يعمل النظام السوري بشكل مستمر على إخفاء المعلومات ونشر القصص الملفقة لقلب الحقائق وتشويهها، في محاولة لإخافة العالم من المعارضة وحرف الأنظار عن جرائمه.


يشن نظام الرئيس السوري بشار الأسد حملة إعلامية تضليلية تقوم على نشر قصص تشوه سمعة المعارضة، وتحول الأنظار عن جرائمه. وبحسب الكثير من المراقبين فان النظام يعتمد في حربه الدعائية على مساعدة من وسائل إعلامية ساذجة، ومن ضمنها قنوات وصحف أجنبية، تتبنى روايات وأخبارا ملفقة عن انخراط الثوار في جهاد النكاح وذبح المسيحيين.
quot;الجنس يبيعquot; هذه قاعدة معروفة في عالم الإعلام والدعاية. كما أن القاعدة هي البعبع الذي يستخدمه النظام السوري كذريعة في أسوأ الفظائع، وهذا يجعل من الجمع بين الاثنين - الجهاد والجنس ndash; مزيجا لا يقاوم.
فرق لإدارة الحملة
إذ إن التقارير الإعلامية القادمة من سوريا تتحدث عن عشرات من النساء الشابات اللواتي تعرض أجسادهن على الجهاديين، في أبشع سيناريو للقصص الإخبارية الصادرة عن إعلام النظام.
لم يعتمد ديكتاتوريا عربيا على البروباغندا كما فعل بشار الأسد. علوج صدام حسين في العراق، وجرذان معمر القذافي في ليبيا كانت قصص دعاية وهمية، لكنها لم تصل إلى الفظائع والاخبار المشوهة التي تخرج بها الوسائل الإعلامية الموالية للأسد.
وأشارت صحيفة quot;در شبيغلquot; الألمانية إلى أن حملة التضليل التي يشنها النظام السوري، أوكلت من قبل حكومة الأسد إلى فرق العلاقات العامة ووسائل الاعلام الرسمية التي تمارس مهمتها بفعالية من خلال الدفع المستمر بقصص ملفقة جزئياً أو كلياً عن أعمال الإرهاب ضد المسيحيين، أو احتمالية ارتفاع تنظيم القاعدة إلى السلطة وزعزعة الاستقرار الوشيك في المنطقة بأسرها.
وتعمم هذه القصص من قبل المذيعين الروس والإيرانيين، وكذلك الشبكات المسيحية، ثم تلتقطها في نهاية المطاف وسائل الاعلام الغربية.
روان قدح
في أواخر أيلول/سبتمبر، ظهرت الفتاة السورية روان قداح (16 عاماً) على شاشة التلفزيون السوري، وقدمت وصفاً تفصيليا لكيفية اضطرارها إلى إرضاء المتمردين جنسياً. لكن سرعان ما اتضح ان روان تنتمي لعائلة معارضة بارزة في درعا، ويقال إنها اختُطفت على يد قوات الأمن في طريقها من المدرسة إلى البيت عندما فشل النظام في اعتقال والدها.
خلال البرنامج التلفزيوني نفسه، اعترفت امرأة ثانية أنها قدمت خدمات جنسية لمجموعة من مقاتلي جبهة النصرة. لكن وفقاً لأسرتها، فقد اعتقلت على يد قوات الأسد، بينما كانت تتظاهر ضد النظام في جامعة دمشق، وأن قصص جهاد النكاح ملفقة، وقد أرغمت ابنتهم على الإدلاء بها.
نشر الأكاذيب
في ظل الحرب المستعرة في سوريا، فإنه من المستحيل التحقق من صحة جميع القصص المرعبة التي تخرج من سوريا، لا سيما عندما يسعى النظام إلى نشر قصص ملفقة أواعتماد حقائق ملتوية، كما هو الحال مع معظم التقارير عن المسيحيين المضطهدين.
ضجت المواقع الإخبارية والتقارير الصحافية بالقصة المرعبة عن قطع رأس رجل دين في سوريا، ليتضح لاحقاً أن الصور والمعلومات تعود إلى جهاديين من داغستان قتلوا ثلاثة رجال غير مسيحيين أساساً.
الحقائق الملتوية
المثال على بروباغندا الحقائق الملتوية، أي نشر صور حقيقة إنما تحت قصة ملفقة، يظهر بوضوح في صورة امرأة تم تقييدها إلى عامود حجري في مدينة حلب، نشرت على بوابة LiveLeak للأشرطة المصورة على الانترنت في منتصف أيلول/ سبتمبر وانتشرت كالنار في الهشيم.
ادعى الموقع أن المرأة مسيحية من حلب واختطفت من قبل مقاتلين في تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أن الصورة حقيقية، والمرأة مسيحية وتم تقييدها بعامود، إلا أن الجزء الآخر من الحقيقة هو أن الصورة تعود إلى الفترة التي كانت تسيطر فيها قوات الأسد على المدينة بأكملها.
ويشير شريط فيديو آخر إلى أن المرأة كانت محاطة بميليشيات موالية للأسد أهانت المرأة واتهمتها بالانتماء إلى المعارضة.
هذا التفسير المخالف للأحداث الجارية يعكس سياسة واعية وحملة تضليل ناجحة لنظام يعتمد تشويه الحقائق في دولة تسودها الفوضى، فلا يتمكن أحد من التأكد من صحة التقارير.
وأشارت شبيغل إلى أن التقارير والأخبار التي تصدر عن الإعلام الموالي للأسد غالباً ما تحمل تناقضات صارخة، لكن الأخطر هو أن المتلقي يصدقها من دون سؤال أو تحليل منطقي.
عندما أعلنت وسائل الاعلام التي تديرها الدولة عن مقتل الإمام محمد البطي، وهو من مؤيدي الأسد، في هجوم انتحاري في مسجده في دمشق يوم 21 آذار، نفت كل الجماعات المتمردة أن يكون لها أي علاقة بالهجوم. لكن بروباغندا النظام اتهمت quot;الإرهابيينquot; بالعملية.
التأكد من صحة هذه الاتهامات أمر سهل، فحتى العين المجردة يمكن أن تلاحظ أن الصور لم تظهر أي علامات انفجار: الثريات والمراوح والسجاد كلها سليمة ولم تتكسر أو تحترق بسبب الانفجار المزعوم. وبدلاً من ذلك، كانت هناك ثقوب رصاص واضحة عبر جدار الرخام، وبرك الدماء على الأرض تثبت أن الجثث ألقيت في مواقعها، كما أن العديد من الضحايا كان ينتعل الأحذية، وهو أمر غير معتاد في المساجد. كل هذا يغذي الشكوك في أن الضحايا أرغموا على دخول المبنى وقتلوا لصنع خلفية للهجوم الذي لم يقع أبداً.
فشل البروباغندا في إلقاء اللوم
بعد الهجوم بالغازات السامة في آب/أغسطس، فشلت كل أساليب الدعاية التي تعتمدها حكومة الأسد في التستر على هذه الجريمة المهولة التي غمرتها موجة عالمية من السخط.
تعثر النظام في محاولاته لشرح الوضع، فقال الأسد بداية أن شيئاً لم يحدث، ثم أظهر التلفزيون الرسمي صوراً لمخبأ مزعوم للثوار يحتوي على برميل مع عبارة واضحة بشكل صارخ: quot;صنع في السعوديةquot;.
حتى أن التقارير التلفزيونة التي تحدثت مطولاً عن أن غاز السارين أتى من المملكة العربية السعودية للإرهابيين لم تنجح في إقناع العالم بأن الثوار قصفوا أنفسهم بالسلاح السام عن غير قصد حتى الموت.
أما التفسير الأغرب، فقد أتى على لسان المستشارة الاعلامية للأسد، بثينة شعبان التي قالت إن الإرهابيين اختطفوا 300 طفل علوي من اللاذقية ونقلوهم إلى دمشق ثم قتلوهم ليخدعوا العالم.
استمرت حملة التضليل هذه، والتي شارك فيها الأسد هذه المرة شخصياً، عندما قال إن السارين هو quot;غاز مطبخquot; لأنه يمكن صنعه في أي مكان. لكن البروباغندا فشلت بشكل ذريع في مواجهة تقرير الأمم المتحدة الذي أشار إلى أن صواريخ السارين يمكن أن تأتي فقط من قاعدة عسكرية تديرها القوات الحكومية.