ثمة قناعة قانونية في الجزائر بأنّ ترحيل بريطانيا لرفيق عبد المؤمن خليفة لن يكشف حقيقة قضية مجمّع quot;خليفةquot; التجاري، التي كبّدت الخزانة العامة أكثر من ملياري دولار.


الجزائر: قال المحامي مقران آيت العربي لـ quot;إيلافquot; إن تسليم رجل الأعمال السابق رفيق خليفة يجعل الحكم الأول الصادر في آذار (مارس) 2007 باطلاً، حين حكم عليه غيابيًا بالمؤبّد، وعليه أصبح خليفة متهمًا من جديد وستعاد محاكمته، بالاعتماد على التحقيق الأول وقرار الإحالة الخاص بالمحاكمة التي تمت قبل ست سنوات.
نقض وشهود
أما بالنسبة للمحكوم عليهم في إطار المحاكمة المذكورة، أوضح العربي أن الذين قدموا طعنًا بالنقض أصبحوا متهمين على غرار المتهم الرئيسي في القضية، وستعاد محاكمتهم من جديد. كما يفيد العربي، الذي سبق له الترافع في محاكمات الخليفة في شتاء 2007، بأن من تمّ الحكم عليهم نهائيًا ولم يقدموا طعنًا بالنقض لدى المحكمة العليا سيتم استدعاؤهم بصفتهم شهوداً، quot;والذين سجنوا منهم سيستفيدون من إجراء التعويض في حال ثبتت براءتهمquot;.
وأشار حسين زهوان الى أن شهادة خليفة في المحاكمة الجديدة قد تقلب الكثير من الأمور، وتسفر عن إدانة أشخاص تمت تبرئتهم سنة 2007، وتبرئة من تمت إدانتهم.
وكان رفيق خليفة أدين سابقًا بعقوبة السجن المؤبد، بعد إدانته غيابيًا لارتكابه جرائم متصلة بتسيير بنك الخليفة، وتتمثل في تشكيل جماعة أشرار والسرقة الموصوفة والتزوير والاحتيال وخيانة الثقة وتزوير وثائق رسمية.
وعرفت محاكمات 2007 مثول 94 متهمًا، فيما حوكم غيابيًا 10 متهمين آخرين، كانوا في حالة فرار، بالسجن من عام إلى 20 عامًا نافذًا، وتبرئة 50 آخرين. ومن بين المحكوم عليهم، قدّم 75 متهمًا نقضًا بالطعن.
ظلال الطعن
وعلمت إيلاف أن رفيق خليفة قدّم طعنًا بالنقض ضدّ حكمين صادرين ضدّه بصفته مسير بنك الخليفة المصفى في 2007 و2009، باعتباره مسؤول شركة الخليفة للطيران المفلسة. وتقول الأنباء المتوفرة إن خليفة تولى الأمر شخصيًا من دون محامٍ، ما يتعارض مع المادة 323 من قانون العقوبات الذي يحظر ذلك على كل شخص أدين بالمؤبد.
وقال قضاة طلبوا عدم نشر أسمائهم إن خليفة بصدد استخدام كل الوسائل للدفاع عن نفسه، سواء بمعارضة الحكمين الصادرين ضده واستعمال الطعن بالنقض، وهو ما يستوجب أن تضع الجهات القضائية ذلك بعين الحسبان، والقرار الأخير سيعود للقاضي أو للمحكمة العليا.
ويقول رئيس سابق لمحكمة الجنايات بالجزائر العاصمة إن الحكم السابق سقط فور ترحيل خليفة، quot;فالمعني تلقى فور وضعه رهن الحبس بالجزائر وثيقة تتضمن إلغاء حكم آذار (مارس) 2007، وتوجيه التهم السابقة مجددًا إلى شخصه لمحاكمته في أقرب وقتquot;. ويتوقع محدثنا أن يتم ذلك خلال الدورة الجنائية الحالية إن أبقيت مفتوحة، أو في الدورة الموالية.
وقضية إبطال الحكم السابق وإعادة المحاكمة ليست بالسابقة في الجزائر، حيث سبق اتباع الأمر نفسه ضدّ كل من عاشور عبد الرحمن وإبراهيم حجاس، اللذين جرى ترحيلهما إلى الجزائر بعدما تورطا في قضايا فساد، وعبد الحق لعيايدة، مؤسس ما كان يُعرف بالجماعة الاسلامية المسلحة، وجرى ترحيله هو الآخر من المغرب.
رجل النظام
يترقب رأي العام الجزائري بشغف محاكمة من كان يسمى quot;الفتى الذهبيquot;، لمعرفة من يقف وراء فضيحة مالية مدوية، تعدّ بين أهم قضايا التحايل والفساد التي عرفتها الجزائر في تاريخها الحديث. وتدور التساؤلات حول ما إذا كان خليفة سيتعاون مع القضاء الجزائري ويكشف عن أسماء ثقيلة ظلت محل تعتيم، مع الإشارة إلى أن المشرّع المحلي أقرّ في قانون مكافحة الفساد الصادر في 2006 تخفيض أحكام كل من يتعاون مع القضاء المحلي. فهل سيكون ذلك حال خليفة؟ بنعم يجيب جيلالي حجاج، المتحدث باسم الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، quot;فمقومات محاكمة حقيقية للخليفة غير متوافرة، وما جرى في العام 2007 لم يلبِ تطلعات المواطنين، وأظهر أن القضاء غير مستقلquot;.
يبدي حجاج قناعة بأن خليفة هو رجل النظام، وما يقوله قد يكون قنابل تنفجر في وجه النظام، ما يفسّر تأكيد أكثر من طرف أن الجزائريين كانوا يخطئون عمدًا في الإجراءات، ما أطال فترة إبقائه في السجن البريطاني، quot;وأول تصريح لوزير العدل الجزائري بعد إقرار لندن ترحيل خليفة، أن الأخير يمكنه تعطيل تسليمه إذا لجأ للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فهم كانوا يريدونه أن يفعل ذلك، لكنه لم يفعلquot;.
ويقول معارضون إن خليفة رغب بمحض إرادته أن يسلم للنظام قبل أربعة أشهر من إنتخابات الرئاسة، كي يدخل لاعبًا في حلبة الصراع، وليفاوض كي يحصل على أفضل حكم ممكن.
ويستبعد حجاج أن تتمخض المحاكمة المزمعة في الربيع المقبل عن نتائج محرجة للعصب المتنفذة، مؤكدًا: quot;الفصل القادم من القضية لن يفجّر الحقيقةquot;.
الفصل الثاني
يُتوقع أن يشهد العام القادم الفصل الثاني من محاكمات الخليفة. ويشير المحامي المخضرم ميلود براهيمي إلى أن المحاكمات هذه المرة ستمتد إلى مجموعة الخليفة للطيران، وما تعلق بالتحويلات غير القانونية لأموال بنك الخليفة المفلس إلى الخارج، فاقت قيمتها 376 مليون يورو و523 مليون دولار، فضلًا عن أموال أخرى بالجنيه الإسترليني والفرنك الفرنسي القديم، وسيتابع رفيق خليفة أيضًا بتهم الاختلاسات التي رافقت انهيار شركات المجمع والفروع الفرنسية لشركة الطيران وخليفة لتأجير السيارات، اللذين توقف نشاطهما في تموز (يوليو) 2003.
ويشتغل ثلاثة قضاة بالمحكمة العليا على ملف فضيحة القرن، نظرًا لحجم وثقل وخطورة الملف المتكون بحسب معلومات من نحو 40 ألف وثيقة، ويرتقب أن يعيد القضاء الجزائري فتح ملف الخليفة بالاستماع لأزيد من 300 شاهد بينهم مراد مدلسي الرئيس الحالي للمجلس الدستوري، والوزير الحالي للخارجية والمال، وكذا مسؤول الخزانة كريم جودي ووزير السكن عبد المجيد تبون، فضلًا عن عبد المجيد سيدي السعيد الأمين العام للإتحاد العام للعمال الجزائريين، علمًا أن 50 طرفًا مدنيًا معنيون بالنقض.
تريد السلطات من وراء بعث المحاكمات تأكيد نيتها محاربة الفساد الذي هز القطاع المصرفي في السنوات الأخيرة، حيث تم تسجيل عشرات الفضائح المالية على مستوى البنوك خلّفت في مجموعها خسائر مالية قدرت بأكثر من ثمانية بلايين دولار.
وكان وزير الاتصال الجزائري عبد القادر مساهل قال: quot;تسليم المملكة المتحدة لعبد المؤمن خليفة للجزائر لا يحمل أي خلفية سياسيةquot;، مشددًا على أن الأمر يتعلق باحترام القوانين، quot;وما حصل أعطى مصداقية للقضاء الجزائريquot;. وفسّر كل السكوت المحيط بالعملية، قائلًا: quot;عندما تكون مسألة ما أمام القضاء، على الحكومة التزام الصمت احترامًا لمجرى العدالةquot;.