أطلق عبد الفتاح زراوي حمداش، أحد أقطاب التيار السلفي في الجزائر، حملة ضدّ ما سماه بالمدّ الشيعي في بلاده. وقال إن الشيعة يشكّلون خطرًا على الجزائر، لذا وجب تحجيمهم عبر حراك مضاد. ولوّح بحرب فكرية عقائدية دعوية ضدّ المتشيعين، مستهجنًا الاتفاق الأمني بين الجزائر وإيران.


الجزائر: وصف عبد الفتاح زراوي حمداش، أحد أقطاب التيار السلفي في الجزائر ومسؤول جبهة الصحوة الحرة قيد التأسيس، في حديث لـ quot;إيلافquot;، الشيعة بـquot;الفئة الأخطبوطيةquot; التي لها امتدادات سرية وعلنية متفرعة في بلاد المسلمين، ولها نشاطات عدة تقف وراءها إيران، محور التشيع في العالم الإسلامي.

وذهب حمداش إلى أن هؤلاء يهدفون لتشييع العالم السني كله، ولا يهتمون بدعوة الغرب على العموم إلى الإسلام quot;وإنما يشيّعون من تسنن منهم، ويعملون على خلط فكره وزلزلة إيمانه، وتراهم على هذا الخط مجتهدين غير مبالين بسائر القضايا السياسية الإسلامية والجوهرية للأمة، إلا ما كان منها خدمة لمذهبهم التكفيري، كقضية فلسطين التي لا يؤمنون بها إلا بحثًا عن شبر شيعي على الأرض الفلسطينية والقدسية السنيةquot;، كما قال.

لا يجتمعان

تحت عنوان quot;خطر كبير يداهمناquot;، خاطب حمداش مدير الأمن في بلاده، برسالة تلقت quot;إيلافquot; نسخة منها، فيها أن الإتفاقية الأمنية في التعاون بين الشرطة الجزائرية والأمن الشيعي الصفوي الفارسي الإيراني في مجالات مكافحة الجريمة العابرة للحدود ومكافحة الجرائم المستجدة والجرائم المعلوماتية لا تستقيم دينًا ولا عقلًا ولا عرفًا ولا مذهبًا. وأضاف: quot;نحن أهل السنة على مذهب سني يعادي كفر الشيعة وضلالات الروافض وجرائم الصفوية ومذابح المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران الفارسية المجوسيةquot;.

وتساءل حمداش: quot;كيف نتفق نحن السنة وهم الشيعة على قواعد مشتركة عمليًا ميدانيًا، والفريقان لا يجتمعان على مذهب أو تعريف؟ وندعو الدولة الجزائرية إلى التنصل من هؤلاء الشيعة الذين يعاملوننا بالتقية العسكرية والخداع المذهبي والتمويه الإستخباراتي والتلبس الشيعي والتدليس الصفوي، ليحققوا مصالحهم بنشر ما أطلق عليه مسمى التشيع المقيتquot;.

ظاهرة اجتماعية

من جهته، قال بوعبد الله غلام الله، الوزير الجزائري للشؤون الدينية، إن التشيّع في الجزائر لا يشكل خطورة كبيرة ولا يعدو أن يتطور إلى مستوى ظاهرة اجتماعية، حتى وإن كانت الطقوس العاشورائية تمارس بضريح خالد بن سنان العبسي المتواجد بمدينة سيدي خالد التابعة لمحافظة بسكرة.

وصرح المسؤول الحكومي ذاته أن بعض اللاجئين السوريين إلى الجزائر حملوا معهم مذهبهم الشيعي، منبهًا إلى أنه ستتم محاربة كل المذاهب التي تحيد الجزائريين عن المذهب المالكي، وتقودهم للتطرف والتكفير والإرهاب، quot;فلا يحق لضيوف الجزائر نشر مذهبهم، كما لا يجب اتهام كل السوريين الفارين من نار الحرب والنازحين إلى الجزائر بأنهم وراء نشر التشيع، الذي تقف وراءه عدة جهاتquot;.

وتناقلت مراجع إعلامية قبل فترة أنباء عن ثبوت حجز كتب موزعة من السفارة الإيرانية بالجزائر، تضمر دعوات للتشيع وأفكارًا محرفة عن الدين الإسلامي والمذهب السني. وهذه الكتب لا تحمل اسم مؤلف أو مكان النشر، إلاّ أن هناك إجماعًا على وجود حصانة دينية كبيرة عند الجزائريين.

75 ألف شيعي

يوقن حمداش أن الجزائر ليست بمعزل عقائدي عن المشروع الصفوي، quot;فسفارة إيران في الجزائر شغالة على هذا الخط الدعوي، ولها اتصالات حثيثة مع الجزائريين، وتوزع لهم المنشورات والبيانات والرسائل والكتب الشيعية، ويدفعون لمن ينشر مذهبهم أموالًا، ويمكنونهم من السفر إلى إيران والبلدان التي لها معاقل شيعية، فيقيمون لهم تدريبات مذهبية وما يلحقها من توابع مذهبهم الضال، كالمتعة وإسقاط الشرائعquot;.

ويلفت عبد الله طمين، الخبير في الشؤون الدينية والأوقاف، إلى أن النظام الحاكم في الجزائر غير مهتم بالمد الشيعي، وهو حال سائر الحكومات الجزائرية منذ الاستقلال، وذاك لا يخص الشيعة فحسب بل كافة المذاهب أو الديانات في حالات عدم المساس بنظام الحكم القائم في الجزائر.

وبمنظور المستشار السابق لوزير الأوقاف، تتحكم عوامل أخرى في المدّ الشيعي بالجزائر، كمواقف إيران ضد الولايات المتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى حرب حزب الله ضد اليهود، وهجرة الجاليات الشيعية من مختلف الدول العربية وغيرها إلى الجزائر.

ولا يعتقد طمين أن المذهب الشيعي يشكل خطرًا على الجزائر أو الجزائريين، quot;فبلغة الأرقام لا يتعدى عددهم 75 ألف شيعي، بينما أتباع المذهب المالكي يفوق عددهم 31 مليون سني، والبقية نجدها موزعة بين المذهب الحنبلي في العاصمة ومحافظة البليدة بصفة خاصة بين الجزائريين ذوي الأصول التركية أو الكراغلة، بالإضافة إلى أتباع المد السلفي والطرق الصوفية في الغرب الجزائري كالتيجانية والقادرية والشاذلية والمهدية، وكذا المذهب الإباضي لبني ميزاب في غرداية، كما نجد الديانة اليهودية ممثلة في العاصمة وحاضرة بجاية بحوالي 100 عائلة، والبوذية بنحو 38316 بوذياً، بينما المسيحية بمختلف فروعها تستوعب نحو 16650 مسيحياًquot;.

يستعملون التقية

يقول حمداش إن شيعة الجزائر يتركزون في مناطق ينتشر بها الجهل والفقر، وبعض الأماكن التي يحمل أهلها الضغائن على العرب، quot;فيذكرون لهم أكاذيب حول اغتصاب العرب الحكم الإسلامي من آل البيت، وخلافات الصحابة رضي الله عنهم، وبعض مظالم المسلمين عبر التاريخ الإسلاميquot;.

ويشدد حمداش على أن شيعة الجزائر في الحقيقة هم سفارة إيران ولواحقها الاستخباراتية، وبعض من يسميهم بالمثقفين الجامعيين الجهلة الذين تأثروا بالتشيّع عبر الإعلام والفضائيات ومواقع الانترنت، والتواصل مع الشيعة بالمراسلة والمحادثة.

ويقول إن أول من دخل التشيّع العصري للجزائري كان الأساتذة السوريين واللبنانيين، quot;الذين نقلوا جرثومة التشيع إلى الجزائر السنية، التي طلقت التشيع منذ عهد الدولة الفاطمية المنحرفة، التي حملت الشعب المغاربي كله على التشيع بالإكراه والسجن والتعذيبquot;.

ويضيف: quot;تجاوب بعض المتعاطفين مع آل البيت عليهم السلام وانخدعوا بما نشره الشيعة من أكاذيب تاريخية وتدليسات شيعية حول الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، فالمتشيعون والمشيعون اليوم في الجزائر لا يمكنهم الجهر بعقيدتهم أمام الملأ أو في المساجد أو في الأعراس أو التجمعات السكنية أو الملتقيات الفكرية أو الدعوية، وإنما يعملون في السر، ويستعملون التقية مع الناس، ويكتمون مذهبهم لأنهم يعلمون أن جمعية علماء المسلمين غرست مذهب السنة بعدما نشره الفاتحون والعلماء والقضاة والمجاهدونquot;.

حرب فكرية

بيد أن حمداش يؤكد أن انتشار التشيع في الجزائر ليس بالأمر المهول، وإنما فيه عمل تشييعي ضعيف لكن لا يمكن الاستهانة به إطلاقًا، متصورًا أن الشيعة ثلة منبوذة من المجتمع الجزائري، يستعملون التشيّع كسلاح مضاد ضد الإسلاميين وخاصة السلفيين منهم، فتراهم يدافعون عن الشيعة والتشيّع لمخالفة المنهج السلفي الذي يسمونه الوهابية التكفيرية.

ويردف حمداش: quot;هناك طبقة متفسخة من العنصريين الجزائريين، يدعون إلى التمييز والأقلية، وهم دعاة فرنسا وإسرائيل في بلاد البربر، يفضلون الشيعة على السنة الذين ينعتونهم عنصرية بأنهم متأثرون بجزيرة العرب والحضارة العربية، التي في زعمهم تحارب الأمازيغية ولسان أهل المنطقة وثقافة البربر الأصلاءquot;.

ويلّح حمداش على أن الشيعة أخطأوا المجتمع، quot;خصوصًا بعد أن ظهرت قبائح الشيعة في العراق في حرب 2003، وحرب الروافض ضد السنة في سوريا، فانكشفت خطط وحيل الشيعةquot;، متوقعًا نشوب حرب فكرية عقائدية دعوية بين السنة والشيعة في الجزائر.

خفوت صدى

وتشدد مراجع إيلاف على محدودية الشيعة بالجزائر بسبب قوة السنة ومكانتهم. فليس للتيار الشيعي أي صدى في الأوساط الشعبية مقارنة بالمذهب المالكي أو التيار السلفي، ما عدا ما يروج له من طرف دعاة التغريب وبعض الأقلام الصحفية التي تريد حب البروز وخلق الحدث بأي ثمن.

لكن طمين يلّح على أن الشيعة في الجزائر حقيقة مؤكدة لا غبار عليها، حتى وإن كانوا 75 ألف شيعي فقط، quot;وهي نسبة رمزية إذا قارناها بـ394 مليون شيعي في مختلف دول العالم، وتعود خلفيات انتشار المذهب الشيعي الإثني عشر في الجزائر إلى انتصار الثورة الإيرانية، والقنوات التلفزيونية الشيعية كقناة الأنوار مثلاً، وهجرة الشيعة من العراق وسوريا ولبنان إلى الجزائر، والتعاطف مع حزب الله في حربه ضد اسرائيلquot;.

ورغم ذلك، يجزم طمين أن أتباع الشيعة في الجزائر هم متعاطفون مع المواقف الشيعية أكثر من اقتناعهم بالمبادئ والعقيدة المذهبية الشيعية، والدليل على ذلك اعترافات أصحاب النشاط الشيعي في عين تموشنت خلال آذار (مارس) 2007، عند ضبطهم في قضايا تحريف المصحف بما يتماشى مع رؤى المذهب الشيعي.

أجندة خاصة

يقرأ عبد الله طمين الاتفاق الأمني الجزائري الإيراني الأخير، بكونه يمهّد لـquot;أجندة خاصةquot;. ويسجّل طمين أن الاتفاق بين الشرطة الجزائرية ونظيرتها الإيرانية إثر الزيارة التي قام بها اللواء عبد الغني الهامل، مدير الأمن الجزائري، إلى طهران تضمّن صراحة مواصلة اللقاءات الأمنية الثنائية وتنظيم دورات تدريبية وضبط برنامج مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود والجرائم المعلوماتية، وهي مهام تدخل في صلاحيات جميع الأسلاك الأمنية في الجزائر وليس سلك الشرطة وحده.

ويضيف طمين: quot;أجرى اللواء الهامل والسفير الجزائري في إيران سفيان ميموني عدة اتصالات خارج مجال القيادة العامة للشرطة الإيرانية، فقابلا وزير الداخلية الإيراني وأمين الأمن القومي، ما يعني أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يرغب في إعداد أجندة خاصة لما بعد رئاسيات نيسان (أبريل) 2014، في سياق غير مفصول عن التعديلات الدستورية المزمع إقرارها الشهر المقبل وغيرها من القرارات التي تقلل من شأن دعاة المعارضةquot;.