تتواصل عملية كتابة الدستور المصري الجديد، ويتواصل معها الجدل والخلاف حول الكثير من المواد، لاسيما ما يعرف بـquot;مواد الجيشquot;.


القاهرة: يصر قادة القوات المسلحة المصرية أن يكون لهم وضع خاص بالدستور، وإستقلال بالميزانية وتعيين القادة، وخاصة وزير الدفاع، الذي سوف يكون في درجة أعلى من رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، في حالة إقرار ما يرنو إليه الجيش، الذي يطالب بأن يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإختيار الوزير، بينما تدعو بعض القوى السياسية أن يكون ذلك موقتاً بفترة زمنية محددة، وليس على الإطلاق.
تعيين وزير الدفاع
رغم إقتراب الإنتهاء من المسودة الأولى للدستور المصري الجديد، إلا أن ثمة هوة واسعة بين أعضاء لجنة الخمسين من المدنيين، وممثلي القوات المسلحة بها، فالطرف الأخير يصر على أن يكون للجيش وضع خاص، من حيث إستقلال الميزانية، غير أن الخلاف الأشد تعقيداً، يكمن في طريقة تعيين وزير الدفاع، ويصر الجيش على منح المجلس الأعلى للقوات المسلحة حق إختيار الوزير، وألا يترك هذا الأمر لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، وإذا حدث يشترط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الوزير.
ويرى مراقبون أن هذه الوضعية الخاصة تجعل من الجيش دولة داخل الدولة، وتضع وزير الدفاع في مرتبة أعلى من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
لمدة 8 سنوات فقط
ووفقاً لمصدر مسؤول في لجنة الخمسين، فإن الخلافات حول مواد الجيش وطريقة تعيين وزير الدفاع لم تحسم، مشيراً إلى أن ممثلي القوات المسلحة باللجنة يصرون على أن يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإختيار وزير الدفاع، بينما يطالب باقي أعضاء اللجنة بأن يكون تعيين الوزير من اختصاص رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء عند تشكيل الحكومة.
وأضاف المصدر لـquot;إيلافquot; أن مؤسسات الدولة ينتابها شعور بالقلق من المؤسسات المنتخبة المقبلة، لاسيما البرلمان ورئيس الجمهورية، وتخشى مؤسسات القضاء والشرطة والجيش من تغول البرلمان أو الرئيس عليها، كما حصل في تجربة حكم الإخوان، لافتاً إلى أن كل من تلك المؤسسات، وليس الجيش وحده، تسعى إلى الحصول على وضع مميز أو مستقل في الدستور الجديد.
وأفاد بأن ثمة اتجاهاً قوياً داخل لجنة الخمسين أن تكون هناك مرحلة إنتقالية في ما يخص اختيار وزير الدفاع، مضيفاً أن الإتجاه القوي يدعو إلى منح المجلس العسكري حق إختيار وزير الدفاع لمدة دورتين رئاسيتين فقط، أي لمدة ثماني سنوات، ثم يعود بعدها هذا الحق إلى الرئيس أو رئيس الحكومة في حالة إقرار النظام البرلماني للدولة.
لا مانع موقتاً
تحصين منصب وزير الدفاع بهذه الشكلية، يجعله فوق رئيس الجمهورية، أو يجعل للدولة رأسين، أحدهما مدني والآخر عسكري، إلا أن قوى سياسية ترى في ذلك مخرجاً للأزمة الراهنة، ويضمن عدم إنقلاب الرئيس المقبل على وزير الدفاع، وقال محمود علي، الأمين العام لمنظمة شباب الجبهة الليبرالية، لـquot;إيلافquot;، إن الجيش المصري قام بعمل بطولي في دعم ثورة المصريين ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، مشيراً إلى أنه لا يمانع في أن يتم تحصين وزير الدفاع من أي رئيس مقبل، ولكن لفترة محددة، لحين إستقرار أوضاع الدولة.
حسام مؤنس، القيادي بالتيار الشعبي، الذي يترأسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، يؤيد هذا الإتجاه أيضاً، وقال لـquot;إيلافquot;، إن ثمة خلافات حادة حول مواد تتعلق بالمؤسسة العسكرية، لاسيما المحاكمات العسكرية، مشيراً إلى أن الإتجاه السائد في المجتمع المصري أنه يرفض مثول المواطن أمام أية محاكم استثنائية، وأن يمثل أمام القاضي الطبيعي.
وذكر مؤنس أن تعيين وزير الدفاع يجب أن يكون من قبل الرئيس أو رئيس الوزراء، وليس من قبل أية جهة أخرى، إلا أن مؤنس لا يمانع أيضاً في إقرار مادة بالدستور الجديد، تمنح المجلس العسكري الحق في تعيين وزير الدفاع لفترة إنتقالية، حسب ما يتم الإتفاق أو التوافق داخل لجنة الخمسين.
دولة برأسين
ويرى آخرون أن تعيين وزير الدفاع من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ونزع هذا الحق من الرئيس يجعل من مصر دولة ذات رأسين، الأول مدني والآخر عسكري، وقال المستشار رفعت السيد رئيس محكمة إستئناف القاهرة الأسبق، لـquot;إيلافquot; إن ثمة اتجاهاً داخل لجنة الخمسين بوضع مادة تعطي المؤسسة العسكرية حق اختيار وزير الدفاع لمدة 12 عامًا، مشيرًا إلى أن ذلك يعني أن مصر ستحكم من خلال دولتين دولة مدنية ودولة عسكرية، وأعتبر أن هذا أمر غير مقبول على الإطلاق.
وأضاف السيد أنه إذا كان الفريق أول عبد الفتاح السيسي استطاع اكتساب ثقة المصريين، بسبب انحيازه لثورة 30 يونيو، فليس معنى هذا أن كل وزراء الدفاع التاليين له سيحظون بذات الثقة، لافتاً إلى أن اختيار القيادة العسكرية لقائدها لو تمت الموافقة عليه، فإن ذلك سوف يستتبع بالضرورة أن تختار القيادات الأمنية قياداتها، وكذلك القيادات القضائية والمحافظات والشركات والمؤسسات وغيرها.
وذكر أن مثل هذه المحاولة هي نوع من التكريم الشخصي لقائد فذ، لكن ذلك لا يجوز كقاعدة عامة أو مبدأ على الإطلاق، داعياً السيسي ـ وقد أصبح زعيمًا شعبياً ـ أن يبادر بتشكيل حزب سياسي بزعامته وبرنامج تلتف حوله جماهير الشعب يدخل به انتخابات البرلمان ويشكل الحزب الحكومة، لأن الزعماء كما تعودنا من التاريخ يوجهون الأمة ولا يحكمونها، فمصطفى كامل في مصر لم يحكم، وسعد زغلول لم يحكم إلا عدة أشهر، والزعيم لا يشغل منصبًا تنفيذيًا.
لا انتقاص من الرئيس
ومن جانبه، قال اللواء طلعت مسلم، الخبير العسكري، لـquot;إيلافquot; إن المتعارف عليه في دول العالم، أن عملية اختيار وزير الدفاع تكون بالرجوع والتشاور مع قيادات القوات المسلحة، مشيراً إلى أن الجيش يسعى الى إقرار ذلك في الدستور، ولن ينفرد بتعيين وزير الدفاع، مشيراً إلى أن المجلس العسكري سيختار قائده بالتشاور مع الرئيس، وسوف يجري إستطلاعات رأي لقياس مدى قبول الرأي العام بالمرشح للمنصب. ونفى أن يكون منح هذا الحق للمجلس العسكري ينتقص من رئيس الجمهورية أو يجعل من الجيش دولة داخل الدولة.
ودعا الدكتور حسن نافعة، الناشط السياسي، وأستاذ العلوم السياسية، إلى quot;ضرورة العثور على صيغة تسمح بالتشاور مع الشخصيات الاعتبارية داخل الجيش أثناء إختيار وزير الدفاعquot;، وأضاف في تصريحات له، أن من الممكن لهم ترشيح ثلاثة أسماء لشغل منصب وزير الدفاع يختار الرئيس من بينهم واحدًا، معتبراً أن هذا الأمر لا ينتقص من رئيس الجمهورية.