روى سوريون ناجون من المعركة التي شهدتها بلدة القصير مشاهد الموت والعذاب التي عايشوها أثناء فرارهم إلى لبنان مشياً على الأقدام دون ماء أو طعام.

بعد أن أعلن النظام السوري استعادة بلدة القصير التي شهدت معارك طاحنة بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد والثوار، بدأ سكان البلدة رحلة العودة إلى منازلهم حاملين معهم مشاهد مروعة وقصص مرعبة عايشوها خلال الأسابيع الثلاث التي دارت خلالها معركة طاحنة للسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية.
الناجون الذين فروا من القصف والقتال في القصير إلى بلدة عرسال الحدودية في لبنان، عانوا الأمرّين في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر بعد أن اضطروا للسير لأيام متواصلة بلا طعام أو ماء، متحملين إصاباتهم وجراحهم التي كوتها أشعة الشمس الحارقة.
الموت في الطريق
لم يحالف الحظ جميع الجرحى في الوصول إلى المستشفيات، فمنهم من فارقوا الحياة أثناء المسير، مما اضطر أحباءهم لدفنهم بأيديهم على الطريق. أما من نجوا من الموت، فعادوا بقصص عن القصف وشح الإسعافات ومعاناة الهرب من الموت في القصير إلى الموت في رحلة الفرار منها.
قصة إبراهيم
إبراهيم (27 عاماً) ممرض داكن الشعر لا يلبس قميصاً بسبب الضمادات التي تلف بطنه، قال انه أصيب في هجوم صاروخي وسط المعارك المستعرة بين المقاتلين الثوار والقوات الحكومية السورية المدعومة من حزب الله.
وصل ابراهيم، الذي كان يعمل في مستشفى القصير الميداني إلى لبنان منذ يومين، أي بعد أن أعلنت القوات الحكومية استعادة السيطرة على البلدة الاستراتيجية وانتزاعها من يد الثوار الذين سيطروا عليها لأكثر من سنة.
استغرقت رحلته الشاقة ثلاثة أيام اجتاز فيها تسعة أميال خطرة عبر الجبال الصخرية إلى لبنان، وتمكن من الفرار من جنود النظام، الذين quot;يستهدفون الجرحى الهاربينquot;، وفقاً لما قاله لصحيفة quot;لوس أنجلوس تايمزquot;.
quot;كنت أسير طوال الليل متحملاً جراحي، وعندما أتعب كان الرفاق يقومون بحملي على أكتافهم حتى أرتاح قليلاً ثم أواصل المسيرquot;، قال ابراهيم الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل خوفاً من القصاص.
ما ان تمكن من عبور الحدود، عمل الصليب الأحمر اللبناني على نقل ابراهيم وعمه محمد إلى مستشفى في البقاع. وعلى الرغم من أنه يتعافى من إصابته الآن، إلا أنه لا يستطيع الشفاء من الألم الذي يشعر به بعد أن اضطر لدفن الكثير ممن لقوا حتفهم متأثرين بجراحهم على طول الطريق.
quot;دفناهم بأيديناquot;
quot;دفناهم بأيدينا. الكثير من المصابين مشوا لمدة ثلاثة أيام من دون طعام أو شرابquot;، قال ابراهيم، واصفاً المعاناة التي مر بها الجرحى في محاولة الوصول إلى المستشفيات في لبنان.
المشهد الاكثر ألماً الذي يصفه ابراهيم هو شاب سوري حاول الهرب معه اسمه محمد أصيب في هجوم صاروخي.
quot;جسده أحرق بالكامل ولم تكن لدينا مياه لتهدئة جراحه. وما زاد الأمر سوءاً كان أشعة الشمس الحارقة التي جففت جسده حتى الموت. دفناه بأيدينا على الطريق. كان الأمر مأساوي جداًquot; يقول ابراهيم والدموع تنهمر من عينيه.
قصف للمستشفى
لم يصدر أي بيان رسمي عن الخسائر في معركة القصير، لكن سكان البلدة يقولون إن الحصيلة كانت مرتفعة على كلا الجانبين. ويشير محمد، الذي ساعد في جهود الإغاثة في القصير، إلى وقوع ما لا يقل عن 1300 جريح.
استهدف القصف في القصير المستشفى الميداني حيث عمل ابراهيم كممرض، واضطر الجرحى للجوء إلى المنازل أو أي مبنى يمكن أن يشكل ملاذاً آمناً لهم يحميهم من أعمال القتال. وقال ابراهيم انه أصيب عندما سقط صاروخ على منزله، حيث كان يعالج الجرحى، مشيراً إلى أن إصابته احتاجت عملية جراحية فاضطر للهرب إلى لبنان.
في الوقت الذي تقدّمت فيه قوات الأسد ومجموعات حزب الله، اضطر الجرحى ومن تبقى من السكان للفرار من البلدة تحت القصف ووسط المعارك المستعرة في الشوارع.
انقسم الفارون إلى مجموعات وتفرقوا للهروب من القوات السورية التي طاردتهم طوال الطريق.
الاعتداء على الجرحى
quot;لقد ضربوا الجرحى وروعوا السكانquot; قال ابراهيم، مضيفاً أن السكان بدأوا بالتحرك نحو الحدود اللبنانية، وقد أحضروا معهم اثنين من الجنود المصابين في الجيش السوري كانا يتلقيان العلاج في المستشفى الميداني، لنهما اختفيا في وقت لاحق على طول الطريق.
وأضاف: quot;قمنا بمعالجتهما لمدة 20 يوماً في المستشفى الميداني ولم نسمح بأية أعمال انتقامية ضدهما. حتى اننا صنعنا حمالة لأحدهما بعد أن أصيب في ساقه وحملناه معنا طوال الطريقquot;.
لكن هذه الرحمة لم تجد ما يقابلها في الطرف الآخر، فيقول ابراهيم ان quot;سلوك القوات الحكومية لم يكن مفاجئاً فنحن اعتدنا على إجرامهمquot;، لكن ما فاجأهم كان رؤية عدد كبير من مقاتلي حزب الله في معركة القصير إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد.
quot;لم نكن نتوقع ذلك. كنا نظن أنهم إخوتنا. معاملتهم لسكان البلدة أقل ما يقال عنها انها كانت غير إنسانية، إذ أنهم لم يأبهوا للجرحى ولم يقدموا المساعدة لأحد من المدنيين. إذا صادفوا مدنياً مصاباً بجروح في هجوم بصاروخ، كانوا يعمدون إلى قتلهquot;.
كان يؤيد حزب الله
وقال ابراهيم انه كان يؤيد حزب الله في السابق لموقفه المعادي لإسرائيل، مشيراً إلى أن أهالي القصير قدموا المساعدة للاجئين اللبنانيين في عام 2006، ووفروا لهم الملجأ والطعام خلال حرب حزب الله مع اسرائيل.
وعلى الرغم من الخيبة والألم الذي يشعر به، يقول ابراهيم انه لم يفقد الأمل بوطنه، مضيفاً: quot;أنا أعيش على الأمل. كل ما نريده هو السلام والأمن والحرية في سورياquot;.