يقرأ مراقبون جزائريون التصعيد الأخير بين بلادهم والمغرب جعجعةً من دون طحين، وينعت ناشطون الأمر بأنه لعبة مكشوفة لتسخين طبول الفتنة بين الشعبين، ولإلهاء الجزائريين لتمرير خطط المستقبل تحت الدخان.


الجزائر: في وقت تحاشى فيه المتحدث باسم الخارجية الجزائرية الردّ على أسئلة quot;إيلافquot;، جاء في بيان حكومي أن حملة التهجم المتواصلة على الجزائر يشنها بعناد جزء من الطبقة السياسية المغربية، وجرى تضخيمها بما يتنافى وروح علاقات الأخوة والتعاون وحسن الجوار التي تربط البلدين، مع الإشارة إلى أن التقارب تنامى بين الجزائر والمغرب منذ قمة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والملك محمد السادس في آذار (مارس) 2005، وتعزّز في ميادين اقتصادية واستثمارية متعددة، أبرزها الزراعة.

غير مبرر

فيما لم يصدر أي تعليق رسمي بشأن الهجوم الذي شنّه مغربيون على القنصلية المغربية بالدار البيضاء، وإنزالهم العلم الجزائري عنها في اليوم الذي احتفل فيه الجزائريون بالذكرى الـ 61 لثورتهم التحررية، أفيد أن موقف الجزائر المبدئي حول ضرورة استكمال تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية لم يتغيّر البتة، وجرى إبراز أن رسالة بوتفليقة التي تلاها وزير العدل الطيب لوح في أبوجا، جدّدت التأكيد على ثبات هذا الموقف، الذي يحظى بدعم واسع من الاتحاد الأفريقي والبرلمان الأوروبي والفاعلين الدوليين الآخرين، تجاه مسألة تقع تحت مسؤولية الأمم المتحدة.

وسجّلت حكومة الوزير الأول عبد المالك سلال بأسف قرار نظيرتها المغربية غير المبرر، المتعلق باستدعاء سفيرها بالجزائر للتشاور، وقالت: quot;هذا القرار غير المبرر يشكل تصعيدًا مؤسفًا، يستند إلى مبررات زائفة تمس بسيادة الجزائر التي لا تحتمل مواقفها المبدئية بخصوص القضايا الاقليمية والدولية أي تشكيك، تحت تأثير تدخلات أجنبيةquot;.

رسالة مستفزة

وبشأن المخاوف من تأجيج الأزمة، شددت السلطات الجزائرية على أنّها تأمل في أن لا يتعدى هذا الفصل المؤسف في مجرى العلاقات الجزائرية-المغربية بُعده الفعلي، وأن يتم تجاوزه سريعًا، منوّهة بأنها ستبقي على مجموع بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية في المملكة المغربية وكذا رؤساء هذه البعثات الذين يواصلون نشاطاتهم بشكل عادي.

ولم يتردد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة عن قصف الطرف المغربي بالثقيل، ساعات بعد رد فعل الرباط على دعوة بوتفليقة إلى استحداث آلية رقابة ومتابعة للوضع الحقوقي في الصحراء الغربية، وحتمية توسيع مهمة البعثة الأممية - مينورسو، مع تأكيد بوتفليقة على أن استمرار ما أسماه بـquot;الاعتداءات ضدّ الصحراويين داخل الأراضي المحتلةquot; لن يترك المجموعة الدولية مكتوفة الأيدي.

ووجّهت السلطات الجزائرية إنذارًا إلى المغرب على خلفية ما اعتبرته تصعيدًا غير مقبول من نظام الملك محمد السادس، إثر البيان الذي أصدره العرش الملكي قبل أيام، ووصف فيه الرسالة الأخيرة للرئيس الجزائري بــquot;المستفزةquot;.

تصدير الضغوط

يلح أحمد الدان، الأمين العام لحركة البناء الجزائرية، أن ما سمّاه quot;الهجمة المغربية الشرسةquot; يتم من خلالها quot;دق الباب الخطأquot;، عبر محاولة تصدير مشاكل الداخل إلى الغير، وصنع معارك وهمية لإلهاء الشعب المغربي عن الانتكاسات التي تضرب منظومته السياسية، والتي لا تحل بالاعتداء على الجزائريين، وإنما تعالج عبر توسيع الحريات وحقوق الانسان، وإنهاء الحالة الاستعمارية القائمة على الحدود الجنوبية مع الصحراء الغربية، التي هي مشكلة صحراوية - مغربية، على طاولة الأمم المتحدة، وفي شماله على أرض سبته ومليلية المحتلة التي تمثل استمرارًا للاستعمار الاسباني للمغرب.

وبرأي مراقبين، للجزائر والمغرب كل الأسباب لإحياء خلافاتهما القديمة. يقول الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق عبد العزيز رحابي إن السفير المغربي بالجزائر سيعود قريبًا، quot;فالرباط مارست دومًا سياسة الضغط، واستدعاء الملك محمد السادس لسفيره رغبة لإفساد الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة، واختزال هذه الجولة المزمعة في الأيام القليلة القادمة في قضية الصحراء بدل مقاربة الحرب على الإرهاب وما يتصل بالوضع في الساحلquot;.

حذار السقوط

من جهته، لا يخفي أحمد عظيمي، الدبلوماسي الجزائري السابق، اندهاشه من رد الفعل المغربي على الموقف الجزائري المعروف والثابت منذ العام 1976، ما يقوده إلى الجزم بأنّ الأمر يتعلق بمسرحية جرى التوافق عليها بين النظامين الجزائري والمغربي لأسباب داخلية غير مفصولة عن الأزمات السياسية والاجتماعية الاقتصادية المتأججة في البلدين.

ويذهب مراقبون إلى أنّه صار مألوفًا أن يعمد النظامان إلى الاستعراض لتغيير الرأي العام عن القدر المسطور، وردًا على مسعى فعاليات جزائرية لتحريك ملف الاختفاءات القسرية في المغرب.

ويقول البرلماني محمد حديبي والجنرال المتقاعد عبد العزيز مجاهد إنّه يتعين على الجزائر أن لا تسقط في اللعبة المغربية والحرب الإعلامية السياسية التي تخوضها الرباط بغرض لعب أدوار أكبر في القارة السمراء، بدليل خوض الملك محمد السادس ثلاث زيارات أفريقية ومكوثه ثلاثة أيام كاملة في مالي.

يد ثالثة

يسجل جمال بن خلف الله، الناشط والمتابع للعلاقات الجزائرية المغربية، أن التصعيد الحاصل خرج من كونه حربًا كلامية إلى أفعال، عبر استدعاء السفير المغربي واقتحام القنصلية الجزائرية، تماشيًا مع موقف سياسي ليس ضد موقف الجزائر من الصحراء لأنّ الأخير لم يطرأ عليه أي تعديل أو تبديل. ولا يستبعد بن خلف الله احتمال وجود يد ثالثة تلعب من داخل النظام الجزائري، وتقوم بتعكير الجو، خاصة أنّ الوضع الداخلي غير مستقر وسط انقسام حاد داخل السلطة الجزائرية، تريد السلطات المغربية الاستثمار فيه.

ولا يقصي بن خلف الله احتمال افتعال الأزمة الراهنة، quot;نظرًا لما يعانيه النظامان من جفاف داخلي وسخط شعبي متنامٍ. وعن مؤدى العلاقات الجزائرية المغربية في ضوء المتغيّرات الأخيرة، وتعيين قائد جديد للدبلوماسية الجزائرية هو رمطان لعمامرة، يؤكد بن خلف الله أن التغييرات الوزارية في الجزائر لا تعني بالضرورة تغيير الخط العام في القضايا الاقليمية والدولية، مع بقاء الرئيس ثابتًا في مواقفه.

أفق خطير

ويسلط بن خلف الله الضوء على انتفاء وجود منظومة اقليمية مع تكرّس وضع داخلي متأزم في بلدان الطوق المغاربي، على وقع تداعيات خطيرة بفعل تحركات الجيش الفرنسي وقوى دولية على حدود الجزائر، واستخدام الأجواء السيادية لنظم قديمة، بعضها سقطت وأخرى بديلة غير مستقرة، تتخبط في أزمات أمنية خطيرة من الداخل، وهذا ينعكس على الجميع.

ويتوقع بن خلف الله أن تبقى الأزمة الصحراوية على حالها نظرًا لكتلة الأزمات الجديدة، quot;لكن ربما يزج بها في خضم هذه الاهتزازات التي تشهدها المنطقة لحصد مكاسب سياسية ضيقة، فالأنظمة الحالية ليست في مستوى الاهتزازات القوية التي تشهدها المنطقة المغاربية، بل هي بحد ذاتها شكل من أشكال هذه الأزمة، وبالتالي نحن مقبلون على واقع خطير من الانقسامات والتدخل الخارجي، على منوال الذي حدث في ليبيا ومالي، خصوصًا أنّ ليس للنظم المغاربية امتداد شعبي قوي، وليست نتاجًا حقيقيًا لإرادة الجماهيرquot;.