يخوض الرئيس الأميركي صراعًا مع الدوائر الحزبية في بلاده، لاقناعها بضرورة التعامل عسكريًا مع الأسد، ويؤكد المراقبون في واشنطن أن صعوبة عملية الاقناع تفوق بكثير الضربة السورية، إذ لا يجد أوباما مبرراً - كما حدث عند اسقاط نظام القذافي - سوى ورقة الدفاع عن أمن إسرائيل.


القاهرة: انطوت اشكالية توجيه ضربة عسكرية أميركية لسوريا على العديد من المفارقات والتوازنات داخل اروقة البيت الابيض، وكان لتلك التوازنات بالغ الاثر في ارجاء موعد العمل المسلح، انتظاراً لمصادقة الكونغرس الأميركي بمجلسيه quot;الشيوخ والنوابquot;، فالرئيس أوباما يخوض صراعاً غير مسبوق لاقناع الديمقراطيين قبل الجمهوريين بضرورة تفعيل الخيار العسكري في التعامل مع بشار الأسد.

التحرش سياسياً بقرارات أوباما

ووصل الرئيس الأميركي بحسب صحيفة يديعوت احرونوت الى قناعة بأن ضرب سوريا بات اسهل بكثير من تمرير قرار بذلك عبر الكونغرس، لا سيما أن نواب الحزب الجمهوري يسيطرون على مجلس النواب، وليس ثمة شك في حرصهم على التحرش سياسياً بمشاريع قرارات الادارة الأميركية، التي يقودها الحزب المنافس.

رغم ذلك ترى الصحيفة العبرية أن أوباما يمتلك العديد من الصلاحيات، فهو القائد الاعلى للقوات المسلحة الأميركية، في وقت يصادق الكونغرس على الميزانيات وتعيينات الوزراء في المجلس الوزاري، بالاضافة الى ضرورة مصادقته على تعيين السفراء وكذلك قائد الجيش.

وفي محاولة للعودة الى الخلف، تشير المعطيات الموثقة الى أن رئيس الادارة الأميركية كان منفرداً باتخاذ قرار اعلان الحرب ضد اية جبهة، حتى قرر الرئيس فرانكلين روزفيلت الحصول على مصادقة الكونغرس عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، وعلى خلفية هذا القرار باتت عملية اشراك الكونغرس في مثل هذه القرارات ضرورة لا يجوز الحياد عنها، وخرج بذلك قانون عام 1941 يُعرف بـ War Powers Act، وبعد سن هذا القانون اضحى الكونغرس شريكاً ومسؤولاً عن قرار خوض الحرب، ما يعني افتقار رئيس الولايات المتحدة على الضوء الاخضر من الكونغرس لاتخاذ قرار بهذا الخصوص.

تجاهل مصادقة الكونغرس على اسقاط القذافي

وفي حين تم ارساء هذا القانون، اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما قراراً منفرداً دون مصادقة الكونغرس بشن حرب ضد نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011، واستمرت المعارك في هذا البلد ثلاثة اشهر حتى سقط النظام، وحينئذ برر أوباما مشاركة بلاده في الحرب بأنها كانت تساعد حلف شمال الاطلسي الـ quot;ناتوquot; خاصة بريطانيا وفرنسا في حربهما ضد ليبيا، وزعم أوباما في حينه أن اعضاء الحلف كانوا لا يمتلكون الآليات العسكرية اللازمة لاسقاط نظام القذافي، رغم أن الولايات المتحدة بحسب الصحيفة العبرية كانت القوة المركزية في تلك الحرب.

وخلال الاسابيع القليلة الماضية، دارت نقاشات حادة وعلنية بين البيت الابيض وعدد ليس بالقليل من نواب الكونغرس حول اشكالية التعامل عسكرياً مع النظام السوري، على خلفية ما تردد حول استخدام الاخير للأسلحة الكيميائية ضد شعبه في احدى ضواحي العاصمة دمشق، وخلال تلك النقاشات ادعى رجال أوباما أنه ليست هناك ضرورة للحصول على مصادقة الكونغرس في عملية عسكرية محدودة ضد سوريا، لن تزيد في مدتها عن يومين أو ثلاثة على الاكثر، بينما طالب اعضاء الكونغرس بوجوب التشاور مع مجلسي النواب والشيوخ، والتصويت على مشروع القرار.

امام تباين وجهات النظر التي تهيمن على المطبخ السياسي والعسكري في واشنطن، فرضت علامة استفهام كبيرة نفسها على تلك الاشكالية، وتمثلت في: هل سيسير أوباما على نهج الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون عام 1995؟، ففي العام ذاته وفي حين سيطر الجمهوريون على الكونغرس بمجلسيه، اتخذ الرئيس الأميركي الاسبق بيل كلينتون قراراً منفرداً بايفاد قوات أميركية لمساعدة حلف الـ quot;ناتوquot; في عمله المسلح بـ quot;كوسوفوquot;، وخلال العمليات العسكرية في هذا البلد، وقّع كلينتون على حزمة من المراسيم الرئاسية، التي سمحت باستخدام قوات أميركية برية وجوية في البلقان، وهي القوات التي تزيد في حجمها عن القوات، التي يعتزم أوباما الاعتماد عليها في توجيه ضربة عسكرية لسوريا.

النفوذ الإسرائيلي في عملية التصويت

اما في ما يتعلق بمقياس ميزان القوة بين مجلسي الكونغرس quot;الشيوخ والنوابquot;، فتؤكد لغة الارقام الرسمية اغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ (54 عضواً ديمقراطياً في مقابل 46 جمهورياً)، وعلى العكس من ذلك تزيد اغلبية الجمهوريين في مجلس النواب (234 جمهورياً في مقابل 201 ديمقراطي)، وامام هذا الواقع، ومن اجل تمرير قرار في الكونغرس للقيام بعمل أميركي مسلح ضد سوريا على سبيل المثال، فإن هناك ضرورة قانونية لتصويت المجلسين بشكل منفرد على مشروع القرار، ثم يصيغ المجلسان معاً قراراً متفقاً عليه في ما بينهما، ليتم نقله بعد ذلك الى الرئيس للتوقيع عليه.

وحول توقيت اجراء عملية تصويت الكونغرس على العمل الأميركي المسلح ضد سوريا، يؤكد المراقبون في واشنطن أن عطلة الكونغرس الصيفية ستنتهي الاسبوع المقبل، وتحديداً يوم الاثنين، واعلن الديمقراطيون أن عملية التصويت على القرار ستكون سريعة، وسيتم الوقوف على نتيجة التصويت يوم الثلاثاء، وفي هذا اليوم سيعقد رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ quot;روبرت منندزquot; جلسة استماع، تُدعى اليه للشهادة شخصيات مسؤولة في ادارة الرئيس أوباما.

وفي ما يخص النفوذ الإسرائيلي في عملية التصويت، وما يتمخض عنها من قرارات في البيت الابيض، يؤكد الخبراء في واشنطن أن الدولة العبرية ربما هي الورقة الرابحة التي يمتلكها الرئيس أوباما في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، إذ أنه حتى في الايام التي شهدت تبايناً في وجهات النظر داخل البيت الابيض حول توجيه ضربة عسكرية لسوريا، اكد الديمقراطيون والجمهوريون معاً تأييدهم الكامل لإسرائيل، وضرورة العمل على حمايتها من اية اسلحة كيميائية قد توجد في دول الجوار.

وكان أوباما حريصاً على استخدام الجواد الإسرائيلي في مسودة مشروع قراره المعروض على الكونغرس، حينما جاء في جزء منه: quot;ان العملية العسكرية ضد سوريا تهدف الى حماية الأمن القومي الأميركي، والدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة من خطر الاسلحة الكيميائيةquot;، وعلى خلفية هذه العبارة قالت دوائر رسمية في البيت الابيض إنمعاقبة الأسد وتقليص قوته، باتت ضرورة لحماية أمن إسرائيل من تهديدات السلاح الكيميائي السوري، والحيلولة دون وصول هذا السلاح الى أيدي تنظيمات ارهابية.