في تونس قانون مدني يجعلها البلد المسلم الوحيد الذي لا يجيز الزواج بإمرأة ثانية، لكن حزب الرفاه الإسلامي يطالب بطرح المسألة على الاستفتاء الشعبي، لأنه يرى الزواج الثاني حلًا لظاهرة العنوسة المستشرية في البلاد.


تونس: دعا حزب الرفاه ذات التوجه الإسلامي، الذي حصل أخيرًا على التأشيرة القانونية، إلى طرح مسألة الزواج بإمرأة ثانية في استفتاء شعبي كحلّ لمسألة العنوسة المستشرية في تونس. وأكد أن مسألة تعدد الزوجات أصبحت مطلبًا شعبيًا، لكن السؤال المطروح: هل ستقبل التونسيات أخيرًا بالزوجة الثانية أو أن يكنّ زوجة ثانية؟

لربما تقنعهن الأرقام، إذ بلغت نسبة العنوسة بين التونسيات 60 في المئة، بحسب تقرير إحصائي أعدّه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، وارتفع بالتالي عدد العازبات إلى أكثر من 1,250 مليون امرأة من بين 4,9 ملايين أنثى في تونس، مقارنة بنحو 990 ألف عازبة في العام 1994.

وجاء في آخر مسح للسكان في تونس أن نسبة غير المتزوجين من الإناث و الذكور، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و 29 سنة، ارتفعت من 71 في المئة في العام 1994 إلى 81 في المئة مع نهاية العام 2011.
وأكد تقرير الديوان أن ظاهرة تأخر الزواج كان لها تأثير كبير على التركيبة العمرية للنساء المتزوجات، إذ بلغت نسبتهن فوق 34 سنة نحو 64 في المئة، بينما لم تتجاوز 50 في المئة في العام 1994، وكانت في حدود 59 في المئة في العام 2001.

قال خبراء في علم الإجتماع إن تفاقم ظاهرة العنوسة ارتبط بمدى انفتاح المرأة التونسية المتعلّمة على المجتمعات الغربية، وسعيها إلى التحرر الإجتماعي من قيود العائلة والروابط الزوجية القانونية، والتحرر المادي والمعنوي الذي يساعدها على كسر كل القيود المجتمعية.

بين العنوسة و تأخر سن الزواج

أكد محمد الفقي، رئيس حزب الرفاه، لـquot;إيلافquot; إن مسألة تعدد الزوجات مشروعة في الدين الإسلامي لكنها لا تمثل ركنًا، مشيرًا إلى ضرورة مراعاة الظروف الإجتماعية والشخصية لكل مسلم، طالبًا أخذها في الحسبان لأنها جائزة.

وفسّر الفقي انتشار ظاهرة العنوسة بالعزوف عن الزواج من طرف الشباب، وارتفاع تكاليفه الاجتماعية. قال: quot;كما أن الثقافة الغربية الدخيلة على مجتمعنا تقوم على كسر الروابط الأسرية من خلال التخلص من مكانة الأسرة في المجتمع، سهلت عمليات الإتصال بين الشباب والفتيات، وبالتالي انتشرت العلاقات الجنسية غير المشروعة، وهو ما جعل الشباب يعزف عن الزواج الشرعي بعد أن وجد بديلًا في العلاقات المحرّمة شرعًاquot;.

من ناحيتها، أوضحت الدكتورة ثريا شطيبة، رئيسة جمعية حواء، لـquot;إيلافquot; تطور عقلية النسيج المجتمعي التونسي، مؤكدة أن الرجال قبل النساء يرفضون هذه الفكرة السخيفة، مشيرة إلى أن المجتمع التونسي بلغ مستوى تعايش عالياً مع حقوق المرأة ومع قناعة عامة بأنها ليست سلعة تباع و تشترى.

واليوم، إذا ظهرت مشكلة عنوسة في المجتمع التونسي فهي لا تعدو كونها سوى تأخر سن الزواج الذي يصل حاليًا إلى 29 سنة بالنسبة للفتيات و 33 سنة بالنسبة للشبان، وهو موضوع عام ولا يخص النساء لوحدهنّ، بحسب شطيبة.

عوامل اقتصادية واجتماعية

أشارت أستاذة علم الإجتماع فتحية السعيدي لـquot;إيلافquot; إلى عوامل اقتصادية واجتماعية غير ثقافية ساهمت في تأخر سن الزواج لدى الإناث، quot;فثقافة المجتمع التونسي تؤكد أن الأسرة مؤسسة قائمة بنفسها، عكس ما نجده في العديد من البلدان الغربية القريبة، كما أن تونس شهدت في السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا من خلال الإرتفاع في سن التمدرس، وتغيّر ذهنية الأب في المجتمع التونسي باتجاه تعليم البنت وإكمالها لدراستها الجامعية من أجل الحصول على الشهادة الجامعية، بدلًا من وقف تعلمها لتتزوجquot;.

وأضافت السعيدي أن مشكلة البطالة تساهم بدورها في تأخر سن الزواج، بشهادة العديد من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، فتكاليف الزواج المرتفعة وما صاحبها من عدم توفر فرص العمل من الأسباب الأساسية لتأخر سن الزواج، وقد أثبتت الإحصائيات الأخيرة أن سن الزواج يبلغ 34 سنة للذكور و 32 سنة للإناث.

وترى شطيبة أن أسباب تأخر سن الزواج تتمثل في بطالة الشباب التونسي وظروف الحياة القاسية إلى جانب تطلع الشباب إلى آفاق أوسع، خصوصًا على الصعيد الإقتصادي، quot;فالعقلية تغيّرت وأصبح الشاب يسعى ليبدأ حياته الزوجية وقد توفرت كل شروط نجاحها، وقبل ذلك كانوا يتزوجون فقراء ويسعون بعد ذلك إلى تحقيق طموحهم، وفي الواقع المسألة أعمق من هذا التحليل البسيط في شموليتها وتعقيد جانبها الإجتماعي، فالفتيات يشكلن 60 في المئة من طلاب الجامعات التونسية، وهذا ما يؤكد أنه لا يمكن الحديث عن تأزم وضع المرأة التونسية واقتراح زوجة ثانية كحلّ لهذه المسألةquot;.

حملة موجهة ضد النساء

قال أستاذ علم الإجتماع محمد الجويلي إن مؤسسة الزواج مؤسسة جنسية، وقد ساهم انتشار العلاقات العاطفية والجنسية خارج إطار الزواج في استفحال ظاهرة العنوسة، التي تحولت إلى ظاهرة اجتماعية يعاني منها المجتمع التونسي كغيره من المجتمعات الأخرى، مؤكدًا أن تقلص دور العائلة التي كانت تشرف و تنظم الزيجات زاد في تأخر سن الزواج.

واستنكرت الدكتورة شطيبة هذه الحملة ضد النساء من طرف أحزاب سياسية إسلامية، وقالت إنها تشبه الفقاعة، وهي موضوع فتنة وتشنج اجتماعي ولا قيمة لها اجتماعيًا وسياسيًا، مشيرة إلى أنهم quot;يتاجرون بموضوع المرأة من أجل شدّ الإنتباه والظهور، فأحدهم طالب بزواج الفتيات في سن التاسعة، وآخر طالب باستفتاء حول الزوجة الثانية، عوض التفكير جديًا في إيجاد الحلول لمشاكل اجتماعية مستجدة كالعلاقات الجنسية قبل الزواج، واقتصادية مستشرية بسبب الفقر والبطالة والتهميشquot;. وقالت: quot;على هؤلاء أن يبتعدوا عن السياسة، وأن يذهبوا إلى مستشفى الرازي (مستشفى الأمراض النفسية) للعلاجquot;.

وعن إمكانية العودة إلى الشريعة الإسلامية و إلغاء القانون المدني في تونس، قالت الدكتورة ثريا: quot;القانون المدني في تونس مبنيّ على الإجتهاد الذي أحلّه الله، وبالتالي فهو لا يخالف الشريعة الإسلاميةquot;.

بين الرفض و القبول المشروط

قالت سامية، الموظفة في الثانية والثلاثين من عمرها، إنها لن تقبل بأن تكون ضرّة لإمرأة أخرى، تشاركها زوجها، مؤكدة أنها ستطلب الطلاق إذا فكر زوجها في ذلك. وأوضحت سامية، وهي أمّ لطفلين، أن التونسيات عمومًا يرفضن مسألة الحديث عن الضرّة بعد سنوات طويلة من الحرية.

لكن لطيفة (43 عامًا) تخالفها الرأي، وترى أنّه من حقّ الرجل أن يتزوج بإمرأة ثانية طالما أجازت الشريعة الإسلامية له ذلك، مشددة على ذلك يجب أن يحدد بشروط، quot;فمن غير المعقول أن نقبل باختلاط الأنساب وانتشار الفساد في المجتمع إلى درجة أن يتساهل القانون مع هذه التجاوزات في إطار الحرية الشخصية الممنوحة للمرأةquot;.

أما عبدالمجيد بن علي (58 عامًا) فأشار إلى ضرورة تغيير القانون التونسي، والسّماح بتعدد الزوجات كما أجاز الشرع، مؤكدًا ضرورة تقنينه بشروط واضحة ودقيقة، quot;لأنه قد يمثل حلًا من بين حلول أخرى لامتصاص العنوسة في تونس والحد من الفسادquot;.

بينما يرى الطالب سمير أنّ لا سبيل إلى التراجع عن المكاسب التي حققتها المرأة التونسية منذ الإستقلال، والتي بلغت درجة كبيرة من الوعي والثقافة، quot;وبالتالي من غير المفيد أن نتحدث الآن وفي هذه الفترة بالذات عن تعدد الزوجات، وعلى التونسيات وايضاً التونسيين أن لا يقبلوا بالتراجع عن حقوق المرأة التي ارتفعت نسبة تواجدها في الجامعة التونسية إلى 60 في المئة وفق الإحصائيات الرسميةquot;.

نزوات ذكور وإناث

تتناول شطيبة مسألة أحقية الرجل بالزواج بإمرأة ثانية بشيء من الحدّة. تقول: quot;لماذا تحرمون النساء اللواتي يردن الزواج برجلين، فهن موجودات فعلاً، أليس من حقهن ذلك؟quot;، وترد المسألة إلى نزوات لدى الرجال كما النساء.

يرفض الفقي كل ما يناقض الشريعة الإسلامية، بما فيها مجلة الأحوال الشخصية، بينما يدعم ما يدعمها مبينًا أن طرح حزب الرفاه ليس دعوة لإلغاء القانون المدني ساري المفعول في تونس، ولا هي دعوة إلى أسلمة القانون التونسي، بقدر ما هي دعوة إلى سنّ قانون يتناسب ومبادئ الشرع الإسلامي، في عودة إلى الأصل بعد تغريب دام عشرات السنين.

وتشير بعض الإحصائيات المتعلّقة بمؤسسة مندوب حماية الطفولة إلى أنه تم تعهّد 933 طفلًا مولودًا خارج إطار الزواج، وهو ما يمثّل 74 في المئة من مجموع الأطفال فاقدي السّند العائلي المتعهّد بهم في العام 2006.

تغيير المنظومة ودسترة الشريعة

رأى الفقي أن طرح الزوجة الثانية يمكن أن يمثل حلًا لمسألة العنوسة أو تأخر سن الزواج، مؤكدًا عدم توافر أرقام صحيحة للعانسات. يقول: quot;إذا نظرنا في مكونات المجتمع التونسي، نلاحظ استشراء العنوسة وتزايد حالات الطلاق، إلى جانب الخيانة الزوجية و انتشار الزواج العرفي، وهو ما جعلنا نرى أن تعدد الزوجات قد يمثل حلًا لهذه الظواهر الخطيرةquot;.

أضاف: quot;هناك متطرفون من الجهتين، فهؤلاء يجاهرون بالفساد والعلاقات الجنسية خارج الروابط الشرعية والقانونية، وأولئك يدعون إلى تعدد الزوجات بدون ضوابط، مشددًا على أن حزب الرفاه يدعو إلى وجود ضوابط لهذه المسألة التي نراها مطلبًا شعبيًا من دون أن تكون القاعدةquot;.

وأكد الفقي ضرورة تغيير المنظومة المجتمعية بعد أكثر من خمسين عامًا، والعمل على توعية المواطنين بروح الإسلام السمحة والقيم الإسلامية العالية من خير وعدالة للجميع، مع ضرورة الإهتمام والعناية بالأسرة.

وشدد على أن حزبه ينادي بدسترة الشريعة الإسلامية، quot;فهذا الطرح يمثل اللّبنة الأولى للعودة إلى سن قوانين لا تخالف الإسلام، ومنها تعدد الزوجات، فالاستمرار بتطبيق بعض القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية يعتبر تناقضًا في مجتمع تونسي مسلم، إذ كيف ندّعي انتماءنا للإسلام بينما نسنّ ونطبّق قوانين مخالفة لدينه؟quot;.