في العالم الافتراضي موقع إلكتروني يتحلى بما يكفي من الجرأة ليعلن أنه يطلب معلومات عن وحدات العمليات الخارجية في حزب الله، واعدًا بالأمان وبمقابل مادي محترم. فمن هو المحترم الذي سيمدهم بهذه المعلومات؟


بيروت: تتخذ الحرب على الإرهاب صورًا عديدة، من عسكرية وأمنية. لكن تبقى الوسيلة الاستخباراتية هي الأنجع، خصوصًا ما اتصل منها بالمعلومات، جمعًا وتصنيفًا.

وبما أن الولايات المتحدة، ودولًا أخرى تدور في فلكها، اتخذت قرارًا منذ زمن باعتبار حزب الله منظمة إرهابية ينبغي وقفها عند حدها، وبما أن الإتحاد الأوروبي يقف على حافة اتخاذ قراره الحاسم بإدراج حزب الله على لائحته السوداء للمنظمات الإرهابية، كان لا بد أن تبدأ الأجهزة المختلفة رحلة تقصي المعلومات، أيًا كانت، لوضعها في تصرف المحللين العسكريين والاستراتيجيين، من أجل تسخيرها للوصول إلى الأهداف، المعلنة والمبطنة.

المصدر المفتوح

في هذه الرحلة، يبقى المصدر المفتوح خيارًا متاحًا، خصوصًا إذا أرفق بوعد بإخفاء الهوية وبعائد مادي. ولا أفضل من الانترنت للاستفادة من هذا المصدر المفتوح، خصوصًا أن عددًا كبيرًا اليوم من المواطنين العرب، ومن اللبنانيين وبينهم من ينتمي إلى الطائفة الشيعية، لا يضمرون خيرًا لحزب الله، بسبب مواقف سياسية داخلية، أو بسبب تورطه في عمليات القتل والقمع في سوريا.

وعلى الانترنت، ثمة موقع www.stop910.com، أخذ على نفسه العمل تحت شعار رنان، هو quot;كفى إرهابًاquot;. وفي جواب على quot;من نحنquot;؟، يجيب الموقع معرفًا عن نفسه بالآتي من دون مواربة: quot;طاقم من الأجهزة الاستخبارية الغربية تشكل لمواجهة تهديد الإرهابquot;.

ويضيف: quot;بعد أن تحول الإرهاب إلى آفة تنخر في جسد المجتمع في كل مكان، فقد أخذنا على عاتقنا مهمة مواجهة هذه الآفة والحد من انتشارها بكل الوسائل الممكنة، لكي نضمن لجميع بني البشر حياة آمنة ومستقرة، بعيدًا عن اليد الهوجاء للإرهاب والإرهابيين، التي لا تميز بين رجل وامرأة وبين شيخ وطفل، حيث كل ما ترمي إليه هو زرع الدمار والموت والخرابquot;.

تعرف عليهم وندفع لك

ويعرض الموقع صورًا لأشخاص مشكوك بهم، ويدعو المتصفحين إلى الإدلاء بأية معلومات تدل على حقيقة شخصيتهم، أو على جوانب من حياتهم، خصوصًا إن تبين ارتباطهم بشكل أو بآخر بعمليات حزب الله العسكرية والأمنية. ويعد الموقع بمقابل مادي بدلًا للمعلومات، ويؤكد النقاط الآتية:

quot;أولًا، بإمكانكم الإدلاء بالمعلومات من دون أن تفصحوا عن هويتكم؛ ثانيًا، إذا اخترتم الافصاح عن هويتكم، فنحن نتعهد بضمانها بالسرية المطلقة؛ ثالثًا، لا تترددوا في رفدنا بأية معلومات حتى لو كانت هامشية وغير مفيدة بنظركم، فكل معلومة يمكنها أن تفيد؛ رابعًا، سوف نعوض كل من يقدم لنا معلومات تساهم في الجهد المذكور أعلاه بمبلغ محترمquot;.

وهذا المبلغ المحترم يحول إلى مقدم المعلومة بعد التأكد من صحتها ودقتها، بشكل يحفظ أمنه، أي أمن الواشي.

يضيف الموقع: quot;بالنسبة إلى الأشخاص الذين تظهر صورهم على الموقع، فتهمنا المعلومات عن هوياتهم الحقيقية وعائلاتهم ومكان إقامتهم وأصدقائهم وأرقام الهواتف وعناوين البريد الالكتروني التي يستخدمونها والدول التي سافروا إليها، وغير ذلك من المعلومات.

وحدات أمنية

وفي باب معلومات، يقدم موقع www.stop910.com معلومات لا يمكن التأكد من كثير منها حول التشكيل السري الأمني لحزب الله، وأخرى تتناول قائد المنظومة الأمنية فيه، والوحدة 910، والمسؤول عنها وطريقة عملها، إضافة إلى معلومات عن الوحدة 1800.

فالوحدة 910، بحسب الموقع، هي وحدة العمليات الخارجية في حزب الله، يتبع المسؤول عنها، أي طلال حمية، لقائد المنظومة الأمنية في الحزب، أي مصطفى بدر الدين، أحد المتهمين الأربعة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والمطلوب للمحاكمة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والذي أكد الجيش السوري الحر أنه يقود العمليات العسكرية في القصير.

كما يعرض الموقع الآلية التي تتبعها الوحدة 910، التي تبدو هدف جامعي المعلومات في الموقع إذ سموه quot;وقف 910quot; في ترجمة حرفية لعنان الموقع الالكتروني. فهذه الوحدة تعتمد على تجنيد واسع النطاق للإرهابيين في كل أنحاء العالم، وتأهيلهم لتنفيذ عمليات إرهابية عند الحاجة، مع استخدام شبكة محلية للمساعدة في تنفيذ النشاط. ولا يبدو أن الموقع يكشف الكثير، فهذه آلية عمل عامة، تعتمدها كل الخلايا النائمة في العالم.

أما الوحدة 1800، فيقول الموقع إن حزب الله أسسها في العام 2001، وأناط رئاستها بالحاج خليل حرب، ومهمتها التنسيق مع المنظمات الفلسطينية في إسرائيل، quot;وتنفيذ عمليات تخريبية في إسرائيل والأراضي المحتلة، وفي مصر والأردنquot;، بحسب التعريف الوارد في الموقع.

إلى ذلك، يصنف الموقع عمليات إرهابية عديدة منذ الثمانينات، ويلصقها بحزب الله، في باب quot;العمليات الإرهابيةquot;.

أكثر جرأة

يمكن تصفح الموقع بالعربية والإنجليزية والاسبانية. ولا يبدو مختلفًا كثيرًا عن مواقع أخرى تبحث عن المعلومات وعن تجنيد العملاء، من خلال عرض المقابل المادي والسرية المطلقة والضمان. غير أن هذا الموقع يتحلى بالجرأة في إعلان أهدافه من دون أي مواربة. فما يريده هو تقويض حزب الله، أو وحدة العمليات الخارجية فيه على الأقل، وهو مصر على جمع المعلومات وإكرام الوشاة.

إلا أنّ ما غاب عن بال المجموعة التي تقف وراء الموقع هو أن الوعد بالضمان والسرية لم يعد كافيًا، في زمن تسريب المعلومات، ووثائق ويكيليكس، والأعين الساهرة لأجهزة المخابرات الأخرى، وبينها أجهزة حزب الله الاستخبارية، التي أصبحت من الكفاءة والجدية ما يجعلها تهديدًا فعليًا لغريماتها الغربيات، باعتراف غربي، وحتى إسرائيلي.

كما أن وقوع شبكات العملاء في لبنان ما زال مستمرًا، وما زال يأخذ حيزًا كبيرًا في الحياة السياسية والقضائية اللبنانية، ما يمكن أن يصعّب مهمة هذا الموقع.

من يحجبه؟
لكن يبقى السؤال: لماذا لم يحجب هذا الموقع الإلكتروني في لبنان؟ الجواب صعب، لأن المرجعية الكفيلة تنفيذ الحجب مجهولة.
فوزارة الاتصالات تقول إن المسألة من اختصاص شركة أوجيرو. وأوجيرو تحيل المستعلم في المسألة إلى وزارة الاعلام، الغائبة اصلًا عن السمع.
أما المجلس الوطني للاعلام، فقد قال حسام جلول، أحد المسؤولين فيه، إن دوره مقتصر على استلام استمارات فتح المواقع لا إقفالها، quot;وحجب اي موقع يحتاج إلى قرار من هيئة امنية أو قضائية كأمن الدولةquot;.
وبما أن مديرية أمن الدولة في لبنان لم تتنبه إلى خطورة هذا الموقع، فلن يحجب، وسيبقى فخًا مشرعًا على مصاريعه جميعًا.