الانتخابية المطالبة بإجراء استفتاء. وإذا لم تتم الموافقة في الاستفتاء على طلب إقالة المسؤول مثلًا، تجدد فترة توليه منصبه لمدة كاملة، ولا يُنظر إلى الفترة السابقة التي قضاها في المنصب، كما لا يصبح لأحد الحق في المطالبة مجددًا بإقالته طيلة مدة توليه المنصب، باستثناء البرلمان وفقًا للقانون والدستور.

- هل هناك حالات ناجعة في الدساتير العالمية تعتمد عليها، لتمرير هذه المادة في الدستور المصري الجديد؟
نعم هناك حالات عدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينصّ القانون السويسري على أن أي قضية يمكن أن تطرح للاستفتاء إذا بلغ عدد التوقيعات المطالبة بعرضها (للاستفتاء) مليون توقيعًا، علمًا بأن تعداد سكان هذا البلد 8 مليون نسمة.

ففي الدستور الفينزويلي مادة 72 تقول: quot;عندما يطالب عدد مساو أو يزيد على الذين انتخبوا أي مسؤول، بما في ذلك رئيس الجمهورية، فمن حقهم إجراء استفتاء شعبي لسحب الثقة عن المسؤول، شريطة أن يساوي عدد المستطلعة آراؤهم أو يزيد على 25% من المقيدين في جداول الانتخاباتquot;.

أما في فرنسا، فهناك مبادرة لإضافة في المادة 11 من الدستور، تشير بصفة خاصة إلى أنه لإجراء استفتاء على أي موضوع، ينبغي أن يكون مبنيًا على مبادرة من 20% من أعضاء البرلمان، بدعم من 10% من عدد المقيدين في القوائم الانتخابية.

- برأيك ما أولويات المشاكل التي ينبغي حلها أولًا لضمان الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجذري في مصر؟

اعتقادي الراسخ أن حل مشكلة الطرق والمواصلات على مستوى الجمهورية، سيترتب عليه حلّ ما لا يقلّ عن 60% أو أكثر من مشاكل المصريين، وتقديري أن الحل السريع لن يكلف الدولة أكثر من مبلغ يتراوح ما بين 80 إلى 100 مليار جنيه.

أما المشكلة التي تحتل المركز الثاني في أولويات الإصلاح، فتكمن في إشكالية التامين الصحي، فإذا تم التعاطي مع أزمة المواصلات وحدها في مصر، فسوف يزيد دخل الفرد نتيجة سيولة الحركة المرورية، إذ سيتمتع المواطن بحرية أكبر في اختيار مسكنه بسعر أقل، وسيزيد الأجر الذي يتقاضاه في عمله عن احتياجاته الأساسية، كما سيتقلص الوقت المهدر في الوصول إلى مقر عمله. وبالتالي ستنخفض الأسعار نتيجة للتحسن الملحوظ في نقل المنتجات، وتوفير الكثير من مصاريف نقل المستخدمين على الشركات، فضلًا عن توفير الطاقة والحفاظ على البيئة. فالانتعاش الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة في دول، كالولايات المتحدة واليابان، أو في أوروبا، وتحديدًا في سويسرا وفرنسا، يعود بالأساس إلى ارتفاع مستوى أداء وسائل المواصلات، وشبكة الطرق المتكاملة والفاعلة.

الاغتيال في بيروت
ختامًا، لعب والدك الصحافي المصري الشيوعي إبراهيم عامر دورًا في رسم ملامح شخصيتك، حدثنا عنه، وما ملابسات اغتياله في بيروت؟

ولد والدي الصحافي المصري إبراهيم عامر في مدينة الأسكندرية، وعمل محررًا في جريدة quot;المصريquot; المصرية، إلا أنه هرب من مصر إلى الهند عام 1949، حيث كان مراسلًا لإحدى الصحف اليوغوسلافية، وهناك وفي العام نفسه تزوّج بمن أصبحت والدتي، وكانت فتاة سويسرية تعمل حينئذ في سفارة بلادها في نيودلهي، وفي عام 1951 عاد والدي ووالدتي إلى القاهرة، بعدما أنجبا شقيقي الأكبر في الهند.

بعد العودة، عمل الأب مجددًا في صحيفة quot;المصريquot;، إلا أنه وبعد ثورة 1952 أنشأ محمد أنور السادات جريدة quot;الجمهوريةquot; المصرية، وترأس تحريرها، فالتحق بها إبراهيم عامر في منصب مدير تحرير حتى عام 59، لكنه اعتقل ضمن حملة المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين، رغم أنه لم يكن عضوًا في الحزب الشيوعي آنذاك، ولم يغادر المعتقل إلا عام 1964.

في الفترة ما بين عام 71 و72 قرر الرئيس المصري الراحل أنور السادات عزله وغيره من الصحافيين المصريين من عملهم، ونقلهم إلى العمل في الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، وحينئذ كانت لأبي أموال في البنوك اليوغسلافية نظير عمله كمراسل لإحدى الصحف هناك، وكان محظورًا عليه تحويل هذه الأموال إلى مصر لأسباب سياسية، فقرر شراء سيارة بتلك الأموال، وجاب بها مختلف عواصم العالم العربي، لا سيما أنه تلقى عرضًا من الصحيفة اليوغوسلافية للعمل كمراسل في مختلف الدول العربية، وأكسبته جولاته في الأقطار العربية شعبية كبيرة. أمام ذلك قرر الحصول على إجازة من دون راتب، ليتفرّغ للعمل الصحافي في لبنان، وهناك شغل منصب مدير تحرير لعدد من الصحف، منها quot;المحررquot;، وquot;بيروت المساءquot; وغيرهما، ثم انتقل إلى العمل في إحدى الصحف اللبنانية، التي أشيع وقتها أنها تتلقى دعمًا من العراقيين.

بعد اغتيال وزير الإعلام السوري في ذاك الوقت، ترددت شائعات حول وقوف العراقيين وراء عملية الاغتيال، وسرت شائعات أخرى تزعم أن السوريين قاموا بإضرام النار في الصحيفة اللبنانية، التي تتلقى دعمًا ماليًا عراقيًا، انتقامًا لمقتل وزير الإعلام السوري. خلال الواقعة، كان أبي في مطبعة الجريدة، واختنق من الدخان الكثيف جراء الحريق، فنقلوه إلى المستشفى، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة هناك، بعدما استدعى السوريون أطباء من فرنسا لعلاجه. وبعد الوفاة أبلغوا والدتي بالخبر، فتوجّهت إلى بيروت، وعادت به إلى القاهرة ملفوفًا بعلم فلسطين، وتلقت مبلغًا على سبيل المعاش من العراقيين، كان في حينه خمسة آلاف جنيهًا مصريًا.