تجربة فريدة من نوعها أقدمت عليها ألمانيا، الدولة الأوروبية المسيحية، عبر تدريس الدين الإسلامي لطلاب مدارس ولايات شمال الراين وستفاليا وبافاريا، حيث رحّب أهالي التلاميذ بتلك الخطوة بعد نجاحها في إدماج الأولاد المهاجرين في المجتمع الألماني.


صلاح سليمان من ميونيخ: نجحت تجربة تدريس مادة الدين الإسلامي في مدارس ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، التي كان لها السبق بين ولايات ألمانيا في تدريس المادة في مدارسها، حيث بدأ تدريس ما يزيد على ألفي تلميذ في 33 مدرسة ابتدائية في الولاية اعتبارًا من العام الدراسي الجاري، وتم إدراج هذه المادة ضمن جدول الحصص في المدارس.

كانت أول دفعة من مدرّسي التربية الدينية الإسلامية في ولاية شمال الراين وستفاليا، الذين يبلغ عددهم 60 مدرّسًا، قد حصلت على التصاريح الرسمية من المجلس الاستشاري لتدريس التربية الدينية الإسلامية، وعلى شهادة الإجازة من مسجد ميركتس في مدينة دويسبورغ لتدريس المادة في مدارس أكبر ولاية ألمانية من حيث عدد السكان.

320 ألف تلميذ مسلم
يذكر أن هؤلاء المعلمين كانوا يعملون حتى الآن بتصاريح موقتة. ويبلغ عدد التلاميذ الذين يدينون بالإسلام داخل مدارس ألمانيا نحو 320 ألف تلميذ في كل أنحاء البلاد، ومن المنتظر أن يتم تدريس مادة التربية الإسلامية اعتبارًا من العام الدراسي المقبل في مدارس ثانوية في الولاية.

من جهة أخرى، كشفت وزيرة التعليم في ولاية شمال الراين وستفاليا، سيلفيا لورمان، أن حصة التربية الإسلامية في المدارس، التي شرعت في تدريسها، تشهد إقبالًا كبيرًا من قبل الأطفال المسلمين في الولاية. وقالت في مقابلة إن الاهتمام بالمادة الدراسية الجديدة كبير للغاية. وهو ما اعتبرته علامة مهمة على طريق الاعتراف بالمسلمين، وكذا على اندماجهم في المجتمع.

صعوبات البداية
وأشارت الوزيرة إلى أنه سيجري التوسع في هذه الخطوة تدريجيًا، وفي الوقت نفسه توقعت أنه سيكون من غير الممكن تدريس الدين الإسلامي في كل المدارس الابتدائية الـ44 كما كان مخططًا له، وذلك بسبب النقص في أعداد المدرسين المتخصصين، مؤكدة أن صعوبات البداية أمر طبيعي في كل الأشياء.

اندماج التلاميذ في بافاريا
أما في ولاية بافاريا المحافظة في الجنوب الألماني، فإن وزير التربية والتعليم بدوره كذلك يتبنى سياسة جديدة ترمي إلى تدريس الدين الإسلامي في مدارس الولاية باللغة الألمانية، وهي سياسة لها جوانب إيجابية عديدة، تتلخص في انفتاح المجتمع الألماني أمام هؤلاء التلاميذ المسلمين، والمساعدة على اندماجهم فعليًا،هم وأهاليهم، في المجتمع الجديد وفق رؤية الوزير البافاري.

يشار إلى أن في ولاية بافاريا أكثر من 162 ألف تلميذ من أصول مهاجرة، ينتظمون في مدارس الولاية، منهم 100 ألف تلميذ مسلم، لا يصل إلى التعليم العالي من كل هؤلاء إلا نسبة تقدر بـ 10% فقط ، وهو الأمر الذي يقلق المسؤولين التربويين في وزارة التربية والتعليم البافارية، خاصة بعدما أكدت دراسة لمؤسسة بيزا الدولية لتقويم الأداء المدرسي أن الارتقاء والنجاح في المدارس الألمانية يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالخلفية الاجتماعية للطلاب.

نجاح للمجتمع
لهذا السبب يأخذ المسؤولون البافاريون هذا الأمر على عاتقهم من أجل تحسين المستوى الدراسي للتلاميذ، وإرساء مبدأ جديد للتكامل والاندماج عبر تدريس الدين الإسلامي باللغة الألمانية في مدارس الولاية الكاثوليكية المحافظة. ووفق تصريحات وزير التربية والتعليم، فإن المسلمين في ولاية بافاريا يعملون ويعيشون كمواطنين، لا كضيوف، عملًا لوقت محدد، لذلك فإن أي نجاح لأي طفل مسلم في ألمانيا هو نجاح للمجتمع ككلquot;.

بديل من مادة التربية الأخلاقية
في مدينة quot;إيرلنجنquot; كانت فكرة أول مدرسة تجريبية لتدريس الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين كبديل من مادة التربية الأخلاقية، التي يدرسها التلاميذ، الذين ينتمون إلى الديانات الأخرى.

ولدت الفكرة في عام 2009 عندما دعا وزير التربية والتعليم البافاري 24 من خبراء التعليم في الولاية، إضافة إلى القنصل التركي العام في نورنبرج محمد سليم كارتال، ورمزي جونيزو رئيس الجمعية الإسلامية في إيرلنجن، إلى اجتماع للنقاش والحوار حول اتخاذ قرار بشأن تدريس الإسلام في مدارس بافاريا، وبالفعل جاء القرار بأن يتم التدريس في 25 مدرسة من مدارس الولاية كنموذج أولي تتم دراسته، والتأكد منه قبل تعميمه في مدارس الولاية.

تقول مونيكا كراسكيفيتز مديرة إحدى المدارس الابتدائية في ميونيخ، والتي بدأت في تدريس التربية الإسلامية للتلاميذ المسلمين، quot;إن أهالي الطلاب أخذوا ذلك بشكل إيجابي، وأسعدهم كثيرًا وجود دروس لتعليم الإسلام في المدرسة، كذلك أرى أنه شيء إيجابي تدريس الإسلام إلى جانب الديانات الأخرىquot;.

أما مدرّس التربية الإسلامية أركان أونال، التركي الأصل، فيؤكد أن الأطفال المسلمين يتعلمون الدين الإسلامي في المدرسة بسرور بالغ، وكذلك يتعلمون آيات من القرآن الكريم، إنهم يتعلمون أيضًا قصص الأنبياء والرسل، وكل ما يتعلق بخطط المدرسة الموضوعة في هذا الإطار.

نسبة كبيرة
من جهته يرى الوزير الألماني quot;أن الأهالي تفاعلوا مع هذا القرار ورحّبوا به كثيرًاquot;، وقد أدهشه أن عدد الأطفال في حصة الدرس الديني الإسلامي مساوٍ لعدد الأطفال غير المسلمين في حصة التربية الأخلاقية.. وهي إشارة من الوزير إلى نسبة التلاميذ المسلمين الكبيرة نسبيًا في المدارس الألمانية.

ووفق خبراء وزارة التربية والتعليم في الولاية، فإنه ينبغي أن يكون تعليم الدين الإسلامي هو مجرد خطوة جديدة في طريق اندماج الأطفال المهاجرين وآبائهم وأمهاتهم في مجتمع أفضل، مع التركيز على تعليم جيد للغة الألمانية.

نقص مدرسين متخصصين
لم تسجل معارضة حقيقية من قبل المسؤولين حول قرار تدريس الإسلام في مدارس الولاية. فيقول هانز أورلش بفافمان من الحزب الاشتراكي الديمقراطي quot;ربما تكمن المشكلة في التطبيق الفعلي للتجربة، إذ إن لدينا نقصًا حادًا في عدد مدرسي التربية الإسلامية في ألمانيا، ومن ثم ستكون هناك صعوبة أيضًا في كيفية الحصول على مدرسين ومدرسات، لديهم القدرة والكفاءة على تدريس الإسلام باللغة الألمانية.. ورغم ذلك فإن هذه الصعوبات لن تغيّر من إيجابية الفكرة في شيء.

لا يتمتع المسلمون في ألمانيا بمركزية ومنهجية موحدة في اتخاذ ما يناسب شؤونهم في هذا البلد، فهم جماعات عديدة ومتفرقة، ويشار إلى البعض منهم بالتطرف والتشدد، لذلك يصبح من الصعب إشراكهم في وضع المناهج الإسلامية في المدارس، إنما يقوم بذلك عادة أساتذة من الجامعات الألمانية وخبراء من المعهد الدولي للجودة المدرسية والبحوث التربوية ووزارة التربية والتعليم البافارية.

التركية اللغة الثالثة
هذا وسوف تستمر مساعي الوزارة في تعزيز المهارات الفردية لدى الطلاب المهاجرين، وتشجيع اندماجهم بشتى الوسائل، لذلك ستكون اللغة التركية هي اللغة الثالثة الاختيارية في مدارس بافاريا، نظرًا إلى حجم الجالية التركية الكبير فيها.