اقتربت فضيحة الفساد التي هزت الحكومة التركية خطوة خطيرة من إردوغان، باستقالة ثلاثة وزراء أُلقي القبض على ابنائهم. وقال احد هؤلاء إن على إردوغان أن يحذو حذوهم ويستقيل.


كانت استقالة ثلاثة وزراء أتراك كافية لتجدد الحديث عن تفاقم الأزمة التي يصر رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان على انها مؤامرة خارجية. وقال كريم اوكتيم، الخبير بالشؤون التركية والباحث في مركز الدراسات الاوروبية في جامعة اوكسفورد: quot;الوضع تغير تمامًا، ويبدو أن الخناق يضيق على إردوغانquot;.

تنحي وزراء

كان إردوغان خرج من اجتماع مع الرئيس التركي عبد الله غُل مساء الأربعاء ليعلن أن سبعة وزراء آخرين في حكومته سيتنحون، بعضهم في اطار تعديل وزاري مقرر منذ زمن. ومن بين المتنحين وزير شؤون الاتحاد الاوروبي الذي طاله التحقيق في فضيحة الفساد.

وتأتي الفضيحة على نقيض تام مع صورة تركيا التي جرى ترويجها منذ صعود إردوغان إلى الحكم، بوصفها بلدًا يزدهر في ظل ديمقراطية يطبقها حزب اسلامي. كما نظرت الولايات المتحدة واوروبا إلى تركيا إردوغان على انها عامل استقرار في منطقة ملتهبة بالأزمات. وحاول إردوغان أن يكون لاعبًا اقليميًا كبيرًا في تحديد مآلات دول مثل سوريا ومصر فضلا عن برنامج ايران النووي. لكن انشغال إردوغان بصراعه من أجل البقاء سياسيًا اثار علامات استفهام كبيرة عن دور تركيا الاقليمي وعلاقتها بالغرب.

واستهدف التحقيق ابناء الوزراء الثلاثة المستقيلين ورجل اعمال يملك امبراطورية عقارية وتربطه علاقات وثيقة برئيس الوزراء وموظفين بلديين. ويتركز التحقيق في جانب منه على اتهام مسؤولين بتقاضي رشاوى مقابل غض الطرف عن أنظمة تخطيط المدن والموافقة على تنفيذ مشاريع عقارية مثيرة للجدل.

ثراء فاحش

لامست الفضيحة وترًا حساسًا بين الاتراك الذين تعاظم استياء قطاعات واسعة منهم، وخصوصًا في اسطنبول، من الثراء الفاحش للنخبة الاقتصادية الجديدة التي ارتبط صعود افرادها وثراؤهم بصعود إردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى السلطة. وابدى محللون شكهم في أن يتمكن إردوغان من تجاوز الأزمة بإلقاء المسؤولية على قوى خارجية واستحضار أشباح الماضي مشبها الوضع بحرب الاستقلال بعد انهيار الامبراطورية العثمانية.

وجاءت التطورات الأخيرة وسط تقارير في وسائل اعلام محلية بأن التحقيق سيتمخض عن اتهامات أخطر تطال إردوغان وافراد عائلته مباشرة. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن اوزغور اونلوهي سرجقلي، مدير صندوق مارشال الالماني للولايات المتحدة في انقرة، قوله: quot;يحاول رئيس الوزراء أن يتخذ احتياطات ضد شيء قد يكون أكبرquot;. واضاف أن إردوغان سيواجه صعوبة أكبر في احتواء الضرر مع اقتراب التحقيق منه شخصيًا.

ومن الأسباب الكبيرة الأخرى لقلق إردوغان انفجار مشاعر الغضب الشعبي على الفضيحة في الشوارع، كما حدث خلال الصيف عندما تعين عليه استخدام القوة ضد حشود المحتجين على ازالة حديقة عامة وسط اسطنبول لبناء مجمعات تجارية مكانها.

فليستقل!

في هذه الأثناء، اعلن وزير البيئة وتخطيط المدن إردوغان بايراكتار في مقابلة تلفزيونية على الهواء انه استقال تحت الضغط. وقال: quot;من حق رئيس الوزراء أن يعمل مع الوزراء الذين يفضلهم، لكني لا استطيع القبول بهذا الضغط عليَّ للاستقالة، وعلى رئيس الوزراء ايضًا أن يستقيلquot;.

واعتبر المحلل والاستاذ في جامعة قادر هاس في اسطنبول سولي اوزيل أن هذا تطور استثنائي، لأن بايراكتار كان قريبًا من رئيس الوزراء، وكان من المتوقع أن يتنحى بصمت. وفي ضربة أخرى تلقاها إردوغان، اعلن عضو بارز في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية ووزير داخلية سابق استقالته من الحزب، ليس بسبب وردود اسمه في الفضيحة وانما احتجاجًا على طريقة إردوغان في التعامل معها، بإقالة ضباط كبار في الشرطة ومهاجمة رجال القضاء بتهمة ارتباطهم بحركة حزمت الاسلامية، بزعامة رجل الدين فتح الله غولين المقيم في الولايات المتحدة، والذي كان حليف إردوغان في سنوات صعوده.

وفي حين أن غالبية الليبراليين والعلمانيين لا يؤيدون حزب العدالة والتنمية، فإن محللين أشاروا إلى أن الحرب التي اندلعت بين إردوغان وغولين تهدد بانهيار حزب العدالة والتنمية نفسه. وقال الباحث اوكتيم من جامعة اوكسفورد إن الأمور تخرج عن السيطرة داخل حزب العدالة والتنمية.

مبعث قلق

وعلى نطاق اوسع، يرى محللون أن ما يجري في تركيا صراع محوره سجل الاسلام السياسي في الحكم، وهو يأتي بعد التحديات التي واجهتها حركات اسلامية تسلمت مقاليد السلطة في مصر وتونس، لكنها فشلت في الامتحان.

وقال اوكتيم: quot;ما شهدناه في مصر وتونس كان معركة بين الاسلاميين وغير الاسلاميين، وما نشهده في تركيا معركة بين حركتين اسلاميتينquot;. وأضاف: quot;إن هذا النوع من الصراع على السلطة بين جماعتين اسلاميتين مختلفتين قد يجعل القوى العلمانية غير الاسلامية أقوى في حالة تركياquot;.

وأثارت اتهامات إردوغان قوى خارجية بتدبير مؤامرة ضد حكومته غضب الولايات المتحدة، واضرت بعلاقته الشخصية التي كانت متينة بالرئيس باراك اوباما. وقالت وزارة الخارجية الاميركية إن تهجمات وسائل الاعلام التركية المحلية الموالية للحكومة على المسؤولين الاميركيين مبعث قلق بالغ.