من الدمام: صدر عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي بالسعودية كتابا هاما عن الشعر الحديث في الاحساء شرق المملكة العربية السعودية خلال القرن الرابع عشر الهجري للباحث خالد بن سعود الحليبي. والكتاب الجديد عبارة عن رسالة علمية لدرجة الماجستير من كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود.

وأشار النادي الأدبي لهذه الدراسة بأنها أول دراسة أكاديمية مختصة في أدب الاحساء، لم تقف عند حدود العنوان بل درست بيئة الاحساء جغرافيا واجتماعيا وثقافيا، تحدثت عن الحياة العلمية منذ مطالع نهضتها حتى رسخت أركانها في نهاية الفترة المدروسة الممتدة خلال قرن كامل هو القرن الرابع عشر. ثم تناولت الحياة الأدبية ملمحة إلى جذورها في الأدب العربي القديم ومحاولة الإلمام بتاريخ النشر الحديث وبداياته و أعلامه ومركزة- نوعا ما – على الشعر خلال ثلاثة قرون سبقت هذا القرن والتي

تمثل القاعدة التي انطلقت منها إشعاعات الشعر بكل ألوانه في العصر الحديث.

قسم الباحث هذه الدراسة الهامة إلى تمهيد تناول فيه بيئة الاحساء في القرن الرابع عشر الجغرافية والاجتماعية والثقافية. بالإضافة إلى تمهيد عن الشعر في الاحساء من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر الهجري. أما البحث فجاء في خمسة فصول : الأول ناقش فيه أسباب انتعاش الشعر في القرن الرابع عشر الهجري وعزى ذلك إلى عدد من الأسباب أهمها نشوء الأسر العلمية والاستقرار السياسي والنهضة العلمية الحديثة. وفي الفصل الثاني تحدث عن مصادر الشعر ألا حسائي وجاء في مقدمتها كتاب شعراء هجر وكتاب تحفة المستفيد وكتاب مختارات آل عبد القادر والدواوين المطبوعة. وخصص الفصول الثلاثة الأخيرة عن الدراسة الأدبية للشعر ألا حسائي الذي يعتقد المؤلف ان أحد أسباب نشؤه ومصادره هي عدد محدد من الأسر الاحسائية.

ولا شك إنها دراسة جادة و توثيقية للبيئة الأدبية الاحسائية، ودراسة موضوعية لعدد كبير لشعراء الاحساء. إلا إنها ليست دراسة لكافة شعراء الاحساء خلال القرن الماضي.فنحن نعتقد جازمون ان الباحث قد غيب دون قصد العديد من شعراء الاحساء. كما إنها ليست دراسة شاملة لكل الموضوعات الشعرية التي تناولها الشعراء الاحسائيون. ففي شعر الرثاء مثلا يقول الباحث ( رثى الشعراء علماءهم و أقرباءهم و أصحابهم وبعض الزعماء السياسيين ) ولم يشر إلى كم هائل من الشعر الرثائي في مقتل الإمام الحسين في كربلاء للشعراء الاحسائيين. أما في موضوع الشعر الديني فتتجدد عدم الإشارة إلى موضوع مدح النبي وآل بيته، والتي كانت أحد أهم المواضيع التي عرفها الشعر العربي منذ حسان ابن ثابت و الفرزدق والكميت وغيرهم من الشعراء الكبار على امتداد التاريخ الإسلامي في مختلف عصوره.

ولعل من ابرز المؤاخذات على هذه الدراسة سقوطها في فك التوثيق الأسري ففي مدخلها حصر الباحث الشعر على عدد محدود من الأسر العلمية ( الشاعرة ) في الاحساء. هذا المدخل لهذه الدراسة لم يستطع الباحث التخلص منه في كل الفصول الثلاثة اللاحقة. ففي دراسته الأدبية لموضوعات الشعر جاءت معظم تطبيقاته على شعراء تلك الأسر الاحسائية، وكذلك عند دراسة الخصائص الفنية في الفصل الرابع، حيث وجد الباحث نفسه ملزما بدراسة أسلوب وموسيقى الشعر عند شعراء الأسر العلمية التي وضعها مدخلا لبحثه. أما الفصل الخامس والأخير عن موازنة الشعر في الاحساء وباقي مناطق المملكة فهي دراسة استنتاجية لما سبق ان تناوله من شعراء الأسر العلمية، أي ان النتيجة هنا حتمية في ضوء المقدمات السابقة.

وتعتبر الدراسة من البحوث الجادة والهامة التي قام نادي المنطقة الشرقية الأدبي بطباعتها ونشرها كما هي عادته في تبني البحوث الهامة مثل طباعته للموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية، وطباعته للبحث الهام عن قبيلة عبد القيس وغيرهما من البحوث الأدبية والتاريخية خلال السنوات الماضية. الأمر الذي أثرى الحركة الثقافية ليس في المنطقة الشرقية فقط بل في كل الساحة المحلية في المملكة.

ويعتبر الدكتور خالد بن سعود الحليبي من الأسماء المعروفة في الحياة الأدبية في شرق المملكة، ومن الأقلام الجادة التي تحاول الكتابة بتأمل عميق و بموضوعية عن الجوانب الثقافية والأدبية في منطقة الاحساء التي تتعدد فيها ألوان الطيف الثقافي والاجتماعي. وتحتاج دراسته تلك إلى مساحة اكبر من القراءة والتناول العلمي. وهي بلا شك ستبقى مدخلا هاما لدراسة الشعر والشعراء لجميع الدارسين في أدب موطن طرفة ابن العبد وابن مقرب العيوني.