في حسابات حزب الله، الوقوف موقف المتفرج على ما يحصل في سوريا يهدد وجود الحزب في بيئته الحاضنة، لذا التدخل في الحرب السورية ضد من أسماهم التكفيريين أقل ضررًا وكلفة من العزوف عن ذلك.


بيروت: الخطوة التي اتخذها حزب الله بخوض حرب ضد الجهاديين الأجانب ليست مهمة معتادة بالنسبة لحزب الله المعروف بأن هدفه هو مواجهة إسرائيل. عندما شرح حسن نصر الله، أمين عام الحزب، سبب إرساله مقاتلين إلى داخل سوريا، اهتم بتذكير أنصاره بأنهم لا يعيشون في جيبوتي بل على حدود دولة تتسبب انتفاضتها المستمرة منذ عامين في تهديد وجود حزبهم نفسه. وبالإنغماس في الحرب الأهلية السورية، يأخذ حزب الله أتباعه إلى اتجاه غير معتادٍ في مقامرة قد تساعد في إنقاذه من ذلك التهديد وإكسابه القوة والثقة، أو ينتهي أمره بهزيمة نكراء تؤدي إلى تداعيات خطيرة، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وحزب الله يرهن سمعته وأمنه بجهوده في سحق الثورة السورية، التي تبغضها القاعدة الشيعية لحزب الله، لكنها ذات شعبية لدى منافسي الجماعة في لبنان والأغلبية السنية في العالم العربي الأوسع. والحصة الأكبر التي يمكن أن يحصل عليها حزب الله من هذا الصراع هي نصيب الرئيس السوري بشار الأسد منه، أي النجاة فقط.

ثقة الخطاب
اعتبر المحللون أن خطاب نصر الله، الذي ألقاه في 25 ايار (مايو) بمناسبة عيد التحرير، يضع ضغوطًا على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والحكومات الأوروبية على السواء، خصوصًا في ظل سعي بعض الدول الأوروبية للسير على درب واشنطن، وإدراج الحزب ضمن المنظمات الراعية للإرهاب.
لكن من المرجح أيضًا أن يؤدي خطاب نصر الله إلى تأجيج نيران التوترات الطائفية في لبنان، بشكل يتجاوز ما هي عليه الآن، لا سيما في ظل الحرب الأهلية المستعرة في سوريا.
ويعتقد نصرالله أن الغرب قد يتخلى عن دعمه للمعارضة السورية، نظرًا لانعدام توازنها، بسبب اليد العليا التي تكتسبها الجماعات الجهادية في صفوف المعارضين، وخوفها من أن تنتهي الأسلحة في أيدي المتطرفين، ما يهدد أمن هذه الدول وحلفائها على المدى الطويل.
ودعوة الولايات المتحدة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية والسماح في الوقت ذاته لقطر والسعودية بتسليح المعارضين لم تزعزع ثقة نصر الله في حتمية النصر بل على العكس، إذ يخطط حليفه الأسد للمشاركة في المحادثات المزمع اجراؤها الشهر القادم حول سوريا بقدمين ثابتتين، في حين لا تزال المعارضة منقسمة وغير منظمة.
أهداف نصرالله
كان نصر الله قال إن المعركة في سوريا، quot;كما كل المعارك السابقة، نحن أهلها نحن رجالها، نحن صنّاع انتصاراتهاquot;، منتقدًا من وصفهم بالمنتمين إلى تنظيم القاعدة والتنظيمات التكفيرية.
لتبرير التضحيات الجديدة غير المتوقعة، يقول حزب الله إن تدخله المحفوف بالمخاطر في سوريا حاسم لحماية أهدافه الأساسية المعلنة: تحدي إسرائيل، تمكين المجتمع الشيعي وحماية لبنان. لكن إذا فشل، يكون حزب الله قد جلب على نفسه تداعيات يمكن أن تعرض للخطر كل هذه الأهداف. ومن شأن ذلك أن يضعف الجماعة التي تعاني بالفعل من عزلة، بعد أن توترت علاقاتها مع الداخل والخارج، وسط مخاوف متزايدة من اندلاع حرب اقليمية بين السنة والشيعة.
حتى في الضاحية، معقل الجماعة في الضاحية الجنوبية لبيروت، هناك شعور بالعزلة والقلق الذي يختمر بين بعض مؤيدي حزب الله. وتقول أم حسن، من سكان ضاحية بيروت الجنوبية، إن لا مكان تلجأ إليه هي وعائلتها في حال شنت إسرائيل هجومًا جديدًا على حزب الله.
خلال الحرب الأخيرة، في تموز (يوليو) 2006، لجأ الآلاف من أنصار حزب الله إلى سوريا، حيث استضافهم السوريون في منازلهم، بما في ذلك السنة الذين يهيمنون على الانتفاضة اليوم، والذين يساعد حزب الله نظام الأسد على سحقهم. قالت أم حسن: quot;أين سنذهب هذه المرة؟ لا يوجد مكان للاختباء هناك، حتى لو فزنا في المعركة ضد اسرائيل فأنا لا أرى سوريا كمكان آمن بالنسبة لي كشيعية، سوف نقتَل هناك، إن لم يكن على يد الإسرائيليين، فعلى يد السوريين الغاضبينquot;.
أقل كلفة
إذا نجح حزب الله في قيادة الجيش السوري إلى الفوز في القصير، فهذا يعني أن قدرته غير المعروفة سابقًا في الاعتداء والسيطرة على المناطق صارت أقوى، ما يشكل تهديدًا لإسرائيل. هذا الفوز يمكن أن يزيد من قوة ردع حزب الله ضد إسرائيل، كما أن مصداقيته في التهديد باجتياح شمال إسرائيل في أي صراع مستقبلي ستصبح أكثر جدية.
لكن إذا خسر، أو فشل في الفوز بشكل سريع وحاسم، فقد يعاني حزب الله من ضربة تقوض صورته العسكرية التي صنعها لنفسه، بعد انتصاره على إسرائيل في العام 2006. وحزب الله هو القوة العسكرية الأكثر فعالية في البلاد، أقوى حتى من الجيش اللبناني. ولذلك، فمن غير المحتمل أن يواجه هجومًا مباشرًا. لكن، في الوقت الذي يتسلل فيه الثوار السنة عبر الحدود التي يسهل اختراقها، فقد يواجه حزب الله هجمات أو مضايقات غير مباشرة.
وقال محللون إن حزب الله لا يستطيع أن يتحمل استعداء الجيش، الذي يعتمد عليه بشكل متزايد لحماية بعض المناطق، حيث ينشر مقاتليه على جبهات متعددة.
كما أنه ليست في مصلحة الحزب جر البلاد إلى موجة عنف جديدة يمكن أن تلحق مزيدًا من الضرر بالاقتصاد اللبناني الذي يعتمد على السياحة، ويضر بذلك أتباعه وخصومه على حد سواء. وقال كامل وزنة، مؤسس مركز الدراسات الاستراتيجية الاميركية في بيروت، إن حزب الله وجد أن انخراطه في الصراع السوري سيكون أقل كلفة من عدمه، مشيرًا إلى أن قادة هذا الحزب وأنصاره يعتقدون أن النصر من عند الله، والهزيمة أيضًا.