يبدو أن محادثة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الإيراني حسن روحاني لم تكن وليدة اللحظة، إذ سبقها العديد من الاتصالات واللقاءات السرية، كما أكد دبلوماسيون أميركيون وأوروبيون وعرب.


حرص البيت الأبيض على تصوير مكالمة باراك أوباما الهاتفية مع نظيره الإيراني حسن روحاني في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي وكأنها انجاز في السياسة الخارجية تحقق نتيجة تحرك دبلوماسي انطلق في اللحظة الأخيرة.

ولكن المحادثة التاريخية كانت فعالية حسنة الاخراج، وليست مبادرة بنت يومها، كما جرى الايحاء به.

وبدأ كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي يغرسون بذور هذا التواصل قبل أشهر على المكالمة، بسلسلة من اللقاءات السرية والاتصالات الهاتفية وبمعونة ملوك عرب ومغتربين إيرانيين ودبلوماسيين أميركيين سابقين كانوا بمثابة سعاة سريين ينقلون الرسائل بين واشنطن وطهران، كما افاد مسؤولون أميركيون وعرب وأوروبيون، حاليون وسابقون، مطلعون على هذه التحركات.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن هؤلاء المسؤولين أن أوباما خول مسؤول الملف الإيراني في الادارة بانيت تلوار باجراء لقاءات مباشرة واتصالات هاتفية مع وزارة الخارجية الإيرانية. وجرت بعض الاتصالات في العاصمة العمانية مسقط التي تبعد نحو 320 كلم فقط عن الساحل الإيراني.

أميركا تريد حلًا

وكانت رسالة تلوار، وهو أميركي ذو اصل إيراني، الى محاوريه الإيرانيين رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة تريد حل النزاع بشأن برنامج إيران النووي بالطرق السلمية.

وكان البيت الأبيض يجري اتصالاته مع طهران من خلال مسؤولين آخرين في طاقم أوباما، بينهم مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، كما أكد مسؤولون إيرانيون وأميركيون. وبتوجيه من أوباما فتحت رايس قنوات اتصال مع نظيرها الإيراني حين كانت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة طيلة الفترة الممتدة من 2009 الى 2013. وتكثفت الاتصالات تمهيدًا لمكالمة أوباما مع روحاني.

اتصالات سرية

واسهمت هذه الاتصالات السرية في دفع الخطوات الأخيرة نحو التقارب الأميركي الإيراني. ومنذ المكالمة اياها اجرى المسؤولون الأميركيون والإيرانيون ثلاث جولات من المحادثات المباشرة حول برنامج إيران النووي وستجري الجولة الرابعة على هامش المفاوضات التي بدأت في جنيف الخميس بين إيران ومجموعة القوى الدولية الست التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد المانيا.

ويرى مراقبون أن سرية الاتصالات الدبلوماسية التي عبدت درب هذا التقارب تبين المخاطر التي تواجه البيت الأبيض وتوجس الادارة في سعيها الى تحقيق هدف أوباما.

وتتبدى هذه المخاطر في حقيقة أن القليل الذي كشفت عنه الادارة من هذا الغزل مع طهران اثار استياء حلفاء اساسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول عربي رفيع قوله: quot;نحن في أحسن الأحوال ننظر بارتياب الى إيران ولكن مخاوفنا تضاعفت في الأجواء الحاليةquot;.

خيار منطقي

وقال دبلوماسيون وأكاديميون إن تلوار، ولقبه الرسمي مساعد خاص للرئيس ومسؤول إيران والعراق ودول الخليج في مجلس الأمن القومي، كان خياراً منطقيًا لاتصالات البيت الأبيض السرية مع طهران. إذ كان تلوار عضو مجموعة ضيقة من الأكاديميين ومسؤولي الكونغرس والدبلوماسيين السابقين الذين اجتمعوا سرًا مع مسؤولين إيرانيين خلال ولايتي الرئيس جورج بوش.

كما شارك في هذه الاتصالات وزير الدفاع السابق وليام بيري، وتوماس بيكرنغ نائب وزير الخارجية في ادارة كلنتون وفرانك ويسنر السفير الأميركي السابق في مصر. وكانت اللقاءات تُعقد في اوروبا، لا سيما في العاصمة السويدية ستوكهولم، في فنادق وصالات للبحث عن سبل حل النزاع بشأن برنامج إيران النووي ودرء خطر اندلاع مواجهة عسكرية.

وكان المشاركون الأميركيون يتشجعون بالمستوى العالي لتمثيل الجانب الإيراني. وساعد في إعداد بعض هذه اللقاءات محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني الحالي. وقال وليام لورز الرئيس السابق لجمعية الأمم المتحدة في الولايات المتحدة الذي شارك في تنظيم أحد اللقاءات إن تلوار كان حاضراً في جميع اللقاءات التي جرت من عام 2002 حتى نهاية 2006.

واعاد انتخاب روحاني تفعيل هذه الاتصالات التي لم تنقطع طيلة السنوات الماضية. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين واوروبيين ان أوباما كان يسعى الى البناء على هذه الاتصالات التي اقامها تلوار والمسؤولون الآخرون في اوروبا.

مبادرة إيرانية

واستخدم ظريف، وزير الخارجية الإيراني حالياً، الاتصالات نفسها لينقل الى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الخطوات التي تقول طهران إنها مستعدة لاتخاذها من اجل طمأنة الولايات المتحدة الى اهداف برنامجها النووي وتبديد مخاوفها في هذا الشأن، كما افاد مسؤولون إيرانيون ومشاركون أميركيون.

وشارك في هذه الدبلوماسية السرية حسين موسويان، وهو دبلوماسي إيراني سابق واكاديمي في جامعة برنستون حاليًا، اتهمه الرئيس الإيراني السابق محمود احمد نجاد بالخيانة ورماه وراء القضبان لفترة من الوقت. وقال مسؤولون أميركيون واوروبيون إن وجود موسويان ساعد في فهم الغرب للموقف الإيراني لأنه عمل بصورة وثيقة في السابق مع روحاني وظريف.

وكانت سوزان رايس تجتمع مع نظيرها السفير الإيراني في الأمم المتحدة محمد خزاعي خلال عملها في المنظمة الدولية. وعمل الاثنان على تهدئة التوتر بين واشنطن وطهران حول البؤر الساخنة في الشرق الأوسط وتفادي حدوث اخطاء في الحساب بين السفن الأميركية والإيرانية في مياه الخليج.

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي كان الاثنان ينسقان عن طريق الهاتف لترتيب لقاء مباشر بين أوباما وروحاني على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب مسؤول إيراني رفيع مطلع على اتصالاتهما. وحاول الاثنان في البداية ايجاد غرفة في مقر الأمم المتحدة للقاء قصير بين الرئيسين.

ولكن اللقاء لم يُعقد، وبدلاً من ذلك اتفق الجانبان في نهاية المطاف على مكالمة هاتفية قبيل مغادرة روحاني عائدًا الى طهران في 27 أيلول (سبتمبر).