اقترح الإيرانيون إجراءات غير مسبوقة لضمان أنهم لن يحوّلوا التكنولوجيا النووية السلمية إلى العمل العسكري. لكن الغرب لم يتلقف هذه المبادرة النادرة لتحقيق السلام رغم أن فريق التفاوض الأوروبي أدرك أن العرض الإيراني كان إيجابياً وقانونيًا.


من المتوقع أن يزور وزير الدفاع الأميركي الجديد تشاك هيغل إسرائيل للمرة الأولى اليوم الأحد، وسط تحذيرات جديدة من أن قادة البلاد لم يعد لديهم ما يكفي من الوقت للتعامل مع التهديد النووي الإيراني.

الموضوع النووي الإيراني الشائك كان السبب في توتر العلاقات سابقًا بين إسرائيل والولايات المتحدة، كما كان السبب في فرض عقوبات قاسية ضد طهران، ضربت مجالات اقتصادية حيوية، وأدت إلى انهيار العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة.

لكن من يراقب سياق الأزمة منذ بداياتها، يلاحظ أن الغرب فوّت فرصة ثمينة لحلّ الأزمة النووية الإيرانية قبل ثماني سنوات، والسبب هو التعنّت الغربي، وليس الإيراني، كما يعتقد البعض.

في أوائل الربيع من عام 2005، وصل فريق من الديبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين والألمان إلى وزارة الخارجية الفرنسية في كاي دورسيه على الضفة اليسرى لنهر السين. وكان الوفد المفاوض، الذي تضمن جون سويرز (الآن السير جون، رئيس جهاز المخابرات السرية البريطانية)، قد بحث من دون جدوى عن حل للنووي الإيراني لأكثر من عام.

أزمة مستعصية
في ذلك الوقت، بدت الأزمة مستعصية، وكان فريق المفاوضين الأوروبيين تحت ضغط هائل من الولايات المتحدة، التي كانت مصمّمة على أن إيران يجب أن تتخلى عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

يومها قال الإيرانيون: quot;لدينا اقتراح لكم. إنها فكرة غير رسمية، ولم تتم مناقشتها أو الموافقة عليها من قبل القادة في طهران، لكنها قد تكون بداية يمكننا أن نتفاوض بشأنهاquot;.

بعد هذه الكلمات الأولية، سلم الإيرانيون عرضًا على quot;باور بوينتquot;، أذهل الفريق التفاوضي الأوروبي، فقد كان أساسًا لصفقة جيدة تحمل فوائد حقيقية لكلا الجانبين، على الرغم من ضرورة أن يقدم الطرفان تنازلات متبادلة.

ضمانات
وأوضح الإيرانيون أنهم ليسوا على استعداد للتخلي عن خططهم لتطوير تكنولوجيا التخصيب بالطرد المركزي على الأراضي الإيرانية. لكن في مقابل الاستمرار في برنامج التخصيب، اقترحوا إجراءات غير مسبوقة لضمان أنهم لن يحوّلوا التكنولوجيا النووية السلمية إلى الاستخدام العسكري.

وفقاً لصحيفة الـ quot;تليغرافquot;، عرض الفريق الإيراني تعهدًا رسميًا بأن تظل طهران ملزمة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) - التي تلزم الدول الأعضاء بإخضاع منشآتها النووية للتفتيش الخارجي ndash; طالما أنها مستمرة في برنامجها. وقالوا إن الزعماء الدينيين في إيران ينبذون ويرفضون الأسلحة النووية.

وضع الإيرانيون على طاولة المفاوضات سلسلة من القيود الطوعية على حجم وإنتاج برنامج التخصيب، وعرضوا استقدام مفتشين من وكالة الطاقة الذرية من أجل تحسين المراقبة الدولية على كل الأنشطة النووية في إيران.

ذهول أوروبي
الفريق الأوروبي أصابه الذهول، وقال أحد الديبلوماسيين إن quot;ما كنا قد سمعناه للتو كان العرض الأكثر إثارة للاهتمام. أدركنا أن ما يعرض علينا هو اقتراح متماسك وفي توافق تام مع أحكام المعاهدات الدولية ذات الصلةquot;. ويضيف هذا الديبلوماسي: quot;الثقة لم تكن مشكلة على الإطلاق. على مدى 18 شهراً كنا قد تعرّفنا إلى نظرائنا الإيرانيين، وصرنا على يقين من قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهمquot;.

بعد تقديم العرض، طلب الفريق الأوروبي استراحة لمناقشته في ما بينهم. وعلى الرغم من درايتهم بأهمية العرض وإيجابيته، إلا أنهم كانوا على يقين بأنه من المستحيل أن يحظى العرض الإيراني بقبول الساسة في أوروبا.

أحد الديبلوماسيين يختصر المشكلة بالآتي: quot;لم تكن هناك ولو فرصة ضئيلة بأن المستشارين الجمهوريين للرئيس جورج بوش وحلفاء إسرائيل من شأنهم أن يسمحوا له أن ينظر في مثل هذه الصفقةquot;. لذلك عندما عادوا إلى طاولة المفاوضات بعد ساعة واحدة، حاولوا المراوغة، فأشادوا بالعرض الإيراني، ولكن طلبوا مهلة حتى تنظر حكوماتهم فيه.

وعندما نقل جون سويرز العرض الإيراني إلى لندن، سرعان ما أصبح طيّ النسيان. وفقًا لمصادر وزارة الخارجية، تدخل توني بلير للتأكد من ذلك. وفي وقت لاحق أوضح السير جون إلى سيد حسين موسويان المتحدث باسم فريق التفاوض النووي الإيراني، لماذا تم رفض العرض، فقال: quot;واشنطن لن تتسامح مع تشغيل، ولو جهاز طرد مركزي واحد في إيرانquot;، وفقاً لمذكرات موسويان.

هكذا وئدت فرصة السلام على يد الغرب، بالرغم من أن فريق التفاوض الأوروبي أدرك أن العرض الإيراني كان إيجابياً ويتفق تماماً مع القانون الدولي.

توقف التخصيب مطلوب
في 5 آب/أغسطس 2005، عاد ديبلوماسيون أوروبيون مرة أخرى إلى إيران حاملين معهم عرضهم الخاص، إنما بشروط مذلّة، إذ يطلب من طهران quot;تعهداً ملزماً بعدم متابعة أنشطة دورة الوقود الأخرى، والاكتفاء ببناء وتشغيل الطاقة التي تعمل بالماء الخفيف ومفاعلات البحوث. بعبارة أخرى، كان المطلوب أن تتوقف كل عمليات التخصيب والأنشطة ذات الصلة على الأراضي الإيرانية.

هذا يعني أن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا قد كسرت الالتزام التي قطعته في بداية المفاوضات للاعتراف بحق إيران القانوني بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، رهناً على الدوام بـ quot;ضمانات موضوعيةquot;.

وفي كلمة ألقاها أمام الأمم المتحدة في 17 أيلول/سبتمبر 2005، قدم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عرضاً أذهل الجميع، ينصّ على أن يُدار برنامج التخصيب الإيراني من قبل فريق دولي، مع موافقة إيران على الملكية المشتركة مع بلدان أخرى. مرة أخرى، تم رفض هذا العرض من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

هذا التعنّت الأوروبي جعل إيران الطرف الوحيد في معاهدة عدم انتشار السلاح النووي، الممنوعة من تخصيب اليورانيوم على أراضيها. ولم يكن غريباً بالتالي أن إيران رفضت هذه المقترحات بصورة قاطعة، واستمرت في برنامجها النووي مع العواقب التي نعيشها اليوم.

أوروبا فقدت فرصة تاريخية من أجل التوصل إلى تسوية شاملة مع إيران بشأن مجموعة واسعة من القضايا، فلماذا كل هذا الغضب والضغوط لعزل البلاد وفرض عقوبات تقود الملايين من الإيرانيين إلى حافة الفقر واليأس؟.