كشف مؤرخ صيني لغز تنازل آخر أباطرة الصين عن العرش ومغادرة المدينة لمحرمة ليعمل بستانيًا حتى مماته. فقد تم ذلك بمؤامرة شاركت فيها والدته بالتبني وحارسها لمخصي، ورئيس الوزراء آنذاك، الذين قبضوا ثمن خيانتهم ملايين من الدولارات الفضة.


لندن: كان بوي طفلًا صغيرًا لكنه كان إلهًا حيًا، أُخذ وهو يرفس ويبكي إلى المدينة المحرمة ليواصل ما يربو على ألفي عام من الحكم الامبراطوري في الصين. وكان عمره وقتذاك سنتين وعشرة أشهر. وبعد سنوات، وتحديدا في العام 1912، كانت الصين تغلي بالثورة حين وقعَّت أمه بالتبني، الامبراطورة الأرملة لونغيو، اوراق تنازل أجبرته على التخلي عن عرش التنين. ومنذ ذلك الوقت، حار الباحثون في نهاية الحكم الامبراطوري الصيني، متسائلين عن السبب الذي دفع بالامبراطورة إلى خطوتها هذه. واليوم، حل المؤرخ جيا ينغهوا (60 عامًا) هذا اللغز، إذ اكتشف أن السبب هو رشوة الامبراطورية بنحو 20 ألف تايل، أو 1700 رطل من الفضة، مع التهديد بقطع رأسها إن رفضت العرض.
وقال جيا: quot;كان ما حدث حساسًا للغاية، إذ مر أكثر من 100 عام قبل أن يتسنى الكشف عن حقيقة المسالةquot;.
ونشر جيا اكتشافه في كتاب بعنوان quot;الحياة الاستثنائية للامبراطور الأخيرquot;، مستندًا فيه إلى الأرشيف السري المحفوظ في مجمع القيادة الصينية، وإلى مقابلات مع أقارب أشخاص كانوا حينها في حاشية البلاط.

البلاط الهزيل
ما زال الامبراطور بوي، الذي صور حياته سينمائيًا المخرج برناردو برتولوتشي في فيلم الامبراطور الأخير، موضع اهتمام وافتتان الصينيين. وقال جيا عن هذا الإمبراطور إنه كان متميزًا، quot;عاصر ثلاث سلالات، ويمكن تلخيص كل ما عرفته الصين من ثورات خلال القرن الماضي في شخصهquot;. أضاف: quot;شهد بوي انتقاله من امبراطور إلى بستاني، وفي سنواته الأخيرة علق صورته مع الرئيس ماو فوق السرير في غرفة نومهquot;.
وما زالت عناصر مهمة من حياة بوي غامضة حتى يومنا هذا، وبقيت بعض تفاصيل سيرته حساسة لا يسمح بنشرها في الصين. ونقلت صحيفة دايلي تلغراف عن جيا قوله إن زمن تنازل الامبراطور بوي كان زمن رشوة المسؤولين الحكوميين وشرائهم بالمال. وكان البلاط الامبراطوري في الأيام الأخيرة من حكم سلالة كنغ هزيلًا، وتمكنت قوى خارجية بينها الامبراطورية البريطانية من هزم كنغ، واقتطاع مناطق غنية من الصين، وفرض الاتاوات الضخمة على الامبراطور المهان. وبعد أن فقد البلاط ما لديه من مصادر دخل، اضطر إلى رهن ملابس الحرير الباذخة التي كان يرتديها الامبراطور غوانغشو، سلف بوي، كما اشار المؤرخ جيا.
خارج المدينة المحرمة، كانت الانتفاضات تجتاح الصين، ونزل مواطنوها إلى الشارع مطالبين باقامة نظام جمهوري. وبغية تهدئة الوضع، قرر البلاط الامبراطوري تعيين الجنرال يوان شيكاي، أحد قادة الجيش الشمالي الكبير، في منصب رئيس الوزراء. لكن المؤرخ جيا قال إن يوان عقد العزم على خلع الامبراطور الأخير بالاقناع أو بالتهديد أو برشوة مسؤولين متنفذين في البلاط. ولم يكتف يوان برشوة والدة الامبراطور بوي بالتبني، بل اشترى ايضا أقرب حراسها المخصيين، شياو ديجينغ، كما رشا الأمير يكوانغ الذي كان من أقوى الشخصيات في بلاط الامبراطور.

بالرشوة والتلفيق
وقال المؤرخ جيا: quot;في العام 1911، أفادت صحيفة تايمز البريطانية أن رصيد الأمير يكوانغ في حسابه المصرفي في هونغ كونغ وشنغهاي بلغ مليوني دولار فضة، نتيجة الرشاوى من أجل خلع الامبراطورquot;.
في هذه الأثناء، تلقى الحارس المخصي مبلغًا مماثلًا يعادل اكثر من مليون جنيه استرليني بنقود اليوم، واستخدمه لبناء بيت في تيانجن، متخم بكنوز منهوبة من القصر الامبراطوري.
وقال حارس الامبراطورة المخصي للصحيفة إنها هي ايضا ستغتني إذا وقعت اوراق التنازل عن عرش التنين، quot;وإذا رفضت سيكون مصيرها مصير لويس السادس عشر خلال الثورة الفرنسية، أي قطع الرأس بالمقصلةquot;، بحسب المؤرخ جيا.
ولم يتوقف الجنرال يوان عند هذا الحد بل مارس ضغوطا على البلاط بتلفيق سلسلة من رسائل التهديد.
وكانت تربط الجنرال يوان علاقة طيبة بالسفارة الروسية، فطلب من الروس أن يكتبوا رسالة تقول: quot;إذا لم توقع الامبراطورة أوراق التنازل فإن القوى الغربية ستفرضه في كل الأحوالquot;.
كما لفق يوان سرًا برقية باسم 44 قائدًا عسكريًا يطالبون بالغاء الامبراطورية، بحسب دفاتر مساعده زينغ يوجون.
وأُجبر الامبراطور بوي بعد تنازله على مغادرة المدينة المحرمة، وأصبح لفترة قصيرة دمية يحركها اليابانيون في شمال شرقي الصين الذي وقع تحت سيطرتهم.
وبعد انتصار الثورة الشيوعية، لاقى بوي معاملة ودية من الرئيس ماو، وسُمح له في النهاية بقضاء الأيام الأخيرة من حياته في بكين، حيث عمل بعض الوقت بستانيا. وتوفي في العام 1967 نتيجة مضاعفات من جراء اصابته بسرطان الكلى ومرض القلب.