تستمر الحركة الدبلوماسية النشطة من جانب إيران تجاه جاراتها في الخليج العربي غداة توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى حيث تشهد العواصم ما يمكن تسميته (بازارًا سياسيًا) له أبعاد وتداعيات مستقبلية.


بينما زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف كلا من مسقط والكويت والدوحة في مهمة quot;تطمينية توافقيةquot; خلال الأيام الأخيرة، فإن العاصمة السعودية الرياض اعتذرت عن استقباله.

وقال مصدر دبلوماسي خليجي أمام (إيلاف) إن الرياض في موقفها هذا تبدو أنها ليست مستعجلة على quot;المصالحةquot; حتى تتأكد من النوايا الإيرانية بانتظار إجابات من طهران على أسئلة وصفها الدبلوماسي الخليجي بالواقعية، وتلقتها دولة خليجية وستنقلها بدورها الى إيران.

وكانت الرياض وطهران قبل تردي علاقاتهما قد اختارتا القناة الكويتية كغرفة عمليات مشتركة بينهما، إذ كان quot;ديناموquot; تلك المهمة وزير الخارجية الكويتي حاليا صباح الخالد الحمد الصباح وكان سفيرا لدى السعودية سابقا وهو يتمتع بثقة العاصمة السعودية quot;وربما ان مثل تلك الصيغة قد تعود مرة ثانية خاصة انه يتولى دفة السياسة الكويتيةquot;.

وتقول المصادر السعودية إن الرياض تريد علاقة مع إيران مبنية على التفاهم المشترك وحل القضايا العالقة غربا وجنوبا وشمالا وشرقا خاصة أن التجربة في الماضي مع طهران لم تكن مشجعة.

الرياض: محادثات صريحة

ولا تبدي الرياض ارتياحها إلى الدعوات الإيرانية التي انطلقت أخيرًا تلويحًا بـ quot;غصن الزيتونquot; فهي ترى أن السلام الحقيقي quot;لا تترجمه الاستعراضات الإعلامية بل المحادثات الصريحة والشفافة والمعمقةquot;.

لكن مجموعة من الساسة الخليجيين المطلعين على الفضاء الإيراني قالوا إن إيران جادة في رغبتها في السلام مع الجيران، فقد قال دبلوماسي كويتي ان لا احد في إيران يتكلم نيابة عن نفسه وان الرئيس حسن روحاني يتكلم نيابة عن منظومة متكاملة في القيادة الإيرانية.

ومن جهته، قال وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان الذي زار طهران الأسبوع الماضي مجيبا على سؤال لـ (إيلاف): quot;هذه المرة لست متشائما... هناك خيط من التفاؤلquot;. بينما علق مسؤول خليجي ان العلاقات بين الرياض وطهران قد تعود الى طبيعتها فالبلدان لهما مصالح عميقة مشتركة أما العلاقة بين quot; الأشقاءquot; الخليجيين فهي المعضلة، ولذلك رواية صحافية أخرى.

خسائر في سوريا

الى ذلك، كشفت شخصية استخبارية خليجية ذات اطلاع على الشأن الإيراني أن خسائر الجمهورية الإسلامية في سورية بلغت 37 مليار دولار.

وقالت الشخصية التي طلبت عدم الإشارة إلى هويتها ان إيران لم تقبل الاتفاق النووي في جنيف مع القوى الكبرى (5 + 1) إلا من واقع الضعف الذي تواجهه على مختلف الواجهات الإقتصادية والدبلوماسية والأمنية quot;رغم كل ما تدعيه وسائل إعلامها عن تحقيق انتصار في الاتفاق النوويquot;.

وقالت: في حقيقة الأمر وبعكس ما تحاول اجهزة الاعلام تسويقه فـquot;إيران لم تقبل إلا من ضعف ولو استمرت أشهرا لكانت تنازلاتها أكبرquot;.

موقف الحرس الثوري

ونوهت الشخصية الاستخبارية في كلامها أمام (إيلاف) بأنه quot;علينا التعرف إلى موقف الحرس الثوري وكيف سيبتلع الاتفاق النووي الذي من خلاله يتم الصرف بلاحدود او رقابةquot;. وأضافت: quot;هذا فضلا عن أنإعادة تأهيل إيران يسبب ضررا لأكثر من طرف عاش على اقتصاد الحصار او التوسع إذا ما قررت إيران أنتكف عن تدخلها في اليمن والبحرين وسورياquot;.

وقالت: المشاكل في الداخل الإيراني وخاصة على مستوى القرار معقدة وتعاني اشكاليات الاختلاف والانقسام عدم التنسيق ومثالا على ذلك ما يجري من حالة تناقض بين الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات وكلاهما جناحان قويان في القرار الإيراني.

ويشار هنا إلى أن إيران دفعت في العامين الأخيرين بكل قواها الاقتصادية والعسكرية والاستخبارية لتحقيق موطئ قدم في الساحة السورية.

وقالت مصادر دبلوماسية غربية أمام (إيلاف) إنه لولا الدعم الهائل الذي قدمته إيران لنظام بشار الأسد في إبادة شعبه من خلال إمداده بأدوات القتل والسحق، وبالمال والرجال، والدعم السياسي فضلا عن الدعم الاقتصادي لكان سقط من زمن طويل.

العقوبات الاقتصادية

وكانت العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية والولايات المتحدة ضد إيران ألحقت أضرارًا اقتصادية كبيرة وخصوصا عندما تم إيقاف الصادرات والانتاج النفطي الذي يعتبر اكبر ثروة في البلاد، ما أدى الى انهيار العملة الإيرانية بسبب قلة العملة الصعبة وتباطؤ الاقتصاد وارتفاع البطالة، فضلا عن تدهور القطاع الصحي مؤخرا.

وتسببت تلك العقوبات بأزمة اقتصادية كبيرة مع نسبة تضخم تتجاوز 30 في المائة على عام وارتفاع البطالة إلى نسبة 12.2 في المئة، كما وجهت ضربة قاصمة لصادرات النفط الإيراني التي انخفضت إلى النصف بما يزيد عن مليون برميل يوميا، ما كبد الحكومة خسائر تقدر قيمتها بمليارات الدولارات منذ بداية عام 2012.

كما خسر الريال الإيراني أكثر من ثلثي قيمته منذ مطلع عام 2012، بعدما بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تطبيق الحصار النفطي والمصرفي.

بعد السعودية

يذكر أن إيران تأتي ثانية بعد المملكة العربية السعودية في إنتاج النفط والغاز، وهناك مخاوف من سيطرة إيران على قسم كبيرة من الأسواق في هذا المجال.

وتشير التقارير إلى أن هناك ما يقرب من مليون برميل نفط إيراني يوميا سيكون جاهزا للتسويق عالمياً، وسط توقعات بظهور النفط الإيراني بكثافة في الأسواق العالمية خلال المرحلة القادمة، وما لذلك من تداعيات على أسعار النفط عالميا.

وكانت توقعات المؤسسات المالية الدولية الكبرى تشير إلى أن الأسواق النفطية ستكون ضحية أي اتفاق شامل مع إيران، وإن هذا الاتفاق الشامل سيدفع إلى هبوط أسعار النفط 40 دولارا عن السعر الراهن في الأسواق العالمية.

يُذكر أن إيران تحتل المركز 29 في الاقتصاد العالمي والثالث في الشرق الأوسط، كما أنها تأتي ثانية في احتياطات الغاز بنحو 1.87 تريليون متر مكعب، ورابعة في احتياطي النفط، بمعدل 140 مليار برميل.