توقع مؤيدو الرئيس المصري السابق محمد مرسي صراخًا أميركيًا على خطوات الجيش، إلا أن الصمت الأميركي أتى أبلغ دليل على رضى أوباما وقبول كيري بما جرى، على قاعدة quot;قد يكون الخير في ما حصلquot;.


بقميص رياضي وسروال قصير وصندل، توجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى ملعب الغولف الجمعة مع عدد من الأصدقاء، ثم طار إلى منتجع كامب ديفيد الرئاسي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.

وكان وزير الخارجية جون كيري يستجمّ على الساحل الشرقي. وقال مساعدون إن هناك من يُبقي أوباما وكيري على إطلاع أول بأول على تطورات الوضع في مصر. لكن عدا ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن إدارة أوباما تتابع الأزمة الخطيرة في القاهرة بقلق بالغ.

وإذا كان المسؤولون الأميركيون يستنكرون اللجوء إلى العنف في تصريحاتهم العلنية، فالحقيقة غير المعلنة أن العديد منهم يبدون في بعض الحالات ارتياحًا لعزل الرئيس محمد مرسي. كما يعكس الهدوء النسبي في واشنطن إزاء ما جرى ويجري الآن في شوارع المدن المصرية، حدوث تغير طويل الأمد في نظرة الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط.

إذ كانت مصر تعتبر في المنظور الأميركي السابق أهم لاعب استراتيجي في المنطقة، لكن دولًا أخرى تقوم اليوم بدور أكبر. وتتمثل المصلحة الأميركية العليا في مصر في الحفاظ على معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل منذ ثلاثة عقود، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن الجيش المصري كفيل بالحفاظ عليها.

عين القلق
لم يجاهر مسؤول أميركي كبير بتأييد الجيش في حركته، لكن مرسي والإخوان المسلمين لم تكن لديهم إلا قلة من المتعاطفين معهم في واشنطن، عندما انتُخب مرسي قبل عام. وحتى هذه القلة تناقصت بحلول ساعة عزله مساء الأربعاء. وكان البيت الأبيض والكونغرس ينظران بعدم ارتياح إلى الإسلاميين منذ بداية صعودهم، رغم أن صعودهم جاء بانتخابات تعتبر ديمقراطية عمومًا، ثم أخذا ينظران إلى مرسي على أنه حاكم متسلط غير كفء.

وقال إليوت أبرامز، نائب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق جورج بوش، إنه إذا أُجري استطلاع بين المسؤولين في واشنطن بشأن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ومعها إعادة مرسي إلى السلطة، فـquot;لن نجد كثيرين في مركز القرار الأميركي يريدون هذه العودةquot;.

وكانت إدارة أوباما سعت إلى إقامة علاقة طيبة مع مرسي، وظنّت لبعض الوقت في أواخر العام الماضي أنه يمكن أن يكون شريكًا حقيقيًا بعد توسطه في إنهاء حرب إسرائيل وحماس في ذلك الوقت. لكن في غضون أيام، أصدر مرسي إعلانًا دستوريًا يمنح نفسه فيه سلطات مطلقة، مُبددًا التفاؤل الذي ساد في البيت الأبيض ومراكز أخرى في واشنطن رغم تراجعه لاحقًا.

عدم كفاءة
نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن السفير الأميركي السابق في القاهرة دانيل كورتزر قوله: quot;إن واشنطن منحت مرسي فرصة طيبة ليثبت أن جماعة الإخوان المسلمين ستحكم ديمقراطيًا، وستتواصل مع المعارضة، وتجري انتخابات برلمانية بعد فترة قصيرة، لكن مرسي فشل على كل الأصعدة، وأثبت عدم كفاءة في كل هذه الأمورquot;.

وكان أوباما يعرب في مجالسه الخاصة عن شعوره بالإحباط لرفض مرسي التفاهم مع المعارضة، ويعتقد أن مرسي ينبغي أن يكون أكثر انفتاحًا على القوى الأخرى وإشراكها في الحكم، كما أكد معاونون للرئيس الأميركي.

وعندما جاءت النهاية، أصدر أوباما بيانًا مكتوبًا عبّر فيه عن قلقه البالغ، ودعا قادة الجيش المصري إلى إعادة الحكم الديمقراطي بسرعة، لكنه لم يطلق تصريحات أخرى تذهب إلى أبعد من ذلك. واجتمع أوباما مع طاقم الأمن القومي بعد يوم على عزل مرسي، ونشر البيت الأبيض صورة فوتوغرافية للاجتماع.

وأجرى وزراؤه وكبار مساعديه في مجلس الأمن القومي اتصالات بالمسؤولين في مصر وإسرائيل ودول أخرى. لكن قرار أوباما أن يلعب الغولف عصر الجمعة أثار غضب بعض المصريين. فالتصريح الوحيد الذي أصدرته الإدارة بعد أعمال العنف التي وقعت بين أنصار مرسي والمؤيدين لعزله جاء من متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، التي دعت إلى الهدوء.

وتعرّض كيري لانتقادات أشد، لانطلاقه في نزهة بحرية يوم عزل مرسي. في البداية، نفت الخارجية أنه يستجمّ في قارب، رغم أن صحافيًا من شبكة quot;سي بي أسquot; التقط له صورة في عرض البحر. وبحلول يوم الجمعة، تراجعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر ساكي عن النفي، قائلة إن كيري كان لفترة قصيرة في قاربه يوم الأربعاء. وردت شبكة سي بي أس بنشر صورة كيري على متن المركب مرة أخرى يوم الجمعة.

الخير في ما حصل
أيًا كان الدور الذي تقوم به الإدارة الأميركية من وراء الكواليس، فإن صمتها المعلن يشي بعدم ارتياحها لاتخاذ موقف محدَّد. لكنها من الناحية العملية سلَّمت بعزل مرسي، وهي لا تعمل على إعادته، متعللة بأن الخير قد يكون في ما حصل إذا سارع الجيش إلى إجراء انتخابات جديدة.

وقال منتقدون إنه كان على الإدارة الأميركية أن تكون أعلى صوتًا وأشد حزمًا بشأن أخطاء مرسي منذ البداية. ونقلت نيويورك تايمز عن الباحث في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك قوله إن الإدارة اخطأت عندما لم تتخذ موقفًا جديًا من أساليب مرسي المعادية للديمقراطية، بل شجّعت الرواية القائلة إن الولايات المتحدة لا تريد إلا الاستقرار في مصر.

تبدى قبول الولايات المتحدة بعزل مرسي الجمعة في بيان صادر من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الجمهوري إيد رويس، وزعيم الديمقراطيين في اللجنة إليوت أنغيل. إذ أعلن البيان أن الديمقراطية تتطلب شراكة جامعة وتوافقًا واحترامًا لحقوق الإنسان ولحقوق الأقليات؟، والتزامًا بحكم القانون، quot;ومرسي وحلقته القريبة منه لم يلتزموا بأي من هذه المبادئ، بل اختاروا بدلًا من ذلك تعزيز السلطة والانفراد بالحكمquot;.

دور مصر تغير
جاء رد فعل واشنطن تأكيدًا على تغير دور مصر في المنطقة. وفي حين أن الولايات المتحدة ما زالت تقدم 1.5 مليار دولار من المساعدات سنويًا إلى القاهرة، فإن دولًا أخرى تقدمت عليها كلاعبين كبار خلال السنوات الماضية، وخاصة السعودية وإيران وتركيا، بل حتى قطر الصغيرة.

لكن مسؤولين ومحللين قالوا إن مصر تبقى مهمة للولايات المتحدة، رغم انحسار دورها الإقليمي، فإن معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل تشكل حجر الزاوية لأمن الدولة العبرية، وفي أي حل للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وإن الوجود العسكري الأميركي في شرق السويس يعتمد على إمكانية عبور القناة، في حين تقوم الاستخبارات الأميركية بدور بالغ الأهمية في ملاحقة الإرهابيين.
وقال السفير الأميركي السابق في القاهرة كورتزر quot;إن مصر ما زالت مهمة من حيث مصلحتنا المباشرةquot;.