تتجه أميركا إلى اعتماد الهجمات البرية الخاطفة للقبض على الجهاديين المطلوبين، بدلًا من قتلهم بغارات طائرات من دون طيار، وذلك تخفيفًا من عدد الضحايا المدنيين.


يشير قرار إدارة أوباما القيام بمحاولتين خطيرتين للقبض على عناصر من تنظيم القاعدة في القارة الأفريقية إلى تحوّل في السياسة الأميركية، بالحدّ من دور الغارات، التي تشنها طائرات وكالة المخابرات المركزية من دون طيار، وإناطة دور أكبر بالبنتاغون في مثل هذه العمليات، كما أفاد مسؤولون أميركيون.

وفي إحدى الغارتين، اقتحمت وحدة من القوات الخاصة للبحرية الأميركية منزل قيادي في حركة الشباب على الساحل الصومالي. لكن القيادي المطلوب أفلت، وانسحبت القوة المهاجمة في النهاية، من دون أن تحقق هدفها. وقال مسؤول أميركي إن المستهدف بالغارة كيني من أصل صومالي يُدعى أكرينا، يقود مجموعة المقاتلين الأجانب في حركة الشباب. ولم يوضح المسؤول ما إذا كان أكرينا الاسم الكامل أو الأول أو كنية القيادي المستهدف، لكنه رجّح أن يكون نجا من الغارة.

لا ضحايا
كان بمقدور القوات الأميركية أن تدمّر المجمع المستهدف بقنابل أو صواريخ من الجو. لكن صحيفة لوس أنجيليس تايمز نقلت عن مسؤول أميركي، طلب عدم كشف هويته، قوله: quot;كان لدى الاستخبارات الأميركية مؤشرات إلى وجود نحو 12 شخصًا من أفراد عائلة أكرينا، وأشخاص آخرين ليسوا مقاتلين، وبالتالي فإن احتمال سقوط ضحايا بين المدنيين كان كبيرًا في أي هجوم صاروخيquot;.

والمعروف أن استخدام الطائرات من دون طيار في حرب الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الجهادية أثار احتجاجات غاضبة في باكستان واليمن بصفة خاصة، لوقوع ضحايا مدنيين في غاراتها.

وفي ليبيا، أسفرت العملية، التي شاركت في تنفيذها وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وقوات العمليات الخاصة الأميركية، عن القبض على مطلوب من تنظيم القاعدة، معروف باسم أبو أنس الليبي. وكان أبو أنس مطلوبًا لاتهامه بالضلوع في عمليات التفجير، التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام 1998.

لا قرار رسمي
يشير هذا إلى خيط مشترك في الغارتين. فالمستهدف في الغارة الصومالية تربطه علاقة بعنصرين مقتولين من عناصر القاعدة، كان لهما دور في تفجيرات كينيا وتنزانيا في العام 1998، واستهداف فندق وطائرة مدنية في مدينة مومباسا الكينية في العام 2002، هما فضل عبد الله محمد وصالحي علي صالح نبهان. واعتمدت الغارة الليبية على عنصر المباغتة، إذ قررت الولايات المتحدة أن أبو أنس الليبي يتحرك بحرية في طرابلس من دون أي حماية أمنية من الناحية العملية. وقال مسؤولون إنه اعتُقل بلا ملابسات.
وتبيّن نتائج الغارتين بالقبض على أبو أنس الليبي والفشل في القبض على القيادي في حركة الشباب، المخاطر والمكاسب المحتملة من التوجّه إلى القبض على المستهدفين، وليس قتلهم، في غارات تشنها طائرات من دون طيار.

وقال مسؤول رفيع في إدارة أوباما إن الإدارة لم تتخذ قرارًا رسميًا بالابتعاد عن غارات طائرات من دون طيار لمصلحة استخدام الجيش في القبض على جهاديين مطلوبين. لكن لوس أنجيليس تايمز نقلت عن مسؤول آخر قوله إن الانتقادات تصاعدت ضد الغارات السرية للطائرات من دون طيار، وإدارة أوباما تفضّل القبض على الجهاديين المطلوبين بدلًا من قتلهم. وأكد البيت الأبيض هذا حين قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي كايتلن هايدن: quot;الرئيس جعل من الواضح تفضيلنا القبض على الإرهابيين المستهدفين متى ما كان ذلك ممكنًا، وهذا على وجه التحديد ما فعلناهquot;.

تحول جوهري
كان أول مؤشر إلى هذا التحول في العام 2011، حين أُلقي القبض على القيادي في حركة الشباب أحمد عبد القادر ورسمة في عرض البحر، وأُخضع للاستجواب سرًا على متن سفينة حربية أميركية شهرين، قبل أن يوجَّه إليه الاتهام في محكمة في نيويورك.
لكن الغارة، التي نُفذت في طرابلس، كانت أخطر. وقال مصدر رفيع في الكونغرس إن إقدام الجيش الأميركي على تنفيذ غارة في بلد لا تخوض القوات الأميركية عمليات قتالية في أراضيه عمل نادر للغاية. وأضاف المصدر لصحيفة لوس أنجيليس تايمز أن هذا دليل ساطع على أن الإدارة تحاول نقل عمليات مكافحة الإرهاب من وكالة المخابرات المركزية إلى وزارة الدفاع، وتقليل الاعتماد على الطائرات من دون طيار.

وأكد عضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأدميرال السابق بي. شيف أن العمليتين الصومالية والليبية تمثلان تحوّلًا جوهريًا في سياسة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب.

في هذه الأثناء، وصفت الحكومة الليبية الغارة الأميركية في طرابلس بأنها عملية اختطاف، مطالبة بإيضاح. ويسلط رد فعل طرابلس ضوءًا على مخاطر استخدام القوات الأميركية بدلًا من الطائرات بدون طيار، إذ يمكن أن تواجَه هذه العمليات بالإدانة والاستنكار مثلها مثل الغارات التي تشنها الطائرات بدون طيار. إلا أن رفض الولايات المتحدة أن تعترف بشنّ هجمات برية سيكون أصعب.