بيروت: بعد أن كان الصراع في سوريا يرتكز على هدف رئيسي وهو إزاحة الرئيس بشار الأسد عن كرسي الرئاسة، انحرف المقاتلون عن مسارهم ووجهوا البندقية لمقاتلة بعضهم البعض في تنافس محموم يعكس الطبيعة المعقدة للأزمة السورية.
الجماعات الجهادية المقاتلة في سوريا تخطف وتقتل إحداها الأخرى، في ما قد يعتبر بداية لحرب مصيرية تبتلع الثورة، أو فرصة للمعتدلين ليعاودوا الظهور بعد أن جلسوا في الظل لفترة طويلة.
فرصة الولايات المتحدة
إذا أرادت الولايات المتحدة التحرك ضد الجهاديين في سوريا، فلا يوجد وقت أفضل من الآن، إذ أن التوترات بين الجماعات المتمردة المعتدلة، والقوى المتطرفة تبتلع ساحة المعركة في جميع أنحاء البلاد. وقد فاقمت هذه التوترات، احتمالية الضربة العسكرية الأميركية التي سادت في الأسابيع القليلة الماضية.
فالتيار المعتدل رحب بها إلى حد كبير، بينما تخوف منها الجهاديون معتبرين أن الولايات المتحدة سوف تستهدفهم.
عداء المقاتلين
اندلعت الاشتباكات في شمال وشرق البلاد اليوم، لا سيما بعد قتال الجيش السوري الحر في مدينة دير الزور ضد quot;الدولة الإسلامية في العراق وسورياquot;. وفي الوقت نفسه، شنّت الجماعة هجوماً على بلدة اعزاز، التي تقع بالقرب من الحدود التركية.
وتأتي هذه الاشتباكات بعد إعلان الدولة الإسلامية في العراق وسوريا عن الحرب في وقت سابق هذا الاسبوع، ضد كتائب الفاروق التابعة للجيش السوري الحر في حلب، جنباً إلى جنب مع ألوية أخرى من المقاتلين المعتدلين.
العداء الذي تكنه هذه المجموعة للماقتلين المعتدلين ينبع من التسلسل الهرمي لتنظيم القاعدة، ففي تسجيل صوتي الأسبوع الماضي، حذّر رئيس تنظيم القاعدة أيمن الظواهري أتباعه في سوريا ونصحهم بتجنب التعاون مع quot;الجماعات العلمانية المتحالفة مع الغربquot;.
واعتبرت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; ان الجماعات المقاتلة الرئيسية لا تستطيع التنكر للتابعين لتنظيم القاعدة، ففي غياب مسعى دولي لمساعدة المعارضة، يبقى الجهاديون السلاح الأكثر فتكاً للمعارضة المسلحة، حيث حققت هجماتهم الانتحارية بعضا من المكاسب الاستراتيجية الأكثر أهمية في الآونة الأخيرة، لا سيما محاصرة الجماعات المتمردة لمطار منغ في حلب، ومجمع الحميدية العسكري في محافظة إدلب الشمالية الشهر الماضي.
سلوك الجهاديين
يزرع سلوك الجماعات المتمردة الذي يعتمد على مبادئ تنظيم القاعدة، القلق بين المقاتلين والمدنيين، فالجهاديون رصيد لا غنى عنه في الخطوط الأمامية للمعارك، لكن سلوكهم في المناطق المحررة ينفّر السوريين، لا سيما وأنهم خطفوا النشطاء وعمال الإغاثة وروعوا المدنيين، وأرغموهم على تنفيذ الشريعة الإسلامية بشكل متطرف.
جهود لتفادي أخطاء العراق
عمل عناصر تنظيم القاعدة في سوريا على تجنب الأخطاء التي ارتكبت في العراق، فبذلوا جهوداً للابتعاد عن الممارسات الوحشية التي تخيف الناس والتكتيكات العشوائية في البلدات والأحياء.
فزعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، دعا أتباعه مرارا وتكراراً للمرونة بشأن المسائل الدينية التي لا تعتبر من quot;الأصولquot; - أي الأساسيات - لتجنب استعداء السكان المحليين. لكن هذه النصيحة لم تلق تجاوباً واسعاً، إذ بالإضافة إلى توجيه السلاح ضد كتائب الثوار quot;الزميلةquot;، أطلق هؤلاء النار على السوريين الذين احتجوا خارج مقارهم في الرقة، أعدموا صبياً في حلب، واعتقلوا الكاهن الايطالي الأب باولو دالوليو المدافع المخضرم عن التعايش الديني في سوريا.
تهديد لوجود الجهاديين
يعلم الجهاديون أن أحد أكبر التهديدات لوجودهم ليس هجمات الطائرات بدون طيار أو الهجوم العسكري على النظام، بل مواجهة الرفض من قبل السكان المحليين. ويشعر هؤلاء بالرعب من تكرار تجربة quot;مجالس الصحوةquot; التي بدأت في محافظة الأنبار في العراق، بعد أن أدت ممارسات تنظيم القاعدة إلى نفور السكان السنة في المنطقة.
وهذه الممارسات المتشددة وإثارة الرعب في نفوس السوريين جعلت من الجهاديين أعداء تحتل quot;محاربتهمquot; رأس القائمة قبل الأسد. لذلك، فإذا كان العالم يريد حليفاً في حربه ضد زحف التطرف، فسوف يجد مجموعة واسعة من السوريين على استعداد للمساعدة في طرد الجهاديين خارجاً.