تتنامى مخاوف أقباط مصر مع تنامي الخطاب الإسلامي المتشدد، الذي يجعلهم يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في بلدهم. ومع تفاقم عمليات الخطف التي تروّعهم يؤكد بعضهم أن الهجرة قد تكون ملاذهم الأخير.


ما زالت مصر تعاني تردي الوضع الأمني في مختلف المحافظات عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وأسباب ذلك عديدة ومتنوعة، وإن جاء في مقدمها حقيقة استمرار تأثر وزارة الداخلية بما تعرّضت له من انهيار خلال الفترة الأخيرة.

لعل أبرز مظاهر الفوضى والانفلات الأمني، التي يواجهها المصريون في تلك الأثناء هي عمليات الخطف، التي باتت أوسع انتشارًا من ذي قبل. بيد أن اللافت، بحسب تقرير أعدته بهذا الخصوص شبكة فوكس نيوز الأميركية، هو استهداف العصابات الإجرامية، التي تقوم بتلك النشاطات الخارجة على القانون، للمواطنين المسيحيين.

سردت الشبكة في مستهل حديثها قصة ذلك الطبيب، الذي يدعى عزت كرومر، والذي تم اختطافه أخيرًا من قبل ملثمين مسلحين، وتعرّض طوال مدة اختطافه لمجموعة من الإهانات والضرب والتهديدات، بينما كان معصوب العينين ومكمم الفم والأذنين.

المسيحيون هدف
واعتبرت الشبكة أن قصة كرومر ليست سوى جزء من زيادة كبيرة في عمليات الخطف، التي تستهدف المواطنين المسيحيين، بما في ذلك الأطفال، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، التي تعتبر موطناً لأكبر تجمع للمسيحيين ومركزاً للإسلاميين المتشددين.

وأكدت الشبكة حقيقة تنامي معدلات الجريمة في مصر بشكل عام، لتطال المواطنين المسلمين أيضاً. لكن عمليات الخطف في المنيا كانت تستهدف المسيحيين على وجه التحديد، وذلك في الوقت الذي أرجع فيه الضحايا وقادة الكنيسة وناشطو حقوق الإنسان ذلك إلى المناخ الذي تَكوَّن في البلاد مع تنامي قوة الإسلاميين المتشددين.

للخطاب المتشدد دور
وأشاروا إلى أن المجرمين يتأثرون بخطاب رجال الدين المتشددين، الذين يصوّرون أفراد الأقلية المسيحية في مصر باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. وقد تم الإبلاغ طوال العامين الماضيين عن أكثر من 150 حالة خطف في المنيا، استهدفوا كلهم مواطنين مسيحيين، وفقاً لما ذكره مسؤول كبير في وزارة الداخلية المصرية.

من بين هذه الحالات، تم الإبلاغ عن 37 حالة خلال الأشهر الأخيرة فقط، طبقاً لما أوضحه هذا المسؤول في تصريحات أدلى بها لوكالة الأسوشيتد برس الأميركية، بعدما رفض الكشف عن هويته، نظراً إلى أنه غير مخوّل له التحدث والكشف عن معلومات.

quot;هذا البلد لم يعد ليquot;!
ثم نوهت الشبكة بأن الطبيب كرومر لم يتم الإفراج عنه إلا بعدما دفعت أسرته مبلغاً قدره 270 ألف جنيه (حوالى 40 ألف دولار). وفي تصريحات خصّ بها وكالة الأسوشيتد برس، قال كرومر من محل إقامته في مركز مطاي التابع لمحافظة المنيا (180 كلم جنوب القاهرة): quot;لست قادراً على بدء الحديث معكم بخصوص مدى الرعب الذي انتابني بسبب تلك التجربة، التي خرجت منها وأنا أشعر، باعتباري مواطنًا مسيحيًا، أن هذا البلد لم يعد ليquot;. ثم لفت إلى أنه يتحضر حالياً للانتقال إلى أستراليا، خاصة بعدما ساءت الأوضاع، وبسبب تخوفه مما قد يحدث مستقبلاً.

ورداً على ما قيل بخصوص أن السلطات لا تهتم بالتحقيق في الجرائم التي ترتكب بحق المسيحيين، قال مدير أمن المنيا، أحمد سليمان، إن ذلك يرجع إلى أن أسر الضحايا يدخلون في مفاوضات مع الخاطفين، بدلاً من أن يقوموا بالإبلاغ عن وقائع الخطف.

أما المسيحيون فيؤكدون من جانبهم أنهم لا يشغلون بالهم بالإبلاغ عن مثل هذه الحوادث، نظراً إلى أنهم لا يثقون في الشرطة. ورغم محاولات الطمأنة من جانب المسؤولين، إلا أن المسيحيين يشعرون على الدوام بالخوف، وأن تلك المخاوف بدأت تتزايد لديهم، خاصة بعد الصعود السياسي الأخير للجماعات الإسلامية عقب الثورة.

لا حساب
وأشار أحمد صلاح شبيب، وهو أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان في المنيا، إلى أن المجرمين يقومون بذلك وهم على قناعة بأنه لن تتم محاسبتهم. وأضاف: quot;يشعرون بأن هناك غطاءً سياسياً لكل ما يقومون به. كما إنهم يتعاملون مع المسيحيين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، يفعلون معهم ما يشاؤون من دون حسابquot;.

وقال الأب إستيفانوس، من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مدينة سمالوط، التي سبق أن شهدت عمليات خطف عدة، إن الدولة تشجّع بشكل غير مباشر على ارتكاب الجريمة بحق المسيحيين، نتيجة عدم محاسبة المسلمين المسؤولين عن الهجمات التي تُشنّ على الكنائس والمنازل والشركات المملوكة للمسيحيين في كل مكان.