تنظر طالبان وغيرها من الجماعات الاسلامية المتطرفة في باكستان إلى الموسيقى بغالبية أشكالها على أنها رجس من عمل الشيطان، واستهدفت الموسيقيين في هجمات متكررة.


لندن: كانت لصعود التطرف الاسلامي في السنوات الأخيرة آثار مدمرة على الموسيقى في باكستان عمومًا، وفي الاقليم الشمالي الغربي خصوصًا بثقافته الموسيقية الفريدة. وعلى سبيل المثال، لم يتمكن المغني البشتو غولزار عالم، الذي يعتبر عميد الموسيقى البشتونية الكلاسيكية، من احياء حفلة موسيقية في مدينته بشاور منذ عامين تقريبًا. وقال عالم (59 عامًا): quot;إذا كانوا يفجرون المساجد ومجالس العزاء، فإنهم قادرون بكل تأكيد على تفجير حفلة موسيقيةquot;.

السلاح أو الرحيل!

للموسيقى البشتونية تقاليد عريقة تمتد مئات السنين. لكن طالبان والجماعات الاسلامية المتطرفة الأخرى ترى أن الموسيقى والغناء نشاطات منافية للشريعة الاسلامية، يمارسها الكفار، فاستخدمت العنف لإسكات الفنانين. وتعرض عالم، الذي كان يحيي حفلات موسيقية في قاعات تغص بالجمهور، لمحاولة اغتيال بدهسه بسيارة لاحقته في مدينة كويتا المضطربة، وهو ما زال يمشي إلى الآن مستعينًا بعصا ودعامة تسند رقبته.

وعرضت سفارات غربية ومنظمات للدفاع عن حقوق الانسان مساعدة عالم للحصول على حق اللجوء في الخارج، لكنه قرر البقاء في بشاور، ويعمل الآن مؤلفًا موسيقيًا في قناة تلفزيونية محلية.

لكن المغني غولزار عالم ما زال مستهدفًا. وفي ايلول (سبتمبر) الماضي، اقتحم مسلحون مجهولون منزله وهددوا عائلته. ورغم أن قرار الرحيل عن باكستان ما زال صعبًا عليه كفنان، فإنه توصل إلى قناعة بأن البقاء لم يعد خيارًا.

وقال عالم لصحيفة وول ستريت جورنال: quot;عشنا حياتنا مع الآلات الموسيقية مثل الربابة والهارمونيوم، لكن علينا الآن أن نحمل السلاح لحماية أنفسنا، وهذا صعب علينا كفنانين، أو الرحيلquot;.

دبغري بازار

تُعزف الموسيقى البشتونية التقليدية عادة بآلتي الهارمونيوم والربابة بمصاحبة الطبلة والناي، لكن الجماعات الاسلامية المتطرفة ترى أن هذا كفر. وبدأت أزمة الموسيقى البشتونية التقليدية في مدينة بشاور حين سيطر ائتلاف من الأحزاب الاسلامية على حكومة الاقليم في العام 2002. وازداد الوضع تفاقمًا مع صعود حركة طالبان.

وكان سوق دبغري بازار وسط مدينة بشاور مركز الفنانين البشتون على امتداد قرون. وكانت الطوابق العليا لمباني المدينة ذات الشرفات الخشبية تحف بمحلات الموسيقى.

وبتذكر الفنان احمد غُل (72 عامًا)، الذي سجل اول اغانيه للاذاعة الباكستانية حين كان في الثامنة من العمر، أن المنطقة كانت مليئة بمحلات الموسيقى كالقطار المزدحم. وكان غُل صاحب أحد هذه المحلات طيلة 18 عامًا، لكنه أُجبر على غلق المحل بسبب الاعتداءات والهجمات الارهابية. ففي هذا العام وحده، شهدت مدينة بشاور 15 هجومًا ارهابيًا، اسفرت عن مقتل أكثر من 120 شخصًا. وفي هذا الوضع بدأ السكان أنفسهم يطلبون من الفنانين واصحاب محلات الموسيقى أن يرحلوا عن المدينة. وفي النهاية فرغ سوق دبغري بازار من الفنانين. وكان المسمار الأخير في نعش الموسيقى البشتونية في هذه المدينة تغيير اسم دبغري بازار نفسه لارتباطه بالفن والموسيقى.