24 نيسان ذكرى أليمة في ضمائر أرمن لبنان. ففي هذا اليوم من العام 1915 عاشوا مذبحة أليمة، ولا يزال احفاد القتلى يذكرون المآسي التي سوّدت تاريخهم.


بيروت: 24 نيسان/ابريل عام 1915، تاريخ أسود في ذاكرة الشعب الارمني، تاريخ بداية القدر المأساوي لهذا الشعب، ففي ذلك التاريخ اعتقلت السلطنة العثمانية المئات من القادة السياسيين، والمفكرين الارمن في اسطنبول، واغتيلوا كمرحلة اولية للإبادة الاولى في القرن العشرين.

إبادة الشعب الارمني تمت عام 1915، على يد فرق السلطان عبد الحميد الثاني، وحصدت ما يقارب المليون ونصف المليون أرمني. وبين عامي 1915 و1923، نُفي مئات الآلاف من الارمن، مستهدفين ثقافتهم وتاريخهم وجغرافيتهم.

أما الذين نجوا من الابادة، فمات بعضهم من الانهاك والجوع، خلال توجههم نحو المنفى، لم يختر الارمن وجهتهم نحو المنفى، ولم يختاروا الشتات في دول العالم بما فيها لبنان، بل فرض عليهم هذا الامر، ولكل ارمني قصة معاناة يرويها لابنائه واحفاده، قصة تتناقلها الاجيال من جيل الى جيل وكل فرد يحلم باسترجاع اراضي اجداده، وحقه الذي ضاع.

وقد تعرّض السكان الارمن لسوء المعاملة والاستبداد لعصور طويلة، بخاصة في الاراضي الارمنية، واتخذ الآلاف وجودًا غير مستقر تقريبًا في كل مكان من السلطنة.

عام 1987 أعلن البرلمان الاوروبي أن المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الارمني، خلال الحرب العالمية الاولى، تشكل جريمة إبادة، تماشيًا مع اتفاق الامم المتحدة حول الابادة، وطالبوا الاتراك الاعتراف بالابادة اذا ارادوا فعلاً أن ينظر الاوروبيون بايجابية الى طلبهم الانضمام الى المجموعة الاقتصادية الاوروبية.

تحت ضغط الحلفاء، اعترفت الحكومة التركية بالجرائم المقترفة بحق الارمن، لكنها لم تصنفها جرائم ضد الانسانية مطلقًا.

واعترفت دول عدة بالابادة، منها الولايات المتحدة الاميركية، السويد، ولبنان.

عام 2009 وقِّع بروتوكول بين تركيا وارمينيا، مما اثار غضب الشعب الارمني، ورفضوا توقيع هذه الاتفاقية، فقد وضعت تركيا شروطًا على ارمينيا لعودة العلاقات الى طبيعتها ومنها على ارمينيا التنازل عن مطلب الاتراك الاعتراف بالابادة، على ارمينيا أن تعترف بالحدود الفاصلة بين ارمينيا وتركيا، وعلى الارمن التنازل عن حق تقرير المصير في كاراباخ.

مآسٍ في ذكريات

أمام كل المآسي التي مرت بالشعب الارمني، ماذا يقول ارمن لبنان عنها، وما الذي علق في اذهانهم من اخبار الاجداد والآباء؟

اوساب سيركيجيان يتحدث عن معاناة الشعب الارمني عبر ما سمعه عن جده في الماضي، ويقول إن المشاكل لدى الارمن بدأت منذ فترة طويلة خصوصًا مع اعتناق معظمهم المسيحية، فمنذ العام 301، بسبب تعدد الشعوب بالمنطقة، وتعدد الثقافات والديانات، كان هناك عبر التاريخ الكثير من المحطات، التي دفعوا فيها الثمن غاليًا، وذلك تجاه الامبراطورية الفارسية، ومن ثم مع الاتراك.

غارو كسباريان يقول إن والده لجأ الى لبنان بعد quot;المذبحةquot; العام 1915، وأن هذه المذبحة كانت نتيجة سياسية بين الالمان والانكليز عندما سعى الالمان الى انشاء خط سكة حديد بين تركيا والشرق الاوسط واعترض على الامر شخص أرمني، ولذلك تمت المجزرة بحق الشعب الارمني. ابوه كان تاجرًا في ارمينيا سافر الى اليونان وبعدها الى لبنان، وهو يعتبر نفسه لبنانيًا 100%. وهو يحلم بالعودة الى ارمينيا ويقول بأن احلى بلد في العالم هو لبنان، وهو وطنه الثاني.

ارتور يعود الى تاريخ الارمن حيث هم اصحاب الارض، والاتراك هم من احتلوا تلك الارض، ويتحدث عن القرار التركي الذي اتخذ لإبادة الارمن، لأن المناطق الارمنية شكلت عائقًا امام الاتراك، وللدولة العثمانية. وهو يختزن من جده العديد من ذكريات عن مآسٍ رافقت اللجوء الى لبنان، ويفضل عدم الحديث عنها لأنها تعيد اليه كل الاحزان الماضية التي كان يخبره بها جده مرارًا وتكرارًا.

وفي لبنان ما يقارب الـ 100 الف أرمني، 80 الفًا من الارثوذوكس و20 الفًا من الكاثوليك، يتوزعون على مختلف المناطق اللبنانية ويتواجدون بكثرة في منطقة برج حمود وعنجر وانطلياس، وقد حصلوا على الجنسية اللبنانية ولهم في البرلمان اللبناني العديد من النواب وهم يتوزعون على ثلاثة احزاب رئيسية: الطاشناق والهنشاك ورامغفار.

ولعب الارمن في لبنان دورًا مهمًا في الحياة الاجتماعية وشكلوا ثقلاً في الحياة السياسية وبقوا على مسافة واحدة من جميع الطوائف المكونة للشعب اللبناني فلم يستفزوا مشاعر أحد ولم يشاركوا في الاحداث الداخلية ودفعوا ثمنًا باهظًا بسبب موقفهم هذا، الا أنهم لم يتراجعوا عن هذه الاخلاقيات وقد احبهم الجميع واحترموا من قبل الجميع. واتسم الارمن بالصدق في تعاملهم وحسن ادائهم. صدقوا في المعاملة وصدقوا في الحياة السياسية وبرز منهم نواب ووزراء وقادة جيش ولهم صحف تصدر باللغة الارمنية quot;ازتاكquot; وسواها، ولم يسكن الارمن في مساكن خاصة بهم، فأحياؤهم خليط من مختلف شرائح الشعب اللبناني ولهم مدارس وكليات اهمها كلية quot;هايكازيانquot;. ويتكلم الارمن اللغة العربية الى جانب احتفاظهم بلغتهم الام وارتباطهم العاطفي بانتمائهم فاندمجوا في مجتمعهم .