معظم المؤشرات السياسية الأردنية لا ترصد أي إشارة بشأن قرار سياسي أعلى في الأردن للهجوم على جماعة الإخوان، وفرض إيقاع سياسي معيّن عليهم، تناغمًا مع نزيف سياسي للنسخة الإخوانية المصرية وانهيارات إقليمية للجماعة، لكن ثمة من يقول إن أي سلوك متسرع للإخوان قد يكلفهم خصوصيتهم وبيئتهم ورخصتهم السياسية أردنيًا.


عامر الحنتولي: منذ أيام يدور حديث أردني متقطع عن قرب انعقاد طاولة حوار وطني جامعة لكل القوى السياسية الأردنية للتباحث في العملية السياسية داخليًا، وتشكيل قواعد عمل سياسية جديدة، وسط توقعات بأن يرأس العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني شخصيًا لقاءات القوى السياسية، وتبني مخرجاتها، وهي طاولة لن يغيب عنها على الأرجح حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين - الأردن.

ورغم خطوة مصر، الحليف والجار السياسي الجنوبي للأردن، الصادمة بحق إخوان مصر، بحظر الجماعة واعتبارها تشكيلًا إرهابيًا، إلا أن عمّان الرسمية قد أرسلت رسائل إيجابية قوية إلى النسخة الأردنية من التنظيم الإخواني.

إذ أكد وسطاء بين القيادة السياسية الأردنية وقيادة التنظيم الإخواني في الأردن أن حبل المودة السياسي لن ينقطع من طرف السلطة، وأن الأردن لا يُفكر نهائيًا باستنساخ الخطوة المصرية ضد الإخوان، ولن يفكر فيها مستقبلًا، وأن من سيحكم رد الفعل الأردني مستقبلًا ضد الإخوان هو سلوك ونشاطات الإخوان في المرحلة المقبلة.

خصوصية أردنية
يقول وزير الإعلام الأردني السابق الصحافي والمحلل السياسي عبدالله أبو رمان لـquot;إيلافquot; إنه شخصيًا يستبعد أي خطوة من جانب الحكومة الأردنية ضد الإخوان، مؤكدًا أن للإخوان في الأردن خصوصية وفّرها النظام السياسي منذ عقود من دون أي تراجع، مستذكرًا أن النظام السياسي قد غضّ الطرف عن العديد من التجاوزات للإخوان في المرحلة الماضية.

ويؤكد الوزير الأردني السابق أبو رمان أن حكمة النظام السياسي الأردني قد أعطت للإخوان مشروعية سياسية قبل عقود عدة، حينما كان إخوان مصر وسوريا والعراق يُلاحقون ويزجّون في السجون، بل إن العديد منهم أعدموا في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الفائت، في الوقت الذي كان فيه إخوان الأردن يحظون بالمشروعية السياسية، والعمل السياسي، مؤكدًا أن بلاده ليست في وارد التصعيد ضد الإخوان، وأنها لم تكن راغبة في أي تصعيد سياسي أو أمني حتى مع إختلاف وتغيير الخطاب السياسي للإخوان عامي 2011 و2012 بعد الإستقواء بالصعود الإقليمي للإخوان.

ويشير أبو رمان إلى أن الإخوان ارتكبوا العديد من الأخطاء، واقترفوا ممارسات سياسية سيئة ضد الدولة، وضد رموز سياسية، لكن خطاب الإخوان ونشاطهم قد حافظ على السلمية، ولم ترصد أية حالة رفع فيها الإخوان السلاح على الدولة، وهذا يُسجّل لهم.

خلق مبررات
ويؤكد الوزير الأردني السابق أن على جماعة الإخوان في الأردن التنبه إلى عدم اقتراف أي سلوكيات سياسية تتعارض مع المصالح السياسية الداخلية والخارجية للأردن.

إذ يقول أبو رمان إن التحرك ضد إخوان الأردن يصبح ممكنًا ومبررًا إذا ما أسقطت الجماعة الأردنية سلمية نشاطاتها السياسية في الداخل الأردني، أو إذا مارست اضرارًا بعلاقات الأردن مع الغير، أو تورطت بنشاطات إجرامية لفروع الإخوان في مصر أو في أي مكان آخر من العالم، فهذا في حد ذاته جريمة تستدعي تحركًا أردنيًا فاعلًا لوضع أي حد لنشاطات غير مقبولة، ويتفق القانون على تجريمها.

طبقة مُؤزّمة
وبحسب الوزير السابق أبو رمان، فإنه يأمل أن تعيد الحركة الإسلامية الأردن تموضعها سياسيًا، وأن تعود لإدراك خصوصيتها السياسية في الأردن، وأن تتم إزاحة الطبقة السياسية المُؤزّمة، والمُسيطرة حاليًا على مقاليد القرار الإخواني لمصلحة قادة الحكمة والإعتدال داخل الحركة الإخوانية الأردنية.

إذ يعتقد الوزير الأردني أن طبيعة الإنهيارات السياسية الإقليمية للإخوان في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى حجم الخلافات الداخلية داخل الحركة الإخوانية من شأنه أن يفرض إيقاعًا سياسيًا جديدًا لعمل ونشاط إخوان الأردن.

تحديد المسار
من جانبه، يقول وزير الإعلام الأردني السابق، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحافية الأردنية (الرأي) سميح المعايطة لـquot;إيلافquot;: الجماعة في الأردن أمام مفترق طرق، وهي في حاجة ماسة إلى تحديد مستقبلها ومسارها في المراحل المقبلة. أما الدولة فليست في عجلة من أمرها، لأنها تدرك كل تفاصيل المعادلة الإخوانية الداخلية حتى تلك التي لا تعلمها صفوف قيادية منها، لكن الجماعة أمام سؤال محوري ومركزي: إلى أين؟، وما هي جماعة الإخوان المسلمين؟، وما علاقتها بالتنظيمات الإخوانية الأخرى، وما قدرتها على الانفكاك من محاور إقليمية كانت فيها الجماعة أداة للدول في صراعات النفوذ والأدوار وتصفية الحسابات.

ويضيف الوزير السابق المعايطة: ليس لإخوان الأردن إلا دولتهم، ولن يجدوا تحت أي نظام سياسي حليف أو صديق ما وجدوه تحت حكم الدولة الأردنية وقيادتها منذ حوالى 60 عامًا منذ إنشاء الجماعة، وجدت التفهم والتقدير ولغة الحوار في أزمان تعرّضت فيها الجماعة إلى كل أشكال الاجتثاث والقتل والتشريد والإعدامات، ووجدوا في الأردن حكمة وتسامحًا عرفت قيمتهما قيادة الجماعة في عقود سابقة، فمارست الحكمة، وعملت تحت سقف الدولة وعززت لغة السلمية والإصلاح.

لا إستنساخ أردنيًا
ويلفت المعايطة إنتباه quot;إيلافquot; إلى أن الجماعة بتركيبتها القيادية في العقد الأخير لم تصمد أمام إغراء تغييرات الإقليم، فانقلبت على معادلة علاقتها بالدولة الأردنية وفقًا لحسابات المنطقة وتحالفات الخارج.. واليوم من مصلحة الجماعة أن تعيد إنتاج مواقفها وحتى فكرها الذي تسربت إليه أفكار تناقض النهج السلمي، ومن مصلحة الجماعة لحماية نفسها أن تعيد تقديم نفسها للأردنيين باعتبارها حالة أردنية، وليست جزءًا من معادلة الإقليم، وأن تعيد إنتاج نفسها، لتكون كما كانت جزءًا من الدولة وتعمل تحت مظلة الدستور والعلم والقيادة الأردنية.

وعن إمكانية إستنساخ الخطوة السياسية المصرية ضد إخوان الأردن، يقول المعايطة: الدولة الأردنية وقيادتها لا تؤمن بعقلية الاجتثاث، ولا تتقن لغة الدم مع أبنائها، فإن فرص العودة والمراجعة قائمة، والتحدي ليس أمام الدولة، بل أمام الجماعة، بأن تقف مع نفسها، وتعيد إنتاج خطابها ومواقفها، وربما حتى تركيبتها القيادية، لتعود جزءًا من الحياة الأردنية السياسية بعيدًا عن الأحلام التي سكنت البعض، أو الفكر الذي أقصت به الجماعة نفسها به من الحياة السياسية.

الإخوان باقون
وفي إستطلاع لرد فعل جماعة إخوان الأردن إزاء ما يتردد، قال الرجل الثاني في إخوان الأردن زكي بني إرشيد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين لـquot;إيلافquot; إن المشاورات والتقديرات والقرارات بشأن الجماعة لا تُناقش في وسائل الإعلام مع التقدير للصحافيين، بل داخل الأطر القيادية والتنظيمية للجماعة، التي تتخذ سياسات وقرارات قابلة للتنفيذ.

إذ يؤكد بني إرشيد أن جماعة الإخوان محظورة منذ عهد الملك فاروق، إذ رحل الحُكّام وبقي الإخوان، مؤكدًا أن الأفكار تواجه بالأفكار، لا بالحل والإجتثاث، مشددًا على أن المستقبل لإرادة الشعوب الحية، وأن الإنقلاب الآني هو لحظة عابرة لن تطول في كل الأحوال.

الناشط السياسي الأردني معاذ الخوالدة يؤكد لـquot;إيلافquot; أن الأردن لم يتحرك ضد الإخوان حتى مع إساءاتهم إلى الرموز الأردنية، ومحاولتهم خلق وقائع سياسية جديدة قبل نحو عامين، مؤكدًا أن النظام الأردني هو نظام متسامح سياسيًا، وليس صحيحًا أنه يريد إستنساخ تجارب سياسية إقليمية بحظر الإخوان، مؤكدًا أن المبرر السياسي كان أقوى قبل عامين، واحترم الأردن خصوصية الجماعة في الأردن، التي حافظت في كل تقلباتها السياسية على نشاط سلمي، يتفق وأحكام القانون الأردني.