من بين عشرات البرلمانات التي جاءت ورحلت على وقع أزمات سياسية منذ أول برلمان منتخب في العام 1962، ثمة أسماء حاضرة يصعب أن يعالج أي حدث كويتي من دون تناولها. ومع إقتراب موعد الإنتخابات الكويتية، تستحضر quot;إيلافquot; هذه الأسماء في ملف خاص.


الكويت: جاسم محمد عبد المحسن الخرافي آخر رئيس للبرلمان الكويتي، الذي أنتخب في العام 2009 وحُلّ في 2011، قد زاحم الساسة منذ سنوات شبابه الأولى، منطلقًا من إرث عائلي وازن في البيئة الكويتية، وآتيًا من رحم مؤسسات إقتصادية صنفته مبكرًا بأنه رجل مال وإقتصاد من الطراز الأول، وإن ولج السياسة تأثرًا بتقليد داخل العائلة الكويتية، يقضي بأن يكون لها ممثل في البرلمان.

لكن جاسم تناوب مع شقيقه الراحل ناصر على تقاسم مهام وأعباء والدهما الراحل محمد الخرافي، فحمل ناصر همّ الأعمال، وحمل جاسم هم السياسة.

لكن ابن العائلة الثرية يحاول مذاك مقاومة الغرق في وحول السياسة الكويتية، التي شهدت في العقدين الأخيرين دوامات ضخمة إبتلعت الكثيرين، وأبعدتهم قسرًا عن السياسة التي ظل جاسم الخرافي اللاعب الأبرز فيها. لكن في السنوات السبع الأخيرة، اقترب الخرافي كثيرًا من مؤسسة الحكم، إلى درجة دفعت معارضًا كويتيًا هو مسلم البراك إلى القول إن السلطة باتت تطرب لألحان الخرافي السياسية، وعزفه المنفرد.

ويدرك جاسم الخرافي، الذي ضبط الكويتيون في السنوات الأخيرة ساعاتهم على تنبؤاته بتقلبات الطقس السياسي في الكويت، أنه بسبب مقعد الرئاسة في البرلمان الكويتي دفع أثمانًا باهظة، فكل أزمة داخلية كانت تكلف الخرافي جهده ووقته لحلها ومحاولة تسويتها، بالرغم من أنه أتهم مرارًا في الداخل الكويتي بأنه قام بتظهير أزمات أخرى جديدة، لحل أزمات قائمة.

حلّال العُقد

ويُظهر الخرافي (74 عامًا) قدرات إحترافية في حل الأزمات الكويتية، إذ ظهر تفوقه السياسي على الآخرين خلال مفاصل أزمة الحكم التي شهدتها الكويت في كانون الثاني (يناير) 2006، على خلفية تعيين أمير جديد للبلاد.

وبالرغم من أن النص الدستوري كان لمصلحة تنصيب ولي العهد المقعد صحيًا وقتذاك، إلا أن الأمير صباح الأحمد الصباح، ورئيس البرلمان الخرافي، وأطرافًا نافذة في مؤسسة الحكم، كانوا يرون أن عزل الأمير برلمانيًا وتنصيب أمير جديد أمر يخالف أعرافًا سياسية كويتية مستقرة.

لكنّ أطرافًا أخرى في العائلة الحاكمة، مسنودة بواجهات برلمانية وإعلامية، كانت تريد أن يؤدي الأمير المريض قسمه الدستوري أميرًا. لكن إتصالات الخرافي في اللحظات الأخيرة قادت إلى حل وسط، إذ لاحظت الكويت التأثر البالغ للأمير صباح والرئيس الخرافي خلال جلسة برلمانية خُصصت لتنحية الشيخ سعد العبدالله الصباح، صاحب الصولات والجولات في تاريخ الكويت الحديث.

تفكير في التنحي

تجلت مخاوف الغرق في وحول السياسة عند الخرافي بعد كانون الثاني (يناير) 2006، حتى أنه فكر مرارًا بالتنحي السياسي، والتفرغ لأعمال التجارة التي أنشأتها عائلته في ستينيات القرن الفائت، قبل أن تغدو مؤسسات إقتصادية ضخمة تخطت أعمالها حدود الكويت. لكن الخرافي كان دائمًا عرضة لضغط سياسي من العيار الثقيل، بعدم مغادرة المشهد الكويتي، خصوصًا أن أزمات الكويت تحتاج إلى ركن برلماني يقف إلى جانب السلطة، وليس في المقلب الآخر الذي يناهضها.

وكانت المعارضة الكويتية تنامت إلى حد لم يعد بمقدور أحد، أيًا كانت قدراته في التهدئة والتسويات، من وضع حد لها أو التعاطي معها. وأصبحت المعارضة تتحرك بلا سقف أو أعراف.

وقد لامست الخطوط الحمراء أكثر من مرة، تحديدًا في السنوات الأخيرة، حينما رفعت شعار إسقاط الشيخ ناصر المحمد الصباح رئيس الحكومة الكويتية بين العامين 2006 و2011، علمًا أن الشيخ المحمد هو إختيار للأمير، وهو أحد وجوه العائلة الحاكمة في تولي مناصب أكبر مستقبلًا، بالنظر إلى قاعدة السن التي تنتهجها العائلة الحاكمة في تصعيد أبنائها للمناصب العليا.

وبعد إنتخابات العام 2009، قرر الخرافي عدم الترشح للإنتخابات البرلمانية التالية، أيًا كان وقتها، متحججًا بإنسداد الأفق السياسي، وبرغبته في منح الفرصة لجيل كويتي شاب، في إشارة ضمنية فُسّرت لصالح رغبته في أن يتولى أحد أبنائه أو أبناء أشقائه مقعده البرلماني.

إلا أن إستعصاء الحل السياسي في الكويت لم يسعفه، إذ سرعان ما حُل البرلمان. لكن محكمة كويتية أعادته وأعادت الخرافي معه رئيسًا، ويقال إنه لا يزال لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الرئيسية، لكن من وراء الكواليس.

إستغراب وإتهامات

يقول خصوم الخرافي في الداخل الكويتي إنه غض بصره عن إستحواذ شركاته العائلية على أهم وأضخم المناقصات التي تطرحها الحكومة الكويتية لبناء المشاريع الكبرى. ويقول هؤلاء الخصوم إن مواقف الخرافي السياسية تُدفع بواسطة هذه المناقصات المليونية والمليارية.

وما زاد طينة النقد الداخلي للخرافي بلة هو أن هذه المناقصات لا تتم أحيانًا بالشكل المثالي، وأن المال العام يتكلف أموالاً إضافية بسبب أوامر تغييرية، أو بيع أجزاء من هذه المناقصات بالباطن، إلى جانب عيوب ومشاكل في العديد من المناقصات التي نالتها شركات الخرافي.

لكن الأخير يقول في مجالسه الخاصة إن أعمال ومناقصات شركة أسسها والده قبل أن يدخل عالم السياسة، هي مثل أعمال أي شركة كويتية، متسائلًا عمّا يدفع خصومه لإصطياد أخطاء شركة عائلية، وإسقاطها على مواقفه السياسية.

وقد شغل الخرافي، المقترن بسبيكة الجاسر وله منها ستة أبناء، مناصب حكومية عدة، أبرزها وزارة للمالية لأكثر من 15 عامًا متصلة. كما ظل عضوًا في البرلمان نحو خمسة عقود، علمًا أنه عاد أخيرًا إلى عالم الأعمال، لقيادة مجموعات إقتصادية ضخمة جدًا، تركها شقيقه الأكبر ناصر في عهدته.