منع القضاء التونسي تداول الكتاب الأسود، لأنه يفشي أسرارًا في قضية قيد التحقيق، بينما تضاعف الهجوم عليه لأنه يبيض صفحات سوداء، ويسود صفحات كانت بيضاء، لغاية في نفس المرزوقي.


لم يكتف الكتاب الأسود، او كتاب quot;منظومة الدعاية تحت حكم بن عليquot;، بتصنيف الصحافيين والاعلاميين والكتاب، تونسيين وعربًا وأجانب، بحسب قربهم من نظام المخلوع زين العابدين بن علي، وبحسب ما قدموه لهذا النظام من معونات دعائية لتبييض صفحته، محليًا ودوليًا، بل أفرد ملفًا كاملًا، رصفت فيه اللجنة التي صاغت الكتاب كل ما تحتويه ملفات أرشيف الرئاسة التونسية السابقة عن معارضين لبن علي، ابتداءً من المنصف المرزوقي، الرئيس الحالي لتونس ما بعد الثورة.
منع الكتاب
لا شك في أن الكتاب أحدث صدمة كبيرة في تونس، ما دفع بحاكم التحقيق إلى توجيه مراسلة رسمية لرئيس دائرة الإعلام في رئاسة الجمهورية، تضمنت قرارًا بمنع نشر أي وثائق أو أخبار أو معطيات تتعلق بتجاوزات وإخلالات بالوكالة التونسية للاتصال الخارجي، التي تخضع لتتبع قضائي، على خلفية الكتاب الأسود.
وقال سفيان السليطي، مساعد وكيل الجمهورية الناطق باسم المحكمة الابتدائية والنيابة العمومية في تونس الأولى: quot;استدعى حاكم التحقيق رئيس دائرة الإعلام برئاسة الجمهورية باعتبارها الجهة التّي أصدرت هذا الكتاب، وذلك للحضور يوم 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، إلا أنّه كان في مهمة خارج البلاد، وطلب محاميه تأجيل حضور مندوبهquot;، موضحًا أن البحث في تجاوزات وكالة الاتصال الخارجي ما زال جاريًا، ومشددًا على وجوب احترام سرية التحقيق واستقلالية القضاء، وعدم تدخل أي سلطة في مسائل قضائية لم يتمّ البتّ فيها بعد، لأن نشر أي معطيات حول قضية ينظر فيها القضاء هو من اختصاص حاكم التحقيق فقط.
تبييض وتسويد
صحيح أن الثورة طالبت، في ما طالبت به، بالشفافية وبإشاعة الوصول إلى المعلومات، التي كان النظام البائد يحفظها في سجلاته، لكن غالبية الأطراف التونسية تؤكد أن بالغ الشفافية التي أرادتها الرئاسة التونسية اليوم، في توقيت وتسريب مستغربين، تترك بالغ الأثر في المجتمع التونسي، إذ كشف مستورًا كان الأفضل تأجيل كشفه إلى حين، ريثما يستقر الأمر للثورة، ويقطع الحوار الوطني خطوات إلى الأمام.
quot;فإبراز أسماء مع بن علي وضده آتٍ اليوم في إطار تصفية الحسابات، وتبييض صفحات وتسويد أخرى، ما ينزل منزلة الكارثة التي تماثل كارثة الرش في سليانةquot;، بحسب ما قاله حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، مستغربًا عدم ادراج بعض الاسماء صلب الكتاب رغم أنه يصفها بأنها quot;متورطة حتى النخاع في خدمة النظام السابق، مقابل إدراج أسماء أخرى لا علاقة مباشرة لها بمنظومة الفسادquot;.
وطالب الهمامي بمساءلة من ساهم في اصدار هذا الكتاب، لأنهم أثاروا البلبلة وأيقظوا الفتنة وأفسدوا مسار العدالة الانتقالية التي هدفها الاصلاح والتوحيد والمصالحة.
توسيع الفراق
ويبدو أن هذا الكتاب زاد فعلًا وتيرة الشقاق التونسي، حتى رياضيًا، إذ وجهت المحكمة الابتدائية باستدعاء الرئيس التونسي منصف المرزوقي للحضور إلى المحكمة صباح الأربعاء المقبل، للدفاع عن نفسه بعد اتهامه بخدش سمعة نادي الترجي الرياضي التونسي العريق، بعدما أتى ذكره بين الأندية المستفيدة من فضائل بن علي في الكتاب الأسود.
وكانت جمعية احباء فريق الترجي رفضت بتاتًا التسليم بما أتى في الكتاب الأسود، بإدراج ناديها في عداد منظومة الفساد الموالية لنظام بن علي، بينما كانت كافة الأندية التونسية تساند الرئيس السابق، وهذا طبيعي كونه كان رئيسًا للجمهورية، على الرغم من كل أمر آخر. quot;وهذا ما غفل الكتاب الأسود عن ذكره، بحسب استدعاء المحكمة للمرزوقيquot;، مستدلُا بصور تأييد رؤساء الأندية الاخرى لبن علي.
وهذا يضاف فعليًا إلى المفعول السلبي الذي تركه الكتاب الأسود في المجتمع التونسي، خصوصًا أن المباراة بين ناديي الترجي والصفاقسي قد تأجلت بسبب تخوف حكومي من رد فعل جماهير الترجي، إذ نوت الزحف إلى قصر قرطاج الرئاسي ومحاصرته.