فرنسا وبريطانيا مقتنعتان بأن على الاتحاد الاوروبي بناء قدرة على التحرك المستقل عن أميركا، تدعمها قوات عسكرية وآليات لاتخاذ القرار ردا على أي أزمة دولية، لكن عليهما إقناع ألمانيا ودول أخرى بذلك.

منذ تسعينات القرن الماضي، وبعد المهانة التي لحقت بأوروبا في البوسنة، توصلت فرنسا وبريطانيا إلى أنه من الضروري توفير الوسائل التي تتيح التعامل مع اوضاع تتطلب استخدام القوة العسكرية، من دون مشاركة الولايات المتحدة. وكان هذا الدرس اساس اتفاق سانت مالو في العام 1998، الذي اعلنت فيه فرنسا وبريطانيا أن على الاتحاد الاوروبي أن يقوم بدوره كاملًا على الساحة الدولية، quot;ويتطلب ذلك من الاتحاد الاوروبي أن يبني قدرة على التحرك المستقل، تدعمها قوات عسكرية ذات مصداقية، وآليات لاتخاذ القرار باستخدامها والاستعداد لاستخدامها ردا على أزمة دوليةquot;، كما اعلن القطبان الاوروبيان حينذاك.

ثلاثة أسباب
لاحظ مراقبون أن هذا الاتفاق يحتفظ بصحته اليوم أكثر من أي وقت مضى لأسباب مختلفة. أولًا، بسبب ابتعاد الادارة الاميركية الحالية عن المشاكل الاوروبية وعن منطقة استراتيجية مثل الشرق الأوسط، خلافًا للسياسة الاميركية التقليدية. فالرئيس باراك اوباما انسحب من العراق، وقرر الانسحاب من افغانستان، وتدخل على مضض في ليبيا حيث اخترع مبدأ القيادة من الخلف، وهو يخشى التدخل في سوريا. وترك هذا بريطانيا وفرنسا بمفردهما تدعوان إلى تحرك حازم ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فكانت روسيا الرابح الأكبر.
والسبب الثاني هو ألمانيا التي أفهمت شركاءها الغربيين انها تريد أن تبقى قوة اقتصادية ومالية عظمى في اوروبا، تملي سياسات وتحدد قواعد، لكنها لا تريد النهوض بمسؤوليات دولية ردا على أزمات دولية، وخاصة إذا تطلب ذلك استخدام وسائل عسكرية.
وثالثًا، ما يصح على المانيا يصح على غالبية الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الاوروبي، حيث لم تكن هناك ذات يوم رغبة حقيقية في تحويل القارة العجوز إلى قوة دولية كبرى. ويرى غالبية القادة الاوروبيين أن القوة الاقتصادية كافية، ولدى اوروبا قوة ناعمة تمارسها من خلال تقديم المساعدات الانسانية والمعونات المالية، ولدى الاتحاد الاوروبي عمومًا قناعة بأن الولايات المتحدة هي القادرة على القيام بدور شرطي العالم.

سانت مالو - 2
وبذلك، تبقى فرنسا وبريطانيا وحدهما عمليا في الساحة، وكلتاهما قوتان نوويتان، وعضوان دائمان في مجلس الأمن، وتشكلان القوة العسكرية الوحيدة التي يُحسب حسابها في اوروبا. ويؤكد محللون أن توحيد هذه القدرات في مصدر قوة جديد يتطلب أن تدرك فرنسا وبريطانيا أن علاقتهما ليست لعبة صفرية، ما يكسبه طرف فيها يكون خسارة للطرف الآخر، وألا تتسابقا على نيل رضا واشنطن. وفي هذا الشأن، نقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن السفير الفرنسي السابق في لندن جيرار اريرا قوله: quot;على فرنسا وبريطانيا أن تقتنعا بأن لديهما مصلحة مشتركة في إقامة نظام دولي يعمل بقواعد متفق عليها بين اطراف متعددة، وفرض هذه القواعد إذا تعرضت للانتهاكquot;. وعلى باريس ولندن اقناع شركائهما الاوروبيين بأنه إذا ارادت اوروبا أن تكون لها كلمة في الشؤون الدولية، عليها أن تستخدم كل ما لديها من قدرات، بما في ذلك العسكرية عند الضرورة، بحسب اريرا. وأضاف أن باريس ولندن وقعتا اتفاقية سانت مالو بعد البوسنة، وعليهما بعد سوريا أن توقعا سانت مالو ـ 2. فهذا هو الطريق الوحيد امامهما للبقاء لاعبين دوليين.