يتخوف المعنيون بقطاع الآثار في مصر من خطوة زحف بعض الأسر نحو مواقع أثرية لاستقطاع مساحات منها وتخصيصها لدفن موتاهم بعدما عجّت المقابر القديمة بأسلافهم، وما قد ولّد لدى البعض من رغبةفي التنقيب بشكل غير قانوني عن آثار بهدف التجارة بها.


بدأت مخاوف تظهر خلال الآونة الأخيرة بشأن مستقبل المساحات الخاصة ببعض المناطق الأثرية في مصر، خاصة مع تزايد مخالفات البناء، واستمرار إقدام المواطنين في تلك الأماكن على البناء بشكل مخالف للقانون، تحقيقًا لمصالحهم الشخصية.

ففي منطقة منشية دهشور، 25 ميلاً جنوب القاهرة، قام الأهالي أخيرًا بتمديد حدود المقابر هناك. وأشار أحدهم، ويدعى أحمد راغب، ويعمل نجّارًا، وقد دفن ابن عمّه أخيرًا في ملحق المقابر الجديد، إلى أن قرارهم الخاص بتوسيع المقابر كان قرارًا منطقيًا.

زحمة موتى
أضاف: quot;نحن نريد أن ندفن الموتى. والمشكلة التي تواجهنا في الوقت الحالي هي أن المقابر القديمة باتت ممتلئة. وليس هناك مكان آخر يمكننا أن ندفن فيه أقرباءناquot;.

ولفتت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في هذا الخصوص إلى أن المشكلة الحقيقية تتمثل في قرب تلك المقابر الجديدة من بعض أقدم المناطق الأثرية في مصر، وهي أهرامات دهشور، التي تحظى بشهرة، ولكن أقلّ من نظيرتها الأكبر في الحجم في الجيزة.

ورغم أن تلك الأرض محمية، وليس من حق أحد أن يبني هناك، كما هو مفترض، إلا أنه قد تم بناء أكثر من 1000 مقبرة غير قانونية منذ مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي.

احتلال لعشرين جيلاً
ومضت الصحيفة تنقل عن محمد يوسف، كبير الأثريين في منطقة دهشور، قوله: quot;لا يمكن وصف ما حدث سوى بالجنون. فقد أتوا واحتلوا مساحة تكفي لعشرين جيلًاquot;. وتتواجد تلك المقابر الجديدة في الكثبان الرملية الموجودة أسفل الهرم الأحمر، الذي يعتبر أول محاولة ناجحة للفراعنة في تشييد بناء ناعم أو ممهد من الجوانب.

الآثار هدف محتمل
فيما قال موظف كان يُصلِّي في المسجد القريب من المقابر، يُدعى رضا دبوس: quot;الناس جميعهم ولدوا هنا. وتوفوا هنا. ويجب أن يكون لهم الحق في أن يدفنوا هناquot;. وعاود عالم الآثار محمد يوسف ليقول في هذا الشأن: quot;بعض الأهالي في حاجة حقيقية إلى مقابر لأسرهم. ومعروف أن تلك الأراضي مخصصة باعتبارها تابعة للدولة منذ أواخر سبعينات القرن الماضي. لكن حين يكون لديك 1000 شخص، فإن بعضهم سيرغب في التنقيب بشكل غير قانوني عن آثار بغية نهبها وسرقتهاquot;.

وهو الرأي الذي اتفق معه آخرون، حيث قال شخص، يدعى رمضان القط، وهو مفتش مواقع نشأ في منشية دهشور: quot;إنهم يستخدمون المقابر الجديدة في إخفاء ما يقومون بهquot;.

وأكد مراقبون أن بناء المقابر الجديدة هو أحدث التوغلات الممنوعة، التي تزايدت بشكل ملحوظ منذ ثورة 25 كانون الثاني/ يناير عام 2011. واتضح، وفقًا للأرقام والإحصاءات، أن ما يزيد على 500 عملية تنقيب غير شرعية، قد حدثت في دهشور منذ العام 2011، وهي الزيادة التي حدثت في مواقع في أنحاء الجمهورية كافة.

وقالت مونيكا حنا، التي تدعم تجميع موارد كبرى في مواقع مصر الأثرية القديمة: quot;دهشور ما هي إلا نموذج لما يحدث في كل المواقع الأثرية في مصر. فهذا الأمر عينه يحدث حول وادي النيل، وفي بني سويف، وفي كل مكانquot;.

وفي الأشهر التي تلت سقوط مبارك في مطلع عام 2011، قام نيغل هيثرينغتون، عالم آثار بريطاني ومخرج سينمائي، بتوثيق العشرات من عمليات البناء غير المشروعة في مواقع قديمة بين القاهرة ودهشور. وأضاف quot;كانوا يبنون علانيةً، ولا يخشون من أن يتم تصويرهمquot;.

الوظائف تنقذ الأهرامات
ورأت الصحيفة أن هذا الموقف ما هو إلا انعكاس لتدهور القانون والنظام منذ سقوط نظام مبارك. وعاود القط هنا ليقول: quot;الأمر بالغ الخطورة بالنسبة إلينا. واللصوص يختبئون خلف المقابر، ويطلقون علينا الرصاصquot;. مع هذا، فإن كثيرًا من السكان مازالوا يفرّقون بين أفعالهم وبين الهجمات التي تنظمها العصابات المسلحة.

وأرجع هيثر ينغتون السبب وراء عمليات البناء المخالفة إلى اغتراب السكان الاقتصادي والاجتماعي عن تراثهم القديم. وختمت الصحيفة بنقلها عن شاب يدعى وليد إبراهيم تأكيده أن البطالة تلعب دورًا في الموضوع، قائلًا quot;لا يهتم كثيرون بالأهرامات. فهم بلا وظيفة. لكن إن وفرت الحكومة وظائف لهم، فإنهم سينقذون الأهراماتquot;.