تداعت المؤسسات النسوية في فلسطين لعقد المؤتمرات وتنظيم الاحتجاجات والفعاليات المنددة بظاهرة قتل النساء، وذلك في أعقاب مقتل فتاة من بلدة الزعيم بمدينة القدس دون أن تتضح أسباب قتلها حتى الآن.


أعلن أخيرًا عن وفاة إمرأة من قطاع غزة وهي حامل بشهرها السابع، نتيجة تعرضها لضربة قاتلة خلال شجار وقع بمنزلها في بلدة خزاعة شرق خان يونس، حيث اعتدت عليها حماتها وشقيقات زوجها، من دون أن تتضح أسباب الشجار، وباشرت الأجهزة المختصة بالتحقيق بالحادثة.

ومع العثور على جثمان فتاة من القدس إلى جانب طريق وادي النار في محافظة بيت لحم، تداعت المؤسسات النسوية لتنظيم الفعاليات المنددة بقتل النساء، وتصاعدت أصوات المؤسسات الداعمة لحقوق المرأة، والمطالبة بضرورة إنزال أقصى العقوبات بمرتكبي جرائم القتل ضد النساء مهما كانت الأسباب.

المجتمع هو المسؤول

أكدت الأخصائية الاجتماعية في جمعية المرأة العاملة في نابلس بالضفة الغربية فتنة خليفة في تصريح لـquot;إيلافquot; أن دوافع القتل متعددة، وتتمثل في النظرة الدونية للمرأة بسبب الثقافة المجتمعية والفكر الذكوري المتسلط وتضارب المصالح. وقالت خليفة: quot;لا تقتل النساء بدواعي الشرف، بل تقتل بدوافع المطالبة بالميراث وتسجل بدواعي الشرفquot;.

أضافت: quot;هناك بعض الثغرات في القانون، ومن بينها البنود التي تشجع على القتل وتبيحه، مثل العذر المخفف الذي يمنح القاتل عقوبة مخففة في حال كانت بدواعي الشرف، ومثل تخفيف الحكم للقاتل الذي يكون دون 18 عامًاquot;. وأوضحت أن الذهنية العربية تتناقض ما بين التطور والتعليم والعمل، وما بين الفكر السائد المعشعش في الدماغ الذكوري، quot;فإن دوافع القتل تكمن في السيطرة بمختلف معانيها، كسيطرة الأب والأخ وابن العم، وهذا ما تعززه العادات والتقاليد والثقافة الموروثة، فقد تم قتل ست نساء وطفلتين في النقب ومواطنة حامل بغزة منذ أول العامquot;.

لتكثيف التوعية

بينت خليفة ضرورة وجوب قانون يحمي النساء من العنف والقتل، مشددة على ضرورة وجود قانون أسرة حضاري وقانون عقوبات حضاري. ولفتت إلى مشكلة تعطل المجلس التشريعي وعدم انعقاده، quot;الأمر الذي أدى لتعطل سن التشريعات والقوانين والتعديلات المطروحة، وهنا أشدد على ضرورة أن تقوم المؤسسات الحكومية، وخصوصًا وزارتي شؤون المرأة والشؤون الاجتماعية، بتطوير آليات الحماية للنساء المعنفات، ليس من خلال تطوير البيوت الآمنة بل من خلال تكثيف العمل مع الأسر لزيادة قدرتها على حماية بناتها ونسائها، أطالب بتكثيف التوعية والارشاد من قبل المؤسسات غير الحكومية، لتحسين العلاقات والاتصال والتواصل لمناهضة العنف داخل الأسرة والمجتمعquot;.

ثغرات قانونية

أكدت الإعلامية والناشطة النسوية بثينة حمدان، في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;، وجود العديد من الأسباب التي تساهم في استمرار قتل النساء في فلسطين.

قالت حمدان: quot;إن التشريعات المعمول بها تبيح القتل بسبب وجود ثغرات ومشاكل قانونية تخفف الحكم على القاتل وتستغل من قبل القتلة، كما أن السلطة التقديرية المتاحة للقاضي تستخدم لتخفيف العقوبة، إضافة الى وجود مشكلة في وكلاء النيابة الذين يترفعون عن الضحايا حيث يكونون أقل مستوى من المدافعين عن القتلة لثغرات القانونquot;.

ولفتت حمدان إلى أن غياب المحاكمة العادلة للقاتل تعد مشكلة كبرى، خصوصًا أن بعض القضايا التي تشكل حولها قضية رأي عام لم تحل حتى الساعة، كقضية آية البرادعية التي وجدت مقتولة في بئر بالخليل قبل نحو عامين.

وبخصوص الحملات المنددة بقتل النساء، أكدت حمدان، وهي مؤسسة مجموعة quot;صبايا حائراتquot; على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، أنها بادرت مع عدد من النساء لتشكيل هذه المجموعة على موقع التواصل الاجتماعي منذ عامين، وتضم نشطاء وكتّاباً وأدباء وصحافيين ومثقفين، للحديث عن كافة الظواهر وليس قتل النساء فحسب.

لم تنجح بعد

بحسب حمدان، تهدف المجموعة لإعداد أوراق عمل وارسالها للمسؤولين وتعميمها على كافة المسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين، وإيصال صوت المرأة وآرائها إلى جميع فئات الشعب بكافة الوسائل المتوفرة، quot;إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تغيير القوانين، لعدم توافر الإرادة لدى السياسيين لتغييره، الأمر الذي تسبب بحالة من الإحباط العام، كما أن مجموعة صبايا حائرات لم تحظَ بالتجاوب في مسعاها حتى الآن، ولاقت تشكيكًا في جهودها، فالمشكلة الأولى والأخيرة تكمن في القانون الذي لم يتغيّر ولم يتم تعديله بسبب تعطل المجلس التشريعي وعدم إصدار الرئيس الفلسطيني مرسومًا رئاسيًا لاعتماد مسودة قانون العقوباتquot;.

أضافت حمدان: quot;إن مسودة قانون العقوبات بانتظار القرار الرئاسي لاعتماده، وهي مسودة تشمل تعديلات على كثير من القضايا المتعلقة بقتل النساء على خلفية قضايا الشرف، وتعديلات على قوانين الأحوال الشخصيةquot;. وبادرت حمدان لإطلاق حملة بعنوان quot;معًا لاستصدار قرار رئاسي يجرم قتل النساءquot;، ودعت لمعاقبة القتلة بشكل متساوٍ دون تمييز.

لا أعذار بعد اليوم

في سياق متابعة العنف ضد النساء، نظم منتدى المنظمات الأهلية لمناهضة العنف ضد المرأة في الضفة الغربية مؤتمرًا تحت عنوان quot;ليتوقف مسلسل قتل النساء فورًاquot;، في أعقاب جريمة قتل الفتاة ميناس قاسم، التي عثر على جثتها ملقاة على جانب الطريق بعد ثلاثة أيام من اختفائها في القدس.

وشددت المشاركات في المؤتمر على ضرورة منع القتل مهما كان الجنس والعمر والدين، وطالبْنَ بتشديد العقوبات على الجناة. ودعا المشاركون في المؤتمر القضاء الفلسطيني إلى ضرورة إنزال أشد العقوبات بمرتكبي جرائم قتل النساء وعدم تخفيف العقاب.

وفي سياق متصل، شدد مختصون وحقوقيون على ضرورة وجود قرار رئاسي يجرم قتل النساء في فلسطين، والعمل على تعديل القوانين التي تخفف العقوبات عن المجرمين، خلال ندوة نظمها إئتلاف قانون العقوبات الفلسطيني ومنتدى المنظمات الأهلية لمناهضة العنف ضد المرأة وطاقم شؤون المرأة ومجموعة صبايا حائرات وتحالف ألواني على فايسبوك. وجاءت الندوة بعنوان quot;جرائم قتل النساء... لا أعذار بعد اليومquot;، ودعا المشاركون فيها لتكثيف حملات التوعية للمواطنين حول مخاطر جرائم قتل النساء بمختلف أشكالها.

الرئاسة مستعدة

خلال الندوة، قال حسن العوري، مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون القانونية: quot;إن الرئاسة على استعداد لمناقشة المقترحات المتعلقة بتعديل أو إصدار قوانين جديدة، للقتل على خلفية ما يسمى 'الشرف'، ومناقشتها بطريقة علمية ومعمقة، نستطيع معها إنهاء هذه الجرائم وتحقيق العدالةquot;.

وتحدث الأمين العام لمجلس القضاء الشرعي جاد الجعبري، حول موقف الشريعة الإسلامية من القتل على خلفية الشرف، قائلاً: quot;إنها من الكبائر، كونها إثباتاً للحد من دون وجود دليل، خصوصًا أن القتل لا يمكن الضحية من الدفاع عن نفسها ورد التهمة عنهاquot;.

وأشار رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس الأب عطا الله حنا إلى موقف الكنائس والمؤسسات المسيحية الرافضة لكافة أشكال القتل، مؤكدًا وقوف المسيحيين إلى جانب مطالب المؤسسات النسوية في هذا الجانب.