أظهرت استطلاعات حديثة أجراها مركز بيو للأبحاث في 39 بلدًا أن الغرب يفقد ثقته بالمستقبل، خلافًا للعالم النامي الذي يجدد ثقته بمستقبله.


أظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في 39 بلدًا أن 33 بالمئة فقط من الاميركيين يعتقدون أن أطفالهم سيكونون أفضل حالًا منهم، في حين قال 62 بالمئة إن أطفالهم سيعيشون حياة أسوأ من حياتهم.

تشاؤم أوروبي

وكان الاوروبيون أشد تشاؤمًا. فإن 28 بالمئة فقط من الالمان و17 بالمئة من البريطانيين و14 بالمئة من الايطاليين و9 بالمئة من الفرنسيين قالوا إن حياة اطفالهم ستكون أفضل من حياة الأجيال السابقة. ويأتي هذا التشاؤم الغربي مناقضًا للتفاؤل الذي سجله الاستطلاع في العالم النامي، إذ قال 82 بالمئة من الصينيين و59 بالمئة من الهنود و65 بالمئة من النيجيريين انهم يعتقدون أن المستقبل سيكون أفضل.

ويروق للمسؤولين في الغرب أن يقولوا إن هذه الأرقام مبالغ فيها، لكنّ لدى مواطنيهم اسبابًا وجيهة للتشاؤم. فإن دراسات اجراها معهد بروكنز أظهرت أن أجور الرجال في سن العمل في الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 19 بالمئة منذ العام 1970، بعد أخذ معدل التضخم في الحسبان.

معيشة مهددة

انخفض متوسط أجر المواطن الاميركي في حين ارتفعت مداخيل نسبة 5 بالمئة التي تتصدر قائمة الاثرياء في الولايات المتحدة. واعرب سياسيون محافظون عن قلقهم من هذه الاتجاهات. وقال عضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو الذي يتنافس على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية في العام 2016، إن والديه نجحا في التسلق إلى الطبقة الوسطى من أصول متواضعة، مشيرًا إلى أن والده كان عامل بار ووالدته تنظف البيوت، وهذا لم يعد ممكنًا اليوم.

وفي اوروبا ايضًا، تبرر الحقائق تشاؤم مواطنيها بآفاق المستقبل لأطفالهم وشعورهم بعدم الاطمئنان إلى ما يخبئه الغد، لا سيما الاستقطاعات المتوقعة في منافع الرعاية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية.

لكن مستوى المعيشة مهدد، حتى في بلدان اوروبية كان اداؤها جيدًا بالمعايير النسبية. وأظهرت دراسة أجرتها صحيفة فايننشيال تايمز أن البريطانيين المولودين في العام 1985 هم أول جيل منذ 100 سنة لا يتمتع بمستوى معيشة أفضل من مستوى الذين ولدوا قبلهم بعشر سنوات.

العقد الاجتماعي يتفكك

في المانيا، التي تعتبر أنجح الاقتصادات الكبرى في الغرب، كان ذوو الدخول العالية بالدرجة الرئيسية هم الرابحين من معجزة ميركل الاقتصادية، في حين أن الاصلاحات التي انتعشت على اساسها صناعات التصدير الالمانية اشتملت على إبقاء الاجور متدنية وخفض الاعانات الاجتماعية وتشغيل اعداد أكبر من الأيدي العاملة الموقتة.

وهناك علاقة بين التفاؤل المتزايد في العالم النامي والتشاؤم المتعاظم في الغرب، إذ اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما أن العقد الاجتماعي بدأ يتفكك منذ اواخر السبعينات، وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن انفتاح الصين الاقتصادي بدأ اواخر السبعينات.

وحتى المدافعون عن العولمة يعترفون الآن بأن ظهور قوى عاملة عالمية اسهم في إبقاء مستوى الاجور في الغرب متدنيًا. ويأمل بعض الاوروبيين الآن بأن تسفر الحمائية أو حتى نشوب حرب في آسيا عن إعادة فرص عمل مجزية إلى الغرب. لكن صحيفة فايننشيال تايمز نقلت عن محللين استبعادهم أن تعود العولمة إلى الوراء، نظرًا للقوى التقنية والاقتصادية والسياسية التي تواصل دفعها إلى الأمام.

توافق على العولمة

وحتى إذا أغلقت الدول الغربية أسواقها، فإن العاملين فيها، بمن فيهم ذوو الياقات البيض، سيجدون أن الكومبيوتر والروبوت يؤديان الكثير من الوظائف بتكاليف أقل.

وفي ظل تآكل مستوى المعيشة في الغرب، تلوح في الأفق بوادر تطرف بصعود اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة وأوروبا. لكن حتى الآن، ليس هناك ما يشير إلى أن لدى حزب الشاي في الولايات المتحدة والحركات القومية اليمينية في اوروبا فرصة حقيقية لتسلم مقاليد السلطة في دولة غربية كبرى. كما يبدو أن التوافق على العولمة ما زال صامدًا.

وفي حين أن الحركات اليمينية الجديدة لا تهدد حتى الآن بسحق الأحزاب التقليدية في الغرب، فإن سياسيي هذه الأحزاب التي تشكل التيار الرئيسي في الحياة السياسية يجدون أنفسهم ملزمين بإيجاد حلول بمستوى الأوضاع الاقتصادية الجديدة.

وفي هذا الشأن، تتسبب اللامساواة المتزايدة في زيادة الضغط لإعادة توزيع عبء الضرائب وزيادة الحد الأدنى للاجور على ضفتي الأطلسي. ويرى مراقبون أن عقدًا آخر من الاعتلال الاقتصادي في الغرب، أو أزمة مالية أخرى، من المرجح أن تؤدي إلى حلول أشد راديكالية وتنجب سياسيين أكثر تطرفًا.