استمرت العراقيل الاسرائيلية التي تحول دون تنفيذ مشروع ناقل البحرين، الذي يغذي الأردن بمياه البحر الأحمر بعد تحليتها، لأن المشروع لم يعد في سلم أولويات تل أبيب، لكن البدائل المائية متاحة.

عمان: يعاني الاردن أزمة مياه منذ سنوات طويلة، تتفاقم عامًا بعد عام، لأسباب تعود إلى الهجرات القسرية بسبب الظروف السياسية في دول مجاورة كسوريا والعراق، والنمو السكاني والتوسع العمراني، الامر الذي يراه المراقبون سببًا رئيسًا للعمل على تسريع وتيرة العمل في مشروع ناقل البحرين الاستراتيجي.
ويهدف مشروع ناقل البحرين بين الاردن وفلسطين واسرائيل إلى الربط المائي بين البحر الاحمر والبحر الميت لتوفير قرابة مليار متر مكعب من المياه المحلاة والصالحة للشرب، مع الحفاظ على بيئة البحر الميت بموازاة وقف انخفاض منسوب المياه السطحية فيه، بما لا يؤثر سلبًا على البيئة والحياة البحرية في البحر الأحمر وعلى نوعية المياه في البحر الميت.
قال وزير المياه والري الاردني الدكتور حازم الناصر لـquot;إيلافquot;: quot;دراسات الجدوى الاقتصادية والبيئية والفنية والاجتماعية التي استمرت خمس سنوات لمشروع ناقل البحرين أظهرت إمكانية وضع مضخات على عمق 140 مترًا تحت سطح الماء في البحر الأحمر لضخ كميات من المياه في المرحلة الأولى، يذهب منها 300 مليون متر مكعب إلى البحر الميت، فيما تتم تحلية 200 إلى 250 مليون متر مكعب لأغراض الشرب، مقدرًا كلفة هذه المرحلة بحوالي ثلاثة مليارات دولارquot;.
أضاف الناصر : quot;ركز برنامج دراسات الجدوى الاقتصادية والبيئية والفنية والاجتماعية حول المشروع على ثلاثة أهداف، الأول إنقاذ البحر الميت، والثاني تحلية مياه البحر الأحمر والمساهمة في حل مشكلة شح المياه في الاردن وتوفير الامن المائي، والثالث تحقيق التعاون الاستراتيجي بين الاردن وفلسطين واسرائيلquot;، مؤكدًا جدوى ناقل البحرين بيئيًا واقتصاديًا، ومبينًا تطبيق اتفاقيات دولية منبثقة عن منظمة الأمم المتحدة بمشاركة الدول المشاطئة للبحر الميت.
وأشار الناصر إلى أنه لم تتوصل دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروع لمعرفة مصادر التمويل اللازم للبدء به، فتقارير البنك الدولي تؤكد عدم إمكانية توفير الأموال اللازمة لبدء العمل في التنفيذ.
اولوية أردنية وليست اسرائيلية
يؤكد الوزير الأردني أن مشروع ناقل البحرين quot;الاحمر ndash; الميتquot; لم يعد من اولويات اسرائيل، وأنها تعمل على اعدامه لدى الاطراف الدولية، وما يدعو إلى القلق تعرض المشروع لعدة نكسات أردنية، منها عدم تعامل الاردن معه على أنه حيوي واستراتيجي نتيجة للتقلبات الحاصلة في المياه، وقبوله تعديلات على المشروع من بعض الاطراف، وبقاؤه يتيماً بلا مدافع، علمًا أنه مشروع بيئي وإرث حضاري، quot;كما أن الحكومات الأردنية لم تستطع تغيير نظرة الشعب الاردني تجاه المشروع، فبقي في نظرهم مشروع اسرائيل، في حين حاربته اسرائيل من تحت الطاولة لوأدهquot;.
أضاف: quot;لم يعد ناقل البحرين من اولويات اسرائيل، وفقد العلاقة مع حاجة اسرائيل للغاز، إذ قامت بانشاء ميناء غاز في حيفا لاستيراد الغاز من قبرص أو أي مصدر آخر في العالم، كما لم تعد مهتمة بالغاز المصري، بينما في الاردن فاتورة الطاقة عالية ومن مصلحته الابقاء على استيراد الغاز المصري وانشاء ميناء للغاز في العقبة لاستيراده من اسرائيل كما روّج أخيرًا، وهو غير مجد اقتصاديًا وباهظ الكلفة ويحتاج إلى متطلبات السلامةquot;.
يشير الناصر إلى أن اسرائيل عملت على وأد المشروع من خلال دراسات الاثر الاجتماعي والقول إن خلط المياه يؤدي إلى ترسيب مادة الجير وتغيير اللون، وحاولوا اخفاء نتائج الدراسة نفسها التي تؤكد على امكانية معالجة الحالة في حال حدوثها وذلك بتنقيتها من بعض العناصر أو خلط مزيد من كميات المياه كما حدث مع بوابة نوتردام.
اضاف: quot;الجانب الاسرائيلي يطرح بدائل للمشروع منها مشروع البحر المتوسط ndash; البحر الميت رغم تكلفته العالية وتهديده الامن الاردني، وطرح مشروع سيحون وجيحون الذي ركن جانبًا بسبب التوتر بين تركيا وإسرائيل، اضافة إلى طرح اسرائيل مشروع جر مياه نهري دجلة والفرات، وهذا مرفوض أردنيًاquot;.
صراع بيئي مائي
بدأ الأردن دراسة مشروع ناقل البحرين في الثمانينات، كمشروع مضاد للمشروع الاسرائيلي المتوسط ndash;الميت، وكان في حالة حرب مع اسرائيل آنذاك. جرى تجميد المشروع بين العامين 1997 و 2002 بسبب وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في اسرائيل، إثر المباشرة بدراسة مشروع تطوير وادي الاردن وفقًا لاتفاقية السلام في العام1995، وبإشراف وتمويل البنك الدولي. تم انجاز عدة دراسات سياسية، بيئية وتعليمية واقتصادية واجتماعية خاصة بالمشروع، خلصت إلى ضرورة جر مليار و800 مليون متر مكعب من مياه البحر الاحمر إلى البحر الميت إلى العقبة، ومن خليج العقبة إلى منطقة قاع السعيدين وتسييل المياه من هناك بالجاذبية الارضية إلى البحر الميت. كان البديل جر المياه بوساطة الانابيب إلى العقبة، ثم شق قناة من العقبة إلى البحر الميت.
وبحسب الناصر، هدف المشروع لحماية البحر الميت من الاختفاء نتيجة استنزافه بنسبة 60 في المئة من قبل اسرائيل، والباقي من قبل الاطراف الاقليمية الأخرى، مما ادى إلى هبوطه مترًا مكعبًا كل عام، مؤكدًا أن اختفاء البحر الميت يؤدي إلى اختفاء كل القيم المصاحبة للإرث التاريخي من قيم تاريخية وحضارية وسياحية وانسانية.
وأضاف: quot;تم احياء المشروع من جديد في العام 2002، خلال قمة الارض في جوهانسبيرغ، وتمسك الاردن آنذاك بأن يكون الفلسطينيون جزءًا من المشروع في ظل رفض اسرائيلي استمر لغاية العام 2005، حين بدأ التفاوض على الشروط المرجعية، بإدارة البنك الدولي، وتم تنفيذ دراسات ثلاث جديدة (فنية وبيئية ودراسة البدائل، لكنها لم تأتِ بجديد، من حيث التأكيد على ضخ 1,8 مليار متر مكعب، منها 900 مليون متر مكعب للتحلية (المتر المكعب من المياه المالحة ينتج 50 في المئة مياهًا للشرب و50 في المئة مياهًا مالحة بتركيز عالٍ، و900 مليون متر مكعب للمحافظة على ملوحة البحر الميت نتيجة التبخرquot;.

الأمن المائي في خطر
يقول الناصر إن الاردن يعي ما يحققه المشروع، وأنجز في مجال التخطيط للأمن المائي مشاريع عدة كالديسي وبناء سدود الوحدة والتنور والوالة وانشاء محطة الزارة ndash; ماعين، ولم يبقَ الا مشروع ناقل البحرين الحيوي والاستراتيجي.
أضاف: quot;المياه لدينا لا تكفي للزيادة السكانية والاقتصادية المتوقعة، حيث أن عدد السكان حاليًا 6.7 ملايين نسمة، عدا المغتربين الاردنيين، ويضاف إليهم نصف مليون لاجئ سوري ونصف مليون لاجئ عراقي، وسياح يصل عددهم إلى ثمانية ملايين نسمة سنويًاquot;.
وبين الناصر أن المشروع سينفذ على خمس مراحل تستمر لغاية العام 2060، وهو العام الذي سيكتمل فيه المشروع، وبالتالي فإن أسعار المياه المحلاة سيتم اقتراحها من قبل شركات استشارية يجري اختيارها في حينه عبر طرح عطاءات منافسة عالمية، موضحًا أن تكلفة المشروع تصل إلى اكثر من عشرة مليارات دولار بحسب أسعار العام 2009، مشيرًا إلى أنه سيتضمن ايضًا بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية.
وكشف الناصر لـ إيلاف عن أن الجانبين الأردني والإسرائيلي اتفقا في وقت سابق على إعادة تأهيل نهر الأردن بقيمة 100 مليون دولار تتحملها الحكومة الإسرائيلية، حيث سيتم وقف إسالة المياه العادمة الخارجة من المستعمرات الإسرائيلية والعمل على معالجتها، ومن ثم ضخها في نهر الأردن والاستفادة منها للري أيضًا، لكن اسرائيل لم تلتزم كعادتها في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
الاثر البيئي
في المقابل، عبّر خبراء ومختصون بيئيون اردنيون عن مخاوفهم من عدم توصل دراسات الجدوى البيئية حول مسار مشروع ناقل البحرين (الأحمر - الميت) لنتائج واضحة حول التأثيرات الدقيقة الناجمة عن ضخ أكثر من 300 مليون متر مكعب سنويًا من المياه المحلاة في البحر الميت.
وقال الخبير البيئي الدتور باسل برقان لـquot;إيلافquot;: quot;مشروع ناقل البحرين يهدف إلى إنشاء خط دائم للمياه من البحر الأحمر إلى الميت، لتتم بموجبه استعادة منسوب مياه البحر الميت إلى مستواه التاريخي، وتحلية نحو مليار متر مكعب، تبلغ حصة الأردن منه نحو 570 مليون متر مكعبquot;.
وحذر برقان من الاثر البيئي المترتب على تنفيذ المشروع قائلًا: quot;يجب اظهار الأثر البيئي بوضوح عند خلط المياه الناتجة من خليط قادم من محطة تحلية مياه بمحتواها الكيماوي ومياه مالحة مع مياه البحر الميت، حيث يبدو أن هنالك خطراً من حدوث طبقة جبص بيضاء على سطح البحر، كما أن مد أنابيب في إخدود وادي الأردن أمر خطر، كما نحن بحاجة إلى أن نرى دراسات دقيقة عن أثر سحب المياه من خليج العقبةquot;.
اضاف: quot;الاثر البيئي يبدأ من نقطة سحب المياه من خليج العقبة وأثارها على الحياة البحرية من أسماك و مرجان بالإضافة الى خطورة القناة وتحطمها من الزلازل على طول خط النقل، بالإضافة إلى الأثر السلبي على خلط المياه في البحر الميتquot;.
ليس استراتيجيًا
أشار برقان إلى أن الغموض يكتنف المشروع، quot;فالتفاصيل ليست واضحة بسبب وجود مشروعين الاول متفق عليه كنتاج لإتفاقية وادي عربة بين الاردن واسرائيل وحصل على موافقة الدول الثلاث ( الأردن، فلسطين وإسرائيل) في العام 2005 على أن تقوم دراسة المشروع من البنك الدولي. ثم أذاعت الأردن في العام 2010 مشروعها الخاص بعد أن لاحظت عدم إهتمام إسرائيل بالقناة، وهذا أمر محيّر quot;.
أما الغموض الثاني المقلق في هذا المشروع هو أن الكلفة المعلنة تقدر بحوالي 12 مليار دولار بحسب مراحله الثلاث، ويسأل: quot;هذا مشروع حساس جدًا لكبر حجمه، فما هي مصادر تمويله؟quot;.
ووفقًا لبرقان، ناقل البحرين لا يشكل حلًا إستراتيجيًا، quot;فإن إلغاء إتفاقية وادي عربة من قبل أي برلمان أردني مستقبلًا يفشل المشروع، كما أنه من الممكن إنشاء محطة تحلية مياه بالعقبة تضخ المياه المحلاة إلى منطقة الديسي، ثم إلى العاصمة عمان، ومنها إلى المحافظات الشمالية ومن دون اقتسام المياه مع أي من دول الجوار، فالمشروع هذا حل سياسي وليس استراتيجياً، فإسرائيل أنشات أكبر محطات التحلية للمياه في المنطقة على شواطئ البحر الابيض المتوسط، وبالتالي هي غير معنية بهذا المشروع الباهظ الثمن في الوقت الحاليquot;.

بدائل قيد الدراسة
نشر البنك الدولي على موقعه الإلكتروني منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي تقريرًا اشار إلى أهمية الأهداف الرئيسية في برنامج دراسة المشروع، والمتمثلة في إنقاذ البحر الميت من التدهور البيئي، وتحلية المياه و/أو توليد الطاقة الكهرمائية بأسعار معقولة في الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، وإنشاء رمز للسلام في الشرق الأوسط، في الوقت الذي أشارت فيه تقارير إسرائيلية إلى عدم موافقة وزارة البيئة الإسرائيلية على تقرير البنك الدولي المنشور بسبب تعريض البحر الميت لملوثات بيئية على حد تعبيرها.
تضمنت دراسة حديثة أعدها البنك الدولي خيارات بديلة تشمل نقل المياه من البحر الابيض المتوسط إلى البحر الميت كخيار أول، ومن تركيا عبر خط الانابيب الارضية كخيار ثانٍ، ومن نهر الفرات عبر خط ناقل إلى الاردن كخيار ثالث.
وقالت الدراسة إن خيار عدم تنفيذ المشروع سيدفع الأردن إلى البحث عن طرق أخرى لزيادة مصادر المياه الصالحة للشرب. وتتمثل اكثر الاحتمالات في تحلية مياه البحر في خليج العقبة ومن ثم نقل المياه المحلاة إلى عمان، ويتطلب ذلك، بحسب الدراسة، توسعة خط الديسي، وتحمل كلفة نقل مياه حوض الديسي إلى عمان بما قيمته 1.1 دولار للمتر المكعب على مسافة 325 كيلومتراً تقريبًا، مع ارتفاع ملحوظ في مستوى مسار الخط، ما يتطلب ضخ المياه لتوصيلها.
من الفرات
ومن بين الخيارات التي حددتها الدراسة خيار تحلية المياه، عبر مشروع البحر الاحمر في الأردن، وعبر بدائل أخرى حددت من قبل الاستشاريين سميت بـ (AA1 ndash; AA3).
وأشارت الدراسة إلى خيار آخر بالنسبة للأردن هو مشروع البحر الاحمر، مبينة أنه بديل لم يتم التطرق اليه في الشروط المرجعية التابعة لدراسة البدائل، وأنه مبادرة اردنية فقط ولا تشمل اسرائيل أو السلطة الفلسطينية، ويتألف من 5 مراحل ويهدف في النهاية إلى أخذ 2.150 مليون متر مكعب من مياه البحر الاحمر في خليج العقبة، وتحلية جزء منها لانتاج 80 مليون متر مكعب سنويًا من المياه الصالحة للشرب في منطقة العقبة، ومن ثم نقل الجزء المتبقي من مياه البحر والمياه المالحة عبر خط ناقل لتتم تحليتها في البحر الميت وانتاج كمية اضافية من المياه الصالحة للشرب (850 مليون متر مكعب سنوي).
أما البديل الآخر فيتضمن نقل المياه من نهر الفرات، لأن الكلفة حينئذ أقل من كلفة المياه المنقولة من تركيا، ومنافسة ايضًا لكلفة نقل المياه المحلاة إلى عمان بواسطة ناقل لمياه البحر الاحمر- البحر الميت.