أثار الأسقف تيبارتس فان إيلست جدلًا حاميًا حول تبذيره أموال الأبرشية لبناء مقر إقامته الجديد، لكن البابا فرانسيس أبقاه في منصبه، شريطة اعتزاله لفترة غير محددة قبل أن يعود إلى مقر عمله.


لندن: لم يكن البابا فرنسيس وحده المصدوم من سماع أخبار المونسنيور فرانس بيتر تيبارتس فان إيلست، الأسقف الألماني الذي أسرف في ترميم منزله، حتى صرف نحو 31 مليون يورو، بل عمت الصدمة أروقة الفاتيكان، ومنها العالم المسيحي. فالمسيح عاش صيادًا ومات بلا ثوب، إلا ما يستر عورته وهو ملقى على الخشبة في درب الجلجلة.

ويبدو أن هذا البابا، الآتي من غياهب التواضع الانساني، أراد أن يجعل من أسقف ليمبورغ الألماني المسرف شبه أمثولة، فقرر اليوم الأربعاء إيقافه عن ممارسة نشاطاته الراعوية، من دون أن يقيله من منصبه، خلافًا لما كان البعض يطالب.

وأصدرت حاضرة الفاتيكان بيانًا قالت فيه إن الكرسي الرسولي يعتبر من الملائم أن يقيم المونسنيور فرانس بيتر تيبارتس فان إلست خارج الابرشية، بانتظار ظهور نتائج تحقيق تجريه الكنيسة الالمانية، للتأكد من صحة المزاعم. وأضاف البيان: quot;طرأ في ابرشية ليمبورغ وضع يضع فات إلست في موقف حرج، فلا يستطيع معه أن يمارس الآن مهامه الاسقفيةquot;.

البذخ الكاثوليكي

لا بد أن ما فعله أسقف ليمبورغ الألماني مكروه بكل المعايير، خصوصًا في عهد البابا فرانسيس الذي وصل إلى سدة الباباوية الكاثوليكية على جناحي الرحمة والتواضع. فصرف هذا المبلغ الطائل على ترميم منزل الأبرشية ليس مبررًا، خصوصًا أن منتقديه يتمادون كثيرًا في تعداد طلباته الباذخة.

فالاعلام الألماني يتهم الأسقف بإخفاء حقيقة المبالغ المصروفة، خصوصًا أن صحيفة دي فيلت قدرت قيمة أعمال البناء في المنزل وحدها بأكثر من 40 مليون يورو. لكن مراقبين على صلة بالكنيسة الكاثوليكية لا يستغربون أن يحصل مثل هذا الأمر، ويتساءلون: quot;ألم ير البابا فرانسيس البذخ في الكنائس الكاثوليكية حول العالم، في البناء والتأثيث، إلا في بعض المناطق التي حرمت لأسباب مختلفة؟ ألم يتأخر البابا فرانسيس في الطلب إلى كاردينالات الفاتيكان التواضع قليلًا، والتوقف عن التبذير وشراء السيارات الفارهة؟ فما زال زوار الفاتيكان يشاهدون كاردينالًا هنا يترجل من سيارته فيراري الحمراء بكامل أناقته الكهنوتية الفاخرةquot;.

حنث بالقسم

و شكلت الكنيسة الالمانية لجنة تحقيق، لتصل إلى الحقيقة في نفقات الاسقف الموقوف عن مهامه الكهنوتية. وفي انتظار هذه النتائج، عين البابا فرانسيس فولفغانغ روش بديلًا له، ليهتم بشؤون أبرشية ليمبورغ.

وكان أعضاء في هذه الأبرشية أرسلوا رسالة مفتوحة إلى البابا انتقدوا فيها اسلوب الاسقف التسلطي ونفقاته الباذخة، ووقع عليها اكثر من 4400 من المواطنين الألمان ومن موظفي الكنيسة، من اصل 650 الفا من اتباع الابرشية.

غير أن البذخ ليس أكبر الخطايا في سجل المونسنيور تيبارتس-فان إيلست، إذ اتهمته السلطات الألمانية في هامبورغ قبل أسبوعين بالحنث بقسمه، وطلبت إنزال عقوبة جزائية به، على الرغم من مكانته الدينية.فالقضاء الألماني يشكك في تصريحات المونسينيور لمجلة در شبيغل اعترف فيها بأنه قام برحلة في الدرجة الاولى لزيارة فقراء في الهند، لكنه اكد بعد ذلك تحت القسم أنه رفض الرد على السؤال الذي طرحه الصحافي.

وفي ألمانيا، قال رئيس اللجنة المركزية للكاثوليك الالمان الويس غلوك في بيان صدر اليوم: quot;يشكل قرار البابا فرنسيس فرصة لانطلاقة جديدة في اسقفية ليمبورغ، فالوضع في الاسابيع الاخيرة كان لا يحتمل، بالنسبة إلى المؤمنين او إلى الكنيسة في ألمانيا، والقرار هذا سيتيح إظهار كامل الحقيقة في هذه المسألةquot;.

ضد الجموح الرأسمالي

وآراء البابا فرانسيس ليست جديدة في هذا الاطار، ويلتقي فيها مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي زارته في أيار (مايو) الماضي في الفاتيكان، لتصرح بعد اللقاء إن الاقتصاد يجب أن يكون في خدمة البشر، وأنها تناولت قضايا دينية وخاصة بالعولمة ودور أوروبا في العالم مع البابا، بالإضافة إلى التداعيات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية.

وكان فرنسيس وصف الرأسمالية الجامحة مرارًا بأنها تخالف تعاليم الدين المسيحي، داعيًا إلى تدخل أكبر للدول في حماية مواطنيها، وإدخال إصلاحات مالية أخلاقية على إداراتها المالية، لتوزيع عادل للثروات بين الأغنياء والفقراء.

وفي خطاب ترحيبي بسفراء جدد في الفاتيكان حينها، رد البابا الأزمة المالية العالمية إلى أزمة انتروبولوجية عميقة، موازية لظهور أصنام جديدة، هي شهوة المال وديكتاتورية اقتصاد من دون وجه إنساني حقيقي، مهاجمًا غيلان المال في العالم، والإسراف من دون النظر إلى حاجات الشعوب الفقيرة، ومنها ما لا يجد مأكلًا ولا مأوى.

ونقل عن البابا أيضًا قوله: quot;يؤلمني أن أرى كاهنًا يملك سيارة حديثة الطراز... هذا لا يجوز، فالسيارة الضرورية، لكن اختاروا سيارة متواضعة غير مترفة، وفكروا بعدد الأطفال الذين يموتون جوعًا، وارصدوا أموالكم لنجدتهمquot;.