قالوا إنه متردد، لكن باراك أوباما عرف كيف يناور في الأزمة السورية، فيطرح الفكرة ونقيضها، ليتصرف بعدها وفق المقتضى، على طريقة الكاتب الأميركي سكوت فيتزجيرالد.


بيروت: الرئيس الأميركي باراك أوباما يعتمد فكرة النقيضين عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية لبلاده، وخصوصًا في تعاطيه مع الأزمة السوري أخيرًا. ما يعتقده البعض ترددًا وخوفًا هو في الواقع مناورة سياسية بامتياز، تجعله قادرًا على عرض فكرتين متناقضتين ثم التصرف وفقًا لسير الأمور.

مبدأ فيتزجيرالد

قال الكاتب الاميركي سكوت فيتزجيرالد يومًا إن الذكاء الخارق هو امتلاك القدرة على عرض فكرتين متناقضتين في نفس الوقت، مع الاحتفاظ بالقدرة على التصرف. عندما كتب هذه الكلمات في العام 1936، لم يكن فيتزجيرالد يتخيل انها سوف تصبح مبدأ رئيسيًا في السياسة الخارجية الأميركية في القرن الواحد والعشرين.

قد يكون الشك هو العدو الأكبر عند اتخاذ القرارات المصيرية، لكن كما اتضح من حرب العراق، فإن التهور نحو الخيار العسكري ليس دائمًا الحل الأمثل، ولا يوفر ضمانة للنجاح.

قدرة أوباما على رؤية الجانبين من أي قضية منذ توليه منصبه أثبتت انها نقطة في صالحه، ومبادرته السياسية تجاه أفغانستان هي أحد الأمثلة البارزة على هذه الخاصية. فبعد نقاش داخلي مطول، أعلن في خطاب واحد القرار بتصعيد تورط الولايات المتحدة في البلاد، وأعلن أن قواته ستغادر في تاريخ معين.

منذ ذلك الحين، عكست خطابات أوباما تناقضات عدة، أحدثها حيال الأزمة في سوريا، عندما أعلن انه ذاهب إلى الكونغرس للحصول على موافقة من أجل القيام بعمل عسكري ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد، ومن ثم احتفظ بحق اتخاذ إجراءات من تلقاء نفسه.

أوباما العقلاني

قد يعتبر هذا النوع من التذبذب دليلًا على الارتباك بدلًا من مظهر من مظاهر الذكاء الخارق. لكن الواقع هو أنه عبارة عن مزيج من الاثنين، فإذا استمرت الشكوك، تواصل الغرائز الكامنة لدفع السياسة تجاه نتائجها في نهاية المطاف. واعتبرت فورين بوليسي أن غريزة أوباما الأساسية هي أولًا تجنب الصراع المسلح الذي يضع القوات الأميركية في خطر، سواء بالرجوع عن القرار أو بخيار تضييق نطاقه.

ما أراده أوباما في سوريا واضح جدًا، وهو تجنب حرب أخرى والتصرف في الوقت ذاته لوضع حد لأبشع جرائم الحرب التي ترتكب في البلاد باستخدام الأسلحة الكيميائية. تخبط الرئيس الاميركي وتردد وأرسل رسائل مختلطة كشفت على حد سواء عن ضعف سياسي وصراع داخلي.

لكن عندما حانت الفرصة لتحقيق هدفه من دون حرب، تصرف أوباما بسرعة البرق، على الرغم من أن الحل لم يكن مثالي، وأدى إلى تقوية روسيا في الشرق الأوسط.

كان بإمكان أوباما أن يتصرف بشكل مختلف، كأن ينتهج أسلوب من سبقوه، ويهدد ويتوعد ثم يشن الحرب. لكنه لم يفعل ربما لأسباب سياسية، أو متعلقة بنقاط ضعفه وتردده، أو حتى رفضه الاستماع إلى أفضل مستشاريه. لكن في النهاية، لا يمكن لأحد أن ينكر انه الأكثر عقلانية بين الرؤساء الاميركيين، والاكثر ميلًا إلى اتجاه السلام.