منذ سنوات، تعددت جلسات التفاوض بين لجنة (5+1) الغربية والوفود الإيرانية حول البرنامج النووي، وذهبت جميعها أدراج الرياح، إذ كانت كل المساعي تصطدم بتعنت طهران، على الرغم من أن الاقتصاد الإيراني شارف على الانهيار بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليه.


دبي: بدأت مسيرة تغيير المزاج الإيراني مع وصول حسن روحاني إلى سدة الرئاسة، خلفًا لمحمود أحمدي نجاد المتشدد. وظهر اللين الإيراني في المفاوضات، مدفوعة برغبة إيرانية في التوصل إلى حل يخرج اقتصادها من عنق الزجاجة.

ومن الناحية الأميركية، كان هم إدارة باراك أوباما أن يتوصل إلى اتفاق سلمي حول الملف الإيراني قبل أن يسبقه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، فتكون الطامة الكبرى.

ما لإيران وما عليها

كان هدف الولايات المتحدة وشركاؤها في لجنة (5+1) منع طهران من الاستمرار في أنشطتها النووية، فكان اتفاق جنيف، الذي نص على وقف طهران أنشطة تخصيب اليورانيوم أكثر من نسبة 5 بالمئة، وتخلصها من المخزون الخاص بمادة يورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة، أو تحويله إلى شكل لا يمكن استخدامه للمزيد من التخصيب، لأن اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة مادة خام يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة مستقبلية، وعدم تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي، مع تعطيل عدد كبير من الأجهزة الموجودة، والإبقاء على مخزون إيران من يورانيوم المخصب بنسبة 3.5 بالمئة خلال ستة أشهر مقبلة، وعليه يتعين تحويل أي مادة زائدة إلى أكسيد. كما ينص الاتفاق على أن لا مزيد من التجارب في مفاعل آراك، إذ يخشى الخبراء الغربيون من استخدامه لانتاج مادة بلوتونيوم، التي تفتح لإيران طريقًا ثانيًا نحو إنتاج قنبلة نووية.

في مقابل ذلك، حصلت طهران على ما يصفه الأميركيون بأنه تخفيف محدود وموقت للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. فإن التزمت الجمهورية الإيرانية بالاتفاق، فلن يكون هناك عقوبات اقتصادية أخرى خلال الأشهر الستة المقبلة، وسيجري تعليق عقوبات مفروضة على الذهب والمواد النفيسة وقطاع السيارات الإيراني والصادرات البتروكيماوية، وإجراء إصلاحات وعمليات تفتيش تتعلق بالسلامة لبعض شركات الطيران المدني الإيرانية، والسماح بتحويل نحو 4.2 مليارات دولار من مبيعات النفط الإيرانية إلى إيران، مع إمكانية تحويل نحو 400 مليون دولار من الأموال الإيرانية إلى مؤسسات التعليم في دول أخرى، لسداد مصاريف الطلبة الإيرانيين الذين يدرسون بها.

إسرائيل منزعجة

هلل العالم للاتفاق بين إيران والغرب، وتحدثت الأنباء عن مفاوضات سرية موازية للمباحثات العلنية، جرت في سلطنة عمان منذ آذار (مارس) الماضي، أي منذ عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد. وقالت التقارير إن الاتفاقات السرية عبّدت الطريق نحو اتفاق جنيف الذي أعلن عنه منذ يومين.

وحدها إسرائيل وصفت الاتفاق بالسيئ، لأنه لا يرقى إلى طموحها بالتخلص نهائيًا من سلاح استراتيجي لا تزال طهران قادرة على امتلاكه، لأن العالم وافق أن تستمر بالتخصيب، ولو بشكل مراقب ومحدد بعتبة 5 بالمئة.

ولهذا، تشعر القيادة الاسرائيلية بأن العقوبات الاقتصادية كانت على قاب قوسين أو أدنى من كسر العناد الإيراني، لكن الولايات المتحدة والغرب آثروا التراجع خطوات إلى الوراء، تسوقها مصلحة اقتصادية في خفض أسعار النفط واستئناف التجارة مع ايران، من دون الاهتمام بأمن إسرائيل المهدد.

والاتفاق سيئ بعيون إسرائيل، لأنها كانت اشترطت تفكيك أجهزة الطرد المركزي الإيرانية لترضى بأي اتفاق، لكن ذلك لم يتم، ولم يغادر الايرانيون برنامجهم النووي أيضًا، بل صرحوا مهللين بأن الاتفاق أبقى على قدراتهم التخصيبية. وتراهن إسرائيل اليوم على تراجع إيران عن التزاماتها خلال الأشهر الستة القادمة، لأن نظام الملالي في طهران لن يتراجع عن السعي لامتلاك السلاح النووي.

إثبات وجود

ويبقى السؤال: أين سوريا من هذه التسوية؟ على الرغم من التأكيد الأميركي للمعارضة السورية أن الملفين الإيراني والسوري منفصلان تمامًا، لكن هناك أطراف معارضة سورية ترى أن التنفيس عن هذا الاتفاق سيحصل في سوريا، حيث الساحة الأكثر قبولا للاستعار، من أجل تحقيق مكاسب معينة، أو تنفيذ التزامات معينة تم الاتفاق عليها بالتوازي مع الاتفاق النووي في جنيف.

ويرى مراقبون أن التقدم الكبير للجيش الحر في غوطة دمشق رسالة سعودية إلى إيران والولايات المتحدة، تقول لهم فيها إن في يدها الكثير من الخيوط الاقليمية. ومن هنا، تبدو المنطقة مقبلة على الكثير من التداعيات التي يحكمها الاتفاق، خصوصًا أن إيران، وأعوانها في المنطقة، تتصرف وكأنها المنتصرة في الكباش النووي مع العالم الغربي، ومن هنا يقول المراقبون إن سوريا قد تلتهب أكثر فأكثر في الأشهر القادمة، في تنافس إيراني سعودي على صراع إثبات وجود.