الجثث المفحّمة التي نقلتها بعض القنوات في تفجيري بئر حسن أمس، اللذين استهدفا السفارة الايرانية في لبنان، تطرح السؤال حول جدواها وتضع المهنية الاعلامية في لبنان على المحك.

بيروت: في نقل تفجيري بئر حسن أمس، اللذين استهدفا السفارة الايرانية، لوحظ عدم احترام حرمة الجثث من خلال امعان بعض الوسائل الاعلامية في نشر صور جثث متفحمة، وكأن الموت أو الانسان اصبح مجرد صورة لا قيمة معنوية له.

ميشال خوري يعتبر أن quot;عدم بث الصور والمشاهد الدموية افضل بكثير، فبحسب علم النفس وعلم الاجتماع رؤية مشاهد القتل والدم وغيرها من اعمال العنف تؤثر سلبًا في نفسية المتلقي وبخاصة الاطفال والمراهقين، والامر لا علاقة له بالمهنية الصحفية بل quot;اعتقد أن من المهنية عدم بث مشاهد الجثث والدم. ثم هناك سؤال مهم، ما الغرض من بث صور الجثث والدم؟ هل الغرض التأثير في المشاهد؟ بطبيعة الحال الانسان السويّ ما إن يسمع بخبر مقتل انسان سيتأثر من دون الحاجة الى مشاهدة جثته، ويتابع:quot; انا لا انكر أن مشاهدة طفل استشهد بتفجير ارهابي سيؤثر بي بشكل كبير واكثر مما لو سمعت الخبر فقط، لكن ايضًا مستوى هذا التأثر سيكون له أثر سلبي في نفسيتي، وربما على قدرتي على تمالك اعصابي. لذلك أرى من المهنية عدم بث صور الجثث والدم وبخاصة المتعلقة بالاطفال والنساء.quot;

تقول ربى فاضل إن الاعلام يضطر في بعض الاحيان الى تصوير الحقيقة المرة كما هي ، وتضيف :quot; لماذا على الصحافي تجميل الواقع وتخدير المشاهد بالصور الوردية دون أن يريه الواقع كما هو ؟ quot;أنا مع التوازن بنشر صور الجثث بحيث تنشر كما هي، من عدا الصورة القاسية جدًا يمكن نشرها بعد التمويه على أجزاء منها. يجب أن لا ننسى أن المواطن يشاهد الواقع أيضًا ويعايشه ويرى المشاهد كما هيquot;.

عالمان مختلفان

في البلدان الغربية كإنكلترا مثلاً يمنع تصوير المشاهد المؤذية كالجثث المتفحمة وغيرها، حول هذا الموضوع يؤكد فادي جوهري أن quot; اليوم يختلف العالمان الغربي والشرقي اختلافًا كبيرًا عمّا هو بالأمس وعمّا يختلجهما من صراعات تتباين بتباين المكان والحالة المعيشية والأوضاع الأمنية في كليهما، وبعيدًا عن تداخلات كثيرة تسببت بما يجري اليوم في بلدان كانت شعوبها وما زالت تعيش في ما بينها بود ووئام، على الرغم من اختلاف الاديان والمذاهب والرؤى الدينية والسياسية ، هنا ترى خلافًا كبيرًا بين القديم والمستجد على هذه البلدان ، ويضيفquot; أن الكثير من الناس وايضًا الاعلاميين والصحافيين من المتمرسين والمبتدئين حين يخص العالم العربي بالذكر فإنه لا يميز بين الوضع الانساني وبين الوضع السياسي، وتراه يعشق نظرته دون أن يعلم أن الرحى تدور في عالمين مختلفين، العالم الغربي قد أشبع بالمشاهد المقززة ومر بالمرحلة الدموية قبل عقود قليلة، وقد شهد الكثير من المآسي والكوارث الانسانية التي صنعتها ايدي البشر عبر التنافس البشع على امتلاك اسلحة الدمار الشامل وغيرها، وكانت القنوات الغربية آنذاك تعرض صورًا تكشف حقيقة ما تفعله تلك الاجهزة الامنية أو ما يفعله طيار بضغظ زر لإلقائه قنبلة لا يعلم اين ستقع، وعلى من، وما مداها التدميري اثناء تدخينه سيجارة أو اثناء سماعه لموسيقى، وكانت هذه الصور والمشاهد التي تعرضها قنوات مناوئة للحروب تحيي الضمير الانساني لدى الكثير من المؤسسات المدنية المعنية بالشأن الانساني وحتى بعض المؤسسات العسكرية في مراجعة استخدامها للحل العسكري بادئ الامر.

ويتابع:quot; لنكن واقعيين، سواء بالنسبة للاطفال أو الكبار، النساء أو الرجال، أعتقد بل واؤمن اليوم أن جميع هذه الفئات ليست بمنأى عن المشاهد الدموية التي تعرضها الفضائيات من أفلام الرعب، الاكشن، البوليسية، والمشاهد المقززة على اليوتيوب أو غيرها. وبالنسبة للقنوات العربية فهي تهرع في نقل مشاهد حقيقية بالنسبة لها أو لشعوبها تعتبر مستجدة على عالمها، فهي شعوب مسالمة لم تعهد بشاعة العنف من قبل الانظمة سوى اليوم. ولكون أن المشهد مستجد في العالم العربي فإنك تجده اكثر رعبًا وايلامًا على العالم نفسه، ولعل مشهداً أو صورة دموية تدفع بمنظمات انسانية عربية وغربية للتدخل وايقاف ما يجري، او إنها قد تحيي ضمير هذه الانظمة والاجهزة.

الصورة جدلية

يرى الاعلامي علي الامين أن موضوع الصورة يشكل جدلاً خصوصًا في المرحلة الاخيرة بسبب ما يجري تحديدًا في سوريا، وكذلك نقل الجثث المتفحمة خلال الاحداث في لبنان، وهذا برأيه فتح بابًا واسعًا لمثل هذه الاسئلة، بسبب حجم الاجرام الذي رأيناه في مواجهة الشعب السوري، وحتى العمليات التي جرى تصويرها أو توزيعها سواء من خلال الصورة الفوتوغرافية أو من خلال الفيديو تيوب، وهذه من الامور التي كان من الصعب للمشاهد أو المتلقي أن يراها، وكانت مؤذية الى درجة كان من الافضل عدم التداول بها، واليوم، برأي الامين لا يمكن أن نتكلم عن صحافي بحت يعمل في الجرائد والمجلات والتلفزيونات، بل هناك الصحافي المواطن من خلال المصادر الاخرى في الاعلام مثل شبكات التواصل الاجتماعي، وهي أمور صعب أن نتحكم بها ومتروكة للجمهور أن يلعب فيها دورًا اساسيًا اكثر من الصحافي في هذا الموضوع، وربما حصر الامر بالجانب الصحافي مهم، ولكن ليس هو من يحسم في هذه القضية بسبب توسع دائرة الاعلام والاعلاميين الذين اصبحوا من الجمهور العادي أو جهات سياسية أو غير معروفة، ولكنها قادرة أن توزع مثل هذه الصور والفيديوهات المؤذية على مساحات واسعة.