ملايين السوريين بأمس الحاجة للمساعدات الانسانية، لكنها تصل إليهم بالقطارة، لأن الأمم المتحدة تتعاون إنسانيًا مع الهلال الأحمر السوري الموالي للنظام، والأتراك متمسكون ببيروقراطيتهم، والأوروبيين يأتون للاستماع فقط، من دون أفعال.


لندن: وصل المقاتل عبد اللطيف ابو صلاح إلى مكتب الطبيب مازن كوارة في مقر الجمعية الطبية الاميركية السورية في مدينة ريهانلي التركية طالبًا المساعدة بصورة عاجلة. وقال ابو صلاح للطبيب بغضب إن المعونات الانسانية لا تصل إلى ما يكفي من المقاتلين والمدنيين في محافظة ادلب. وإن الجمعية لا يمكن أن تجلس بانتظار المحتاجين أن يأتوا اليها مستغيثين.

وخاطب ابو صلاح الدكتور كوارة بعينين زادهما السهر احمرارًا: quot;ما تقومون به هنا عمل طيب، لكنه ناقص. فلماذا تنتظرون أن يأتي المحتاج اليكم؟quot;

وأوضح كوارة، وهو جراح من دمشق، أن العاملين في الجمعية يدركون حجم الاحتياجات في سوريا، لكن الامدادات ليست كافية. وعاد المقاتل ابو صلاح خائبًا بعد سماع اجابة كوارة، من دون أن يحصل على ما جاء من أجله، وهو تأمين عدد أكبر من المستشفيات الميدانية.

مأساة إنسانية

قال كوارة لصحيفة لوس انجيليس تايمز : quot;العالم لا يعرف الحقائقquot;. فبالرغم من المساعدات الانسانية التي تصل إلى سوريا، يعيش ملايين السوريين في ظروف قاسية بعد عامين من الحرب، هاجروا من ديارهم بعدما انهارت البنى التحتية واختفت الخدمات وأبسط مستلزمات الحياة، كوقود التدفئة والخبز والماء الصالح للشرب.

واعلنت الأمم المتحدة في تقرير اصددرته أخيرًا أن أكثر من مليون سوري نزحوا خارج سوريا، في رقم يشير بوضوح إلى أزمة انسانية أكبر في الداخل، مع تهجير ما بين مليونين وستة ملايين سوري، بحسب تقديرات الخبراء.

وقالت فاليري آموس، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية: quot;نشاهد مأساة انسانية تجري أمام انظارناquot;. تشمل جهود الاغاثة النشاطات التي تخضع لاشراف أو إدارة الأمم المتحدة أو تركيا أو الجاليات السورية في الخارج. لكن هذه الجهات كلها اصطدمت بعقبات جمة، وبقيود وتحديدات عديدة.

انتقادات للأمم المتحدة

يواجه برنامج الأمم المتحدة، الذي اعلنته اواخر العام الماضي لتقديم مساعدات انسانية بقيمة 519 مليون دولار، انتقادات شديدة لأنه يُنفذ بالتعاون مع أجهزة نظام الرئيس بشار الأسد، خصوصًا أن المساعدات التي تقدمها دول أخرى بصورة مباشرة إلى المحتاجين في الداخل أصبحت توجه إلى برنامج الأمم المتحدة ذاته، ما اثار مخاوف من ألا تصل المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

واعترف المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية ينس لاركي بـأن المعونات لا تصل إلى كل المناطق الخاضة لسيطرة المعارضة، حيث الحاجة ماسة اليها، والسبب قيود لوجستية تتعلق بعبور خطوط النزاع. واشار لاركي إلى تقرير برنامج الغذاء العالمي الذي جاء فيه أن ما بين 40 و45 بالمئة من المعونات الغذائية التي وزعها ذهبت إلى مناطق تحت سيطرة المعارضة أو مناطق متنازع عليها. وقال قياديون في المعارضة السورية إن الحاجة ملحة في هذه المناطق تحديدا لأنها تتعرض لهجمات مستمرة من قوات الأسد.

الهلال الأحمر هو النظام

تساءل خالد عمر، وهو صيدلي من حلب ومسؤول الارتباط بين الاتحاد الطبي الحر والمنظمات الانسانية الأخرى: quot;كيف يمكن للأمم المتحدة أن تقدم مساعدات انسانية إلى نظام ارتكب المجازر وقتل نحو 70 ألف سوري؟quot; ونقلت صحيفة لوس انجيليس عن عمر قوله: quot;الأسد يقتلني فكيف يطعمني إذًا؟quot;

وأكد عمر أن المجتمع الدولي بتوزيعه المساعدات الانسانية عن طريق النظام انما يقوي الأسد ويضفي شرعية على نظامه.

وعندما طلب اتحاد منظمات الاغاثة الطبية السورية أخيرًا مساعدة المجتمع الدولي لتطعيم مليونين إلى ثلاثة ملايين سوري في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، قال له ممثلو حكومات أجنبية إن الأمصال يمكن أن توفرها منظمة الأمم المتحدة للطفولة quot;اليونسيفquot;، لكن من خلال جمعية الهلال الأحمر السوري فقط.

فعلق طبيب الأطفال عبد الرحمن عمر، الذي يشرف على مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للاتحاد، قائلًا: quot;العالم يجهل أو يتجاهل أن الهلال الأحمر السوري منظمة سياسية لها اجندة، وان الهلال الأحمر هو النظامquot;.

ما زالت الحكومة الشرعية

لفت لاركي إلى أن مكتب الشؤون الانسانية للأمم المتحدة يعمل بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وذهب إلى أن سيادة سوريا لا يمكن أن تُنتهك، ويشمل هذا عبور الحدود التي تسيطر عليها المعارضة من دون موافقة النظام. ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن لاركي قوله: quot;نحن نحتاج إلى العمل مع الحكومة السورية، ومن منظور الأمم المتحدة فإن الحكومة السورية ما زالت هي الحكومة الشرعيةquot;.

وقالت منظمات انسانية سورية إن الحكومة التركية تفهمت ذلك، لكن اشتراط الحصول على موافقات محلية أو التعاون مع منظمات اغاثة تركية مسجلة في كل شحنة يبطئ تدفق الامدادات. واضافت هذه المنظمات أن شحنات الاغاثة احيانًا تمنع من عبور معبر باب الهوى الحدودي الرسمي بين تركيا وسوريا بضغط من الأقلية العلوية في تركيا، والتي ما زالت تؤيد الأسد.

لكن الحكومة التركية سمحت بمرور مساعدات نظامية عن طريق المعبر الرسمي أو احد المعابر غير الرسمية إلى بلدة العتمة السورية، على بعد كيلومترات قليلة من الحدود.

شهران لشحنة أدوية

تدخل كمية كبيرة من المساعدات إلى سوريا عن طريق معبر غير رسمي ترابي يراقبه جنود اتراك. واحيانًا تلتف الامدادات بحسب القانون التركي بطريقة أو أخرى، من خلال عدم تقديم الوثائق والايصالات المطلوبة أو ارسال أدوية منتهية صلاحيتها مع الامدادات. لكن بعض الأطباء يقولون إن الأدوية المنتهية صلاحيتها يمكن أن تكون نافعة للأشخاص من ذوي الاحتياجات العاجلة.

وتقدر منظمات طبية أن أكثر من 90 في المئة من المختبرات الطبية في سوريا توقفت عن العمل.

وقبل شهر تقريبًا، نقلت الجمعية الطبية الاميركية السورية حاوية مليئة بالأدوية والمعدات الطبية والامدادات الأخرى إلى سوريا، لتزويد المستشفيات الميدانية بها. واحتاجت الجمعية إلى اكثر من شهرين للحصول على موافقة السلطات التركية على ارسال الشحنة من الولايات المتحدة إلى سوريا، عن طريق تركيا وبالتعاون مع الهلال الأحمر التركي.

للاستماع فقط

قال سعيد سليمان، مدير منظمة سند غير الحكومية في مدينة غازي عنتاب التركية، إن جهودًا تُبذل لنقل شحنة من الديزل، تبرعت بها دولة نفطية عربية لسوريا، عن طريق الأراضي التركية، لتشغيل مستشفيات ميدانية ومنشآت أخرى. أضاف: quot;كلفة الديزل في تركيا أكثر بمرتين من كلفته في سوريا، ومنظمة سند لا تملك المال الكافي لشراء الوقود التركيquot;.

وكان ممثلون عن البرلمان الاوروبي زاروا تركيا في شباط (فبراير) الماضي للقاء مسؤولين في منظمات الاغاثة. وعندما سأل عبد الرحمن عمر وآخرون ما الذي يمكن أن يقدمه الاتحاد الاوروبي، قيل لهم إن ممثلي البرلمان الاوروبي جاءوا للاستماع فقط وتقديم تقرير عما سمعوه.

رد عليهم عمر قائلا: quot;بعد 23 شهرًا من الصراع الذي سمع به حتى اطفال افريقيا، أكل ما تفعلونه هو الاستماع وكتابة التقارير؟quot;