منذ صدور معاهدة حظر السلاح الكيميائي في العام 1997، بذلت الدول الموقعة آنذاك جهودًا جبارة للتخلص من مخزونها، لكنها لم تتمكن من إكمال المهمة حتى اليوم. وفيما تنضم سوريا إلى هذه المعاهدة اليوم وسط شكوك كثيرة حول جديتها، يروي التاريخ تجارب فاشلة كثيرة، من ضمنها الولايات المتحدة وروسيا.

في نيسان 1997، أي بعد خمس سنوات من الجدل المرير والتأخير، صوّت مجلس الشيوخ الاميركي على التصديق على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، قبل خمسة أيام من دخولها حيز التنفيذ في جميع أنحاء العالم. أشاد دعاة الحد من التسلح بالمعاهدة الطموحة، والتي وافقت بموجبها الولايات المتحدة وروسيا و187 دولة أخرى على فرض حظر على إنتاج وبيع واستخدام الغازات السامة، فضلًا عن تشكيل نظام تفتيش دولي لمنع الغش. بعد مرور ستة عشر عامًا، وإنفاق واشنطن وموسكو وحدهما عشرات المليارات من الدولارات، وبعد الكثير من المواعيد النهائية التي لم يتم احترامها، ما زالت هناك آلاف الأطنان من الغازات السامة التي لم يتم تدميرها، وفقًا لما تنص عليه المعاهدة. تعتبر روسيا والولايات المتحدة أكبر مستودعين في العالم للأسلحة الكيميائية حتى اليوم، على الرغم من أنهما دافعتا بشدة عن المعاهدة الدولية وبذلتا الجهود لضم سوريا إليها بعد مجزرة 21 آب (أغسطس) في ريف دمشق، التي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 1400 مدني.
التاريخ يشهد
التاريخ يروي حكاية فاشلة للتخلص من السلاح الكيميائي، في الوقت الذي وافق فيه وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف السبت في جنيف على استخدام أحكام المعاهدة لحجز وتدمير نحو 1100 طن من غاز الخردل وغاز الأعصاب وغاز سارين في سوريا، الذي يعتقد أنه ثالث أكبر مخزون في العالم. ويحذر الخبراء من أن تنفيذ هذه الاتفاقية يواجه صعوبات جمة، حتى في حال تعاونت سوريا، إذ أن المهمة صعبة وتتطلب القضاء على العوامل الكيميائية، ومرافق الإنتاج، والسلائف الكيميائية، والذخائر، في 40 موقعاً على الأقل، وسط فوضى الحرب الأهلية التي تجتاح البلاد. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية لصحيفة لوس انجيليس تايمز: quot;ألف طن من السلاح الكيميائي كمية خطيرة جدًاquot;، مشيرًا إلى أن المهمة تواجه تحديات خطيرة ليس فقط بسبب محتويات المخزونات بل بسبب معدات الإنتاج والخلط والتسليم أيضًا. وقال مسؤولون أميركيون إن أحد العناصر العسكرية السورية السرية، المعروف باسم الوحدة 450، يتحكم في إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية، وإن الولايات المتحدة والمخابرات الإسرائيلية تتعقب حركات الأسلحة من قاعدة إلى قاعدة.
بعد الحرب الأولى
كانت ألمانيا أول من استخدم الغاز السام على نطاق كبير في إيبر في العام 1915، عندما أطلقت العنان لغاز الكلور، فردت القوات الفرنسية باستخدام غاز فوسجين الخانق. بنهاية الحرب العالمية الأولى، تسببت الهجمات الكيميائية بمقتل 85 ألف شخص، وإصابة أكثر من 1.1 مليون. وفي العام 1925، وقعت 16 دولة كبرى على بروتوكول جنيف، وتعهدت بعدم استخدام الغاز السام في الحرب مرة أخرى. ومع ذلك تواصلت الهجمات الكيميائية على مدى عقود في روسيا وإثيوبيا وأماكن أخرى. كما استخدمت اليابان غاز الخردل على نطاق واسع ضد القوات الصينية خلال الحرب العالمية الثانية. وأنتجت الولايات المتحدة واستخدمت السلاح الكيميائي للمرة الأولى بعد دخولها الحرب العالمية الأولى، فبنت المختبرات ومواقع الاختبار في مزرعة بالقرب من واشنطن. في نهاية الحرب، تم دفن البقايا وصبها في حفر اسمنتية، فيما يعمل الجيش حتى اللحظة على التخلص الآمن من المواد الخطرة في الموقع الذي تحول اليوم إلى حي سكني وحرم جامعي. وفي العام 1990، بدأ الجيش بتدمير وتعطيل ترسانته السامة في محرقة بنيت خصيصًا في جونستون أتول في وسط المحيط الهادي. واستخدمت ستة مواقع أخرى في وقت لاحق. وكانت في بعض المواقع محارق تفصل للعواملالكيميائية والمتفجرات والأغلفة المعدنية، فيما اعتبر الرماد والبقايا بمثابة مخلفات خطرة تتطلب معالجة متأنية.
الفشل الأميركي
كانت الولايات المتحدة تملك 31500 طن من العوامل الكيميائية، في ملايين القذائف المدفعية وقذائف الهاون والصواريخ والحاويات والرشاشات، عندما صادق مجلس الشيوخ على اتفاقية الأسلحة الكيميائية في العام 1997. هذه الاتفاقية طلبت من جميع الدول الأعضاء تدمير الأسلحة الكيميائية في غضون عقد من الزمان. وعرضت إمكانية التمديد لمرة واحدة فقط ولمدة خمس سنوات حتى العام 2012. حتى اليوم، فشلت الولايات المتحدة وروسيا أيضًا في الالتزام بالمواعيد النهائية. فما زالت الولايات المتحدة تحتفظ بنحو 3000 طن من الاسلحة الكيميائية، ويقول خبراء إن الامر قد يستغرق عشر سنوات أخرى لتدميرها بسبب المخاطر البيئية والصحية، إلى جانب ارتفاع تكاليف التأخير في نقل الذخائر وبناء مرافق التخلص في المناطق المأهولة بالسكان.
وقال ميلتون ليتنبرغ، خبير بالأسلحة البيولوجية في مركز الدراسات الدولية والأمنية في جامعة ماريلاند، إن الذخائر الكيميائية منذ أكثر من 40 سنة بدأت بالتسرب بسبب الصدأ في مرافق التخزين.

الورطة الروسية
أما روسيا، فليست أفضل حالًا بكثير، فهي ما زالت متأخرة بكثير عن الجدول الزمني. وفي نهاية العام 2011، كان لدى روسيا 17,600 طن من المواد الكيميائية، أو 40٪ من إجمالي مخزونها السابق، الذي لم تتخلص منه وفقًا لتقرير سنوي صدر في وقت متأخر من العام الماضي من قبل مجموعة الامتثال للمعاهدات في هولندا.
وقال نائب وزير الصناعة والتجارة الروسي جيفي كالامانوف إن روسيا تعمل باستمرار ومن دون كلل لزيادة معدلات وقدرات تدمير الأسلحة الكيميائية.
بناء على هذا، يمكن لأي كان أن يستنتج أن الرئيس السوري بشار الأسد لديه سنوات بل عقود ليفي بوعده الذي أعلن عنه أخيرًا. فإذا كانت روسيا والولايات المتحدة متأخرتين بأشواط، فهذا يعني أن الأسد ليس في عجلة من أمره إطلاقًا.