في الرابع عشر من الشهر الجاري، تنتهي المهلة النهائية التي منحها الرباعي الراعي للحوار في تونس لحركة النهضة ومعارضيها من أجل الاتفاق على اسم مرشح الحكومة الجديدة، وفي حال لم يحصل الاتفاق، سيعلن الرباعي فشل الحوار الوطني ما يعني إمتحانا عسيرا وربما أخيرا للاسلاميين.


مجدي الورفلّي من تونس: بعد ان إعتقد التّونسيّون أن الأزمة السياسيّة التي طال أمدها قد أوشكت على الإنفراج بعودة الفرقاء السياسيّين إلى طاولة الحوار و إلغاء التّعديلات التي شملت النّظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي، تم الإعلان عن فشل التوافق على إسم رئيس الحكومة التي ستشرف على ما تبقّى من المرحلة الإنتقاليّة ممّا يُنذر بأن الوضع السياسي يتّجه نحو الأسوأ.

أشارت تسريبات منذ أيّام خلت إلى اتفاق القوى السياسية في تونس على ترشيح وزير المالية الأسبق جلول عياد لتشكيل حكومة محايدة تدير البلاد حتى الانتخابات المقبلة، صاحبها تأكيد حركة النهضة (التي رشحت أحمد المستيري لرئاسة الحكومة) والاتحاد العام التونسي للشغل قرب التوصل إلى تسوية تُنهي الأزمة السياسية القائمة من أشهر، ولكن يبدو ان هذه الأزمة ستطول أكثر.

مهلة أخيرة

أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظّمة نقابيّة في البلاد) حسين العباسي عن فشل الحوار الوطني في التوصل إلى التوافق حول الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة الجديدة وعن إمهال الفرقاء السياسيين إلى يوم 14 ديسمبر/كانون الاول الجاري كأجل نهائي للتوصّل إلى اختيار رئيس الحكومة، قائلا إن هذه المهلة ستكون quot;فرصة الأمل الأخير ولن نقبل بعدها بأي تأخيرquot;.

وقال العباسي: quot;قررنا منذ الآن عقد ندوة صحافية فاصلة يوم 14 ديسمبر/كانون الاول سنعلن خلالها وبشكل نهائي إما عن الوفاق والذهاب إلى إنجاح الحوار أو عن فشله وتوقفه نهائياquot; متعهدا بquot;نسب فشل الحوار لكل من كان سببا في إفشالهquot;.

الفتيل يشتعل

عقب إعلان العبّاسي عن فشل التّوافق بين الأحزاب السياسيّة التي تخوض الحوار الوطني إشتعل فتيل تبادل الإتّهامات بإفشال الحوار، إذ جدّدت المعارضة إتّهام حركة النّهضة الإسلاميّة بالمماطلة والمراوغة فيما إستبدلت الحركة تحميل المسؤوليّة لأطراف سياسيّة من المعارضة، بالإعلان عن أن الجبهة الشّعبيّة (التي تظم أحزاب يساريّة وقوميّة) هي من أفشل التّوافق.

عضو مجلس الشّورى بحركة النّهضة حمزة حمزة إعتبر خلال تصريحات خصّ بها quot;إيلافquot; أن حركته quot;قدمت تنازلات مؤلمة للخروج من الأزمة السياسيّة وأبدت استعدادها لقبول أسماء أخرى، غير مرشّحها، لرئاسة الحكومة حرصا على التوافق الوطني ولكن بعض القوى السياسية تتعمّد تعطيل الحوار الوطني رغم دقة المرحلة التي تمر بها البلادquot;.

الجبهة الشعبيّة تُعطّل

قال عضو مجلس شورى الحركة الإسلاميّة: quot;هناك من يصور النهضة على انها هي التي تعطل مسار الحوار وهذا غير صحيح، فرغم أن جلول عياد ليس مرشّحنا، فإننا لم نعارضه لوجود توافق واسع حول هذه الشخصية ولكن الجبهة الشعبية هي من رفضته وعرقلت مسار الحوار الوطنيquot;.

وتابع حمزة لـquot;إيلافquot;: quot;آخر مجهوداتنا في الحوار كانت التراجع عن تعديلات النظام الداخلي في المجلس رغم أنها وجيهة لم يقع التفاعل مع قرار التراجع عن التعديلات و بعض نواب المعارضة يواصلون التعطيل دون أي سببquot;.

نريد سياسيّا

القيادي في الجبهة الشعبية أحمد الصديق رفض تحميل مسؤولية إفشال التّوافق للجبهة الشّعبيّة، ووصف إعلان حركة النّهضة أن التوافق تم من قبل جميع الأطراف السّياسيّة ما عدى الجبهة بأنّه quot;كلام غير مسؤول وغير صحيحquot;، معتبرا أن السياسة لا تكون بهذه الطريقة إلا لمن امتهن المراوغة، على حد تعبيره.

وأوضح احمد الصديق رفض الجبهة الشعبية لجلول عياد كرئيس للحكومة القادمة قائلا: quot;الجبهة كانت واضحة عندما قالت أنها لا ترى في جلول عياد الشخص المناسب لرئاسة الحكومة لانه مختصّ في المجال الإقتصادي فيما تتطلب المرحلة الحالية رجلا سياسيا بامتياز حسب رؤيتناquot;.

ومن شأن الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة أن يسمح باستئناف الحوار الوطني الذي بدأ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي ثم علق في الشهر التالي، بسبب عدم توصل الأطراف المتحاورة إلى اتفاق، كما يسمح بالتعجيل بإنهاء الدستور.

وانطلق الحوار الوطني على قاعدة quot;خريطة طريقquot; عرضها اتحاد الشغل وثلاث منظمات أخرى، وتنص على إقرار الدستور وتولي حكومة جديدة خلال شهر على الأكثر، لكن تعثر الحوار الشهر الماضي أدى إلى تجاوز الأجل المحدد.

وتشترط حركة النهضة وأحزاب أخرى ضمن الأغلبية أن لا تسلم الحكومة التي يقودها الإسلامي علي العريّض السلطة إلى الحكومة المحايدة المنتظرة إلا بعد تحديد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة و تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات.

وإندلعت الأزمة السياسيّة في 25 جويلية الماضي بعد إغتيال النّائب القومي محمّد البراهمي على يد متشدّدين، حسب وزارة الدّاخليّة التّونسيّة.

إنعدام الثّقة

من جانبه، يرى النّاطق الرّسمي بإسم حزب نداء تونس لزهر العكرمي من خلال إفادته لـquot;إيلافquot; أنّ المشكل يتمثّل في quot;وجود حوار دون توافق بمعنى أنّه لم يكن من الممكن أن يتم إختيار أي كان لرئاسة الحكومة بسبب غياب التّوافق بخصوص هذه المرحلة وآليّاتها ككيفيّة تعيين الوزراء في الحكومة المقبلة و من سيعيّنهمquot;.

وقال العكرمي: quot;الإشكال الأساسي ليس في الشخص الذي سيقود الحكومة المقبلة بل المناخ العام للحوار الذي يتميّز بإنعدام الثقة بين الأطراف السياسيّة ممّا سيؤدّي ضرورة إلى فشل في الوصول إلى إتّفاق كما أن التوافقات غير موجودة في مفردات أخرى ومناطق إختلاف أخرى، وبالتّالي لا يمكن أن يحصل أي شخص كان على الثّقة لرئاسة الحكومة المقبلةquot;.

سنة اخرى للإتّفاق!

ويوضح العكرمي: quot;لا يوجد توافق بخصوص مسائل أخرى من قبيل كيفيّة التّصويت على الحكومة المقبلة ومراقبتها ومن سيعيّن وزرائها إذا تم الإتّفاق على إسم رئيس الحكومة وغيرها من الإشكاليّاتquot;.

ويختم النّاطق بإسم حركة نداء تونس (حزب الباجي قائد السّبسي الوزير الأول السابق) مستهزءا: quot;مرّ شهران ولم نتّفق بعد على إسم رئيس الحكومة وبالتّالي إختيار الوزراء سيتطلّب أكثر من سنة لذا من الأفضل أن نعلن الفشل بدل مزيد إضاعة الوقت على البلاد والشّعبquot;.

الإقتصاد يُدمّر

وفي سياق متّصل أعلن صندوق النقد الدولي منذ أيّام أن تونس لن تتحصل على القسط الثاني من قرض الصندوق المقدّر بـ500 مليون دولار بسبب عدم قدرتها على تعبئة موارد مالية من أسواق رؤوس الأموال لانعدام الرؤية السياسية والانفلات الأمني وغياب الإصلاحات.

كما خفّضت وكالة quot;موديزquot; للتصنيف المالي في أواخر نوفمبر/تشرين الماضي الترقيم السيادي لتونس لمرة الثانية على التوالي من (ب أ 2) إلى (ب أ 3) مع آفاق سلبية بسبب quot;حالة عدم اليقين السياسيquot; وquot;الاستقطاب الثنائي المتناميquot; إضافة إلى quot;انعدام الأمنquot; وquot;مخاطر الإرهابquot; التي باتت تهدد البلاد.