تجاوزت تكاليف الحرب الفرنسية في مالي 100 مليون يورو، لكن يبدو أن فرنسا لا تحارب الإسلاميين هناك فقط، بل تحارب عجز ميزانيتها، لأن عينها على ما في مالي من ذهب ومعادن ويورانيوم.

أعلن اليوم جان إيف لو دريان، وزير الدفاع الفرنسي، أن quot;تكلفة الحرب الفرنسية في مالي تجاوزت 100 مليون يورو قليلًا، منذ بدأت في منتصف شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، واعدًا بإصدار الأرقام الحقيقية بكل شفافية أمام الجمعية الوطنية، ليكون الجميع على بينة من التكلفة التي تدفعها فرنسا في حربها على الارهاب في منطقة الساحل الأفريقي. واستدرك مؤكدًا أن هذه الحرب تؤتي ثمارها فعليًا، quot;إذ يتكبد الإسلاميون في هذه المعارك خسائر بشرية فادحةquot;.
كان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس كشف في الأسبوع الأول من شباط (فبراير) الجاري أن تكلفة هذه الحرب وصلت إلى 70 مليون يورو، أي بعد أربعة أسابيع فقط من بدء العملية العسكرية. وهذا دليل واضح على ارتفاع الكلفة على الاقتصاد الفرنسي، يومًا بعد يوم.
وعلى الرغم من وصول ميزانية وزارة الدفاع الفرنسية إلى نحو 600 مليون يورو، تخصصها لتمويل العمليات العسكرية الفرنسية في الخارج، لكن صرف 100 مليون يورو خلال شهر واحد ونيف فقط مبلغ مرتفعٌ، إن تمت مقارنته بما صرفته فرنسا في عملياتها العسكرية في ليبيا، والتي دامت سبعة أشهر تقريبًا.
ليست حربنا
بدأت الحرب الفرنسية على المتشددين الاسلاميين في مالي في 11 كانون الثاني (يناير) الماضي. وعندما أدرك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن الإدارة الأميركية تركته في هذه المعركة وحيدًا، استدار نحو الخليج العربي، وجال في دوله في 15 كانون الثاني (يناير) شاحذًا الهمم العربية لرفده بالدعم، داعيًا الجميع إلى المشاركة في هذه الحرب على الارهاب العالمي.
وخلال الزيارة، أعلن فابيوس، وكان في عداد الوفد الفرنسي، توقع فرنسا أن تقدم دول الخليج العربية المساعدة للحملة ضد المتمردين في مالي، سواء كانت مساعدة عينية أو مالية، مؤكدًا أن وجود القوات الفرنسية في مالي ذات الغالبية المسلمة يحبط محاولات تنظيم القاعدة تجنيد أفراد في المنطقة.
إلا أن مراقبين خليجيين يقولون إن دول الخليج العربي لا ترى الحرب في مالي مسؤوليتها، ولا تريد أن تصير الحرب على الارهاب مجرد وسيلة، يتوسلها الغرب كلما احتاج دعمًا ماليًا من الخليج.
ودعا هؤلاء المراقبون مجلس الأمن الدولي إلى المساهمة الفاعلة في تمويل مكافحة الارهاب، من خلال صندوق دولي، توزع فيه مساهمات الدول بحسب قدراتها، فلا يتحمل الخليجيون وزر هذه الحروب، بمجرد أن ميزانياتها عامرة بمداخيل النفط.
يثير هؤلاء المراقبون تساؤلًا مهمًا، لأن فرنسا المندفعة لقتال الارهاب في مالي، غطاءً لحماية مصالحها هناك من ذهب ومعادن نفيسة ويورانيوم، ترفض رفضًا قاطعًا، شأنها شأن المجتمع الدولي، كل المحاولات التي تبذل للتدخل العسكري ضد الرئيس السوري بشار الأسد، المسؤول حتى الآن عن مقتل أكثر من 70 ألف سوري.
مكاسب كبيرة
لا شك في أن الحرب هذه مكلفة فعلًا، لكن فرنسا تنظر إلى البعيد. فهي تشهد تزايدًا في معدلات البطالة، إذ تقدر نسبة البطالة بنحو 10 بالمئة من القوة العاملة الفرنسية، التي تقدر بزهاء ثلاثة ملايين نسمة، على الرغم من أن الأرقام الفعلية تتحدث عن خمسة ملايين فرنسي بلا عمل.
كما أن فرنسا تعاني عجزًا في ميزانها التجاري يقدر بنحو 62,5 مليار يورو، بينما حققت ألمانيا في العام 2012 ربحًا قدره 144,7 مليار يورو.
وهذا الوقوف على شفير الافلاس هو السبب الحقيقي وراء اندفاع فرنسا في حربها على مالي، بحسب مراقبين دوليين.
فمالي ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، وفيها سبعة مناجم قيد الاستغلال حاليًا. كما تتولى شركات دولية عدة مهمة استكشاف مادة يورانيوم من الأرض المالية، بعدما برزت مؤشرات على مخزون كبير على مساحة 150 كيلومترا مربعًا تمتد حتى شمال غينيا، قد يصل المخزون فيها إلى 5000 طن، إضافة إلى منطقة مجاورة لمدينة غاو، فيها نحو 200 طن.
ويضاف إلى ذلك احتواء مالي على احتياطيات كبيرة من النحاس والرخام والجبس وحجر الملح والرصاص، تتركز في شمال مالي، وعلى احتياطات نفطية غير مستكشفة بالكامل.
فالعين الفرنسية على هذه الثروات تجعل من الكلفة التي تدفعها في الحرب متواضعة.