مسوّدة الدستور التونسي لا تقرّ صراحة حرية الضمير والمعتقد، وهو أمر يثير استياء قطاع واسع من التونسيين ممن يتخوّفون من ثغرات تتيح للمتشددين دينيًا فرض قناعات مغالية.


محمد بن رجب من تونس: يتواصل في تونس جدل مستفيض بين مكونات المجتمع المدني والسياسي وداخل هيئة التنسيق والصياغة بالمجلس الوطني التأسيسي، حول التنصيص على حرية الضمير في الدستور المقبل للبلاد.

وحذر حقوقيون من خطورة إهمال إدراج quot;حرية الضميرquot; في الدستور الجديد مشيرين إلى أنّ كل ما دوّن في المسوّدة الثالثة للدستور المرتقب، يؤكد أنّ النظام ينحو نحو دولة دينية رغم أنّ quot; الدولة لا يمكن أن يكون لها دين معيّنquot;، حسب تعبيرهم.

حرية الضمير

أولى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهمية لحرية الضمير، إذ تنصّ المادة 18 منه على أنّ quot;لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدينquot;، وتضيف توضيحًا لمضمون هذا الحق الذي يشمل quot;حرية الشخص في تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرًا أم مع جماعةquot;.

تشير دراسة حول quot;حرية الضمير في الدساتير المقارنةquot; إلى أنّ quot;حرية الضمير أو الوجدان تمثل واحدة من الحريات الفردية الأساسية وحقًا جوهريًا من حقوق الإنسان. وتكمن أهميتها في أنها، بحكم طبيعتها ومدلولها ومؤداها، شرط وجوب للوجود الإنساني الحق، أي للتحقق الكامل للفرد داخل مجتمع ديمقراطي صائن لكرامة الإنسان، وقائم على الاحترام الكامل والممتد في الزمان والمكان لقيم الحرية والمساواة والعدلquot;.

وتقع حرية الضمير حسب العالم جون بوبيرو quot;في منتصف الطريق بين حرية التفكير وحرية الدينquot;، فحرية التفكير تعطي للفرد، الأدوات الفكرية التي تسمح له بأن يُعمِلَ ضميره وأن ينتقي ويمارس، بحرية وتميز، اختياراته الوجدانية والدينية وقناعاته.

من دون قيد ولا شرط

يرى الدكتور مصدق الجليدي أستاذ العلوم الثقافية والتربوية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان مساندته لمبدأ حرية الضمير quot;من دون قيد ولا شرط أي بما في ذلك حرية الكفر والخروج من أي دين إلى أي دين آخر quot;.

ويقول الجليدي في تصريح لـquot;إيلافquot;: quot;الإسلام دين الحرية والقرآن الكريم يكفل حرية الإيمان وحرية الكفر لمن يشاء ثم يسلط على مُبدِّل دينه حكم القتل؟ فأين الحرية وأين ترك الإكراه في الدين والسيف مسلط على رقاب أصحاب الضمائر الحرة؟ ثم إن الله تعالى يكره النفاق، وسن قوانين وأحكام من هذا القبيل من شأنه أن يكثر من عدد المنافقين في جماعة المسلمين وهذا ما لا يرضاه قويم الدينquot;.

وينصّ الفصل الخامس من مسودة الدستور وفي باب المبادئ العامة على أن quot;الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد دور العبادة عن التوظيف الحزبيquot;.

حقوق الإنسان ودولة المواطنة

يقول الأكاديمي مصدق الجليدي:quot; نحن اليوم في عصر حقوق الإنسان وفي دولة المواطنة، والإيمان شأن فردي وشأن الجماعة التي تتواضع على ممارسته معاً وفق التعاليم التي أتى بها الدين عن طواعية ومحبة ولا مجال للخروج عن دولة القانون أو سن قوانين لقتل من لا يصلي أو من يبدل دينه من الإسلام إلى المسيحية أو اليهودية أو البهائية أو البوذية أو الإلحادquot;.

من جانبه، انتقد رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان عبدالستار بن موسى الضبابية التي تميّز مسألة الحريات في المسودة الثالثة لمشروع الدستور، مؤكدًا أنّ الجدل لم يحسم بعد حول دين الدولة، فـquot;الدولة لا يمكن أن يكون لها دين يفرض على الجميعquot;، على حدّ تعبيره.

أضاف بن موسى في إفادة لـquot;إيلافquot;: quot;المواطن التونسي من حقه أن يعتنق الديانة التي يريد، وما على الدولة إلا أن تضمن احترام الجميع لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، ولذلك يجب إدراج حرية الضمير في الدستور المقبلquot;.

تجنبًا للفتنة

شدد مصدق الجليدي على أنه quot;يجب تجنب الفتنة والحفاظ على السلم الأهلي وطمأنة الناس على أرواحهم وأرزاقهم وحرياتهم في إطار من الاحترام المتبادل وترك التأويلات والتفسيرات القاتلة المهلكة، ووضع حد لفوضى الفتاوى والانتصاب العشوائي لترويج البضاعة الدينية لبائعين ولزبائن غُفْل سذّج يفتقدون لعمق التكوين وللثقافة الفقهية والعلمية الدينية الرصينة المدركة لروح الشريعة الإسلامية التي هي شريعة الحرية والسلم والمحبة والإخاءquot;.

من ناحيتها، أوضحت رئيسة الجمعية التونسية لمساندة الأقليات يمينة ثابت في ندوة تحت عنوان quot;دستور الأقوياءquot; أنّ مسودة الدستور quot;لا تضمن حرية الضمير وبالتالي حرية الأقليات في تونسquot;.

إلى ذلك، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان اطلعت عليه quot;إيلافquot;، إنّ على المجلس الوطني التأسيسي quot;تعديل فصول في مشروع الدستور تُمثل تهديدًا لحقوق الإنسانquot;.

تضيف: quot;من بين الفصول الأكثر إثارة للقلق عدم الاعتراف بكونية حقوق الإنسان إلا إذا كانت تنسجم مع quot;الخصوصيات الثقافية للشعب التونسيquot;، وعدم التأكيد على حرية الفكر والضمير، والصياغة الفضفاضة للقيود المسموح بفرضها على حرية التعبيرquot;.

دعاوى التكفيريين

شدد الجليدي على أنّ دافعه إلى التأكيد على مسألة حرية الضمير quot;هو مواجهة دعاوى الذين يكفّرون لا من يرفض الإسلام ديناً فحسب، بل حتى المسلمين الذين لا يشاركونهم في المذهب أو في الطريقة، أو في فهم الدينquot;.

أكد أنّ quot;تبنّي هذا الرأي رسمياً من شأنه أن يجرّم التكفير ويحمي حريات الناس وحياتهم ولو إلى حد معين، ومن شأنه أن ينزع عن أولئك المتعصبين كل سلطة أدبية مزيفة يضعونها سيفاً قاطعًا على رقاب الناس معنويًا وماديًا، فهذا المبدأ ضروري التسليم به لترك الباب مفتوحًا للإيمان وأيضًا لتأويل الإيمان بالكيفية التي يراها الإنسان بشكل حرquot;.

وأكد رئيس كتلة حزب التكتل من أجل العمل و الحريات في المجلس الوطني التأسيسي المولدي الرياحي في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّه تم الاتفاق بين الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية أخيرًا، على التنصيص على حرية الضمير والمعتقد في الدستور المقبل لتونس.