عثر في مدينة تمبكتو في مالي على وثيقة إرشادية تضم نصائح للمتشددين الإسلاميين تساعدهم على مراوغة الطائرات من دون طيار. ويبدو أن النصائح رغم أنها قديمة إلا أنها تعبر عن تصرف غاية في الذكاء وتمنح أنصار القاعدة الوقت للهروب من أي غارة.


القاهرة: أفادت تقارير صحافية أن العثور على وثيقة إرشادية في مالي تضم 22 نصيحة للمتشددين الإسلاميين بخصوص كيفية مراوغة الطائرات من دون طيار، تبعث برسالة خفية للمحللين العسكريين مفادها أن القاعدة باتت أكثر اتحاداً.

عدو يتقاسم المصالح

وقال بروس ريديل وهو خبير مخضرم طوال 30 عاماً بالسي آي إيه ويقوم الآن بإدارة المشروع الاستخباراتي لدى معهد بروكينغز: quot;تظهر تلك الوثيقة أننا لم نعد نتعامل مع مشكلة محلية معزولة، وإنما مع عدو يتواصل عبر القارات لتقاسم النصائحquot;.

وعلمت وكالة الأسوشيتد برس أن الإسلاميين تركوا وراءهم تلك الوثيقة بينما كانوا يقومون بعمليات كر وفر مع الجيش الفرنسي في مالي. وقد اكتشفها مراسل الوكالة داخل ظرف ملقى على أرضية مبنى في مالي كان يقيم به متشددون تابعون للقاعدة.

وأثبت اكتشاف الوثيقة في مالي أن مقاتلي القاعدة في شمال أفريقيا كانوا يتحضرون لمهمة عسكرية سوف تنتقل من البر إلى الجو، من خلال التركيز على الطائرات التي تعمل من دون طيار، وأن أفرع القاعدة حول العالم تحاول أن توحد صفوفها، وهو ما أثار بشكل كبير حالة القلق لدى القوى الموجودة في الغرب.

تفكير سليم

كما أن النصائح التي احتوتها الوثيقة ليست بالسخيفة، رغم أنها تبدو قديمة، إلا أنها ما زالت تعبر عن تفكير سليم. ومن بين هذه النصائح quot; استخدموا الدعائم الوهمية مثل الدمى أو التماثيل، وقوموا بتنظيمهم من حيث التكوين من أجل تضليل العدوquot;.

وكذلك quot;قوموا بوضع حصير أو سجاد أعلى السيارات من أجل إخفاء وجودها عن الطائرات الآليةquot; و quot;اختبئوا، ولا تدعوا الفرصة لضبطكم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشرquot;.

وقال الكولونيل سيدريك ليغتون، المخضرم في سلاح الجو الأميركي طوال 26 عاماً والذي ساعد في تأسيس برنامج طائرات بريديتور quot;هذه ليست أساليب ساذجة. بل تظهر أنهم يتصرفون بطريقة غاية في الذكاء. وما تفعله تلك النصائح هي أنها تمنحهم مزيداً من الوقت، علماً بأن الوقت يحظى بأهمية كبرى في صراع كهذا. وسيستعينون به من أجل الخروج من منطقة ما، أو للإفلات من غارة ما، بسرعة كبيرة للغايةquot;.

وصية أسامة

ومن بين النصائح الأخرى التي وردت في تلك الوثيقة quot;اختبئوا تحت الأشجار الكثيفةquot;، ويعتقد أن الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن هو من أوصى بذلك، بالإضافة إلى تعليمات بخصوص إنشاء quot;تجمع وهميquot; باستخدام الدمى لتضليل العدو.

وقد تم العثور على تلك الوثيقة في مبنى في مدينة تمبكتو القديمة التي كان يحتلها الإسلاميون العام الماضي، ويعتقد أن من قام بكتابتها هو أحد المتشددين اليمنيين. وعكست الوثيقة حقيقة تنبؤ القاعدة في المغرب الإسلامي بالتدخل العسكري الذي سيحاول الارتكاز على الطائرات الآلية، مع تحول الحرب على الإرهاب من البر إلى الجو.

كما أظهرت الوثيقة التعاون القائم بين أفرع تنظيم القاعدة، وهو الأمر الذي وصفه خبراء أمنيون بأنه مبعث قلق كبير بالنسبة للقوى الغربية. وعاود الكولونيل ليغتون ليقول إن نجاح بعض النصائح سوف يعتمد على الظروف وعلى أنواع الطائرات الآلية المستخدمة.

وأشارت في هذا السياق صحيفة quot;الدايلي تلغرافquot; البريطانية إلى أن بعض أنواع الطائرات الآلية الحديثة، مثل هارفنغ التي يستخدمها الفرنسيون أو إم كيو-9 ريبر، يتم تزويدها في بعض الأحيان بأجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء وتتسم بقدرتها على التقاط الحرارة التي تكون منبعثة من سيارة قد تم إغلاق محركها للتو. لكن تلك الأجهزة المتطورة ستواجه صعوبة في اكتشاف سيارة متوقفة أسفل حصيرة طوال الليل، وذلك لأن درجة حرارتها تكون درجة حرارة الأشياء نفسها التي تحيط بها.

هذا ويتم استخدام الطائرات من دون طيار بالفعل من جانب القوات الفرنسية في مالي لتجميع المعلومات الاستخباراتية بشأن جماعات القاعدة، وسبق لمسؤولين أميركيين أن قالوا إنه يتم وضع خطط لإنشاء قاعدة طائرات آلية في شمال غرب أفريقيا.

وأوضحت التلغراف أن مؤلف تلك الوثيقة التي عثر عليها في تمبكتو هو شخص يدعى عبد الله بن محمد، وهو الاسم الحركي لأحد أكبر قادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو فرع التنظيم الذي يتخذ من اليمن مقراً له.

وسبق أن تم نشر الوثيقة للمرة الأولى باللغة العربية على أحد المواقع المتشددة في الثاني من حزيران (يونيو) عام 2011، أي بعد وفاة بن لادن بشهر، وذلك وفقاً لما أوردته الصحيفة البريطانية عن ماتيو غودير الذي يعمل كأستاذ لدى جامعة تولوز الفرنسية.

وتابع غودير حديثه بالقول إنه قد تم نشر تلك الوثيقة مؤخراً، قبل أسبوعين، على موقع متطرف آخر، بعدما بدأ يتردد عن إمكانية إنشاء قاعدة طائرات آلية أميركية في النيجر.

وأضاف quot;وتدعم تلك الوثيقة حقيقة أنهم يعلمون أن هناك قواعد سرية للولايات المتحدة بالنسبة للطائرات الآلية، وأنهم يحضرون أنفسهم لما يمكن أن يواجهوه. كما تبين الوثيقة حقيقة أنهم كانوا يفكرون ويخططون لمثل هذا الموضوع منذ مدة طويلةquot;.

استغلال الموارد الطبيعية

وإلى جانب الحصير والسجاد، استعان رجال القاعدة في مالي بموارد طبيعية أخرى في سبيل إخفاء سياراتهم، مثل الطين. ونقلت الصحيفة في هذا الصدد عن سكان محليين قولهم إن السيارات التي تخص مقاتلي القاعدة باتت مغطاة بشكل دائم بالطين.

كما أظهرت الوثيقة مدى التآلف الذي بات عليه تنظيم القاعدة مع الهجمات التي يتم شنها بواسطة الطائرات الآلية، التي سمحت للولايات المتحدة بالقضاء على مجموعة من أبرز القادة في التنظيم دون الاضطرار لخوض معركة برية تتسم بالفوضى.

وأوضحت مقدمة وخاتمة الوثيقة أن القاعدة تدرك جيداً مزايا الطائرات الآلية : فهي رخيصة نسبياً من حيث الكلفة والأرواح، كما أنها تخفف من ضغط الرأي العام الأميركي.